الميثاق نت -

الإثنين, 03-فبراير-2025
طه العامري -
بعد سنوات الأزمة والحرب والعدوان والحصار والتمزق، التي تفشت خلالها ثقافة الحقد والكراهية في أوساط النخب اليمنية وراحت تجرّم وتكفر بعضها وتجرّدها من الهوية والإنتماء، وبعد أن فشلت أطراف الصراع في الانتصارات لخياراتها، وفشل العدوان في إسقاط ما أطلقوا عليه (سلطة الإنقلاب) وإعادة ما يسمى بـ (الشرعية) وبعد اشتداد الأزمة، وأشتداد معاناة الوطن والشعب، ألم يحين الوقت للنخب اليمنية المتنفذة أن تعود لوعيها بعد أن أصبح يقيناً أن لا انتصار لطرف ضد آخر، وأن لا طرف يمكنه أن يفرض خياراته على الطرف الآخر، وأن بقاء المشهد على ما هو عليه فعل من مستحيل، والتمترس على تخوم التعصب الذاتي أيضاً فعل غير مقبول، وبالتالي فإن الحال يتطلب عودة الجميع إلى وعيهم الوطني وإلى جادة الصواب والتفكير بمصلحة الوطن والشعب وأن لا يدخلوا التاريخ و يحتلوا الصفحات السوداء في سجلاته..!
إن هناك أكثر من ( 35 مليون يمني) أمنهم واستقرارهم وحياتهم الطبيعية متوقفة على مواقف أطراف الصراع الذين عليهم أن يقفوا مواقف جادة وصادقة ويراجعوا مواقفهم و يغلبوا مصلحة وطنهم وشعبهم على مصالحهم المذهبية والحزبية والقبلية والمناطقية والفئوية، عليهم أن يثبتوا للمواطن المغلوب على أمره أنهم أصحاب قرار وطني وحملة مشروع وطني وحريصون فعلاً على أمن واستقرار الوطن والمواطن، وأنهم فعلاً خداماً للشعب والوطن وليسوا (سادة) والشعب لهم (عبيد)..!
لا اقصد بهذا القول طرفاً بذاته من أطراف الصراع بل قصدي يطال الجميع سواء (سلطة أمر واقع) أو (شرعية) أو (إنتقالي) أو (إصلاح ومشترك) الجميع مطالبون بأن يعودوا لطريق الحق، وطريق الحق هي طريق أمن واستقرار الوطن والمواطن..!
إن الشعب بلغ مرحلة حياتية لا تطاق ولا تحتمل ولا يرضى عنها الله ولا رسوله ولا أي صاحب ضمير وطني أو حتى يحمل بقايا من ضمير وطني، والوطن جغرافيا لم يعد يحتمل هذا التجريف الجغرافي وتهافت الأطراف الخارجية إقليمية ودولية وكلاً على طريقته يسيطر على هذا النطاق الجغرافي أو ذاك..
إن العالم الخارجي أكان قريباً أو بعيداً، صديقاً أو عدواً لن يحل أزمتنا ولا تعنيه إلا بمقدار ما له من مصالح في وطننا، وقد لا تعنيه أزمتنا إلا ضمن مصالحه وهذا ما يبدو حتى اللحظة، فدول الجوار السعودية أو الإمارات تبحثان عن مصالحهما في بلادنا مثلما تحاول الإمارات السيطرة على الجزر والمؤاني والشواطئ اليمنية وتوظيفها لمصلحتها وتحسين موقعها ومكانتها في مشروع الحزام والطريق وهو المشروع الذي تخاض عليه معارك طاحنة تمتد من وطننا العربي إلى وسط آسيا إلى أوكرانيا وصولاً إلى مضيق تايوان وبحر الصين والمحيطات، معارك جيوسياسية محتدمة نحن فيها خارج المعادلة والحسابات والسبب غياب مشروعنا الوطني الواحد، وشيوع تناحرنا الذي دفعنا للارتماء بأحضان قوى إقليمية ودولية، قوى لن تدافع عن مصالحنا الوطنية ولن تكون حريصة على وحدة هويتنا الوجودية، لكن قرب بعضنا منها يعتمد على ما يقدمه لهذه الأطراف الخارجية إقليمية أو دولية من تسهيلات تضمن بموجبها مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية التي ستحققها على حساب مصالحنا الجيوسياسية والاقتصادية والوجودية..
لقد دعا الفريق سلطان السامعي عضو السياسي الأعلى في صنعاء وكرر دعواته لحوار وطني صادق وجاد ومسؤول، وحين يصدر هذا الكلام أو هذه الدعوة من شخصية سياسية مسؤولة تحتل مكانتها في أعلى هرم السلطة في صنعاء يجب أو يفترض أن يأخذ بها الطرف الآخر ويتعامل معها بإيجابية ومسؤولية وطنية ومن ( العيب والعار) تجاهلها خاصة وهي صادرة من شخصية سياسية وطنية يعرفها الطرف الآخر جيداً ويعرف تاريخها النضالي الوطني، ودعوة كهذه تصدر من الفريق الشيخ سلطان السامعي، لم تصدر جزافاً بل تعبيراً عن رؤية وموقف والمفترض والطبيعي التعامل معها بروح المسؤولية الوطنية وبوعي راق ومفتوح يفترض أن يتحلى به الطرف الآخر ورموزه، الذين عليهم أن لا يراهنون على الخارج ليستقوو به على الداخل، فهذا الرهان لا يجدي ولن يجدي ولم يكسبه سابقاً لا (البدر) الذي احتشدت خلفه دول الخليج والاردن وإيران الشاه وامريكا وفرنسا وبريطانيا وحتى الكيان الصهيوني، ويفترض أن تستوعب نخب اليوم هذه الحقائق وتدرك أنها تعيش العبث وتمارسه وتراهن على سراب..
من (العار) علينا كشعب يمني ونخب يمنية أن ننتظر أطرافاً خارجية لتفرض علينا الحلول وتجبرنا على الجلوس على طاولة الحوار والاتفاق.. نعم سيكون هذا "عار" تاريخي تتناقله الأجيال المتعاقبة، وسيكون نقطة سوداء في مسارنا التاريخي ونحن من نتفاخر بأننا شعب الحكمة والإيمان.. الأمر الآخر وهذا ما يجب أن نستوعبه وهو أن من الصعوبة بل من المستحيل وكما سبق وأن أسلفت أن يفرض طرفاً من أطراف الصراع نفسه وخياراته على الشعب والوطن، كما أن من الصعوبة أن يتفرد طرفاً بذاته بحكم اليمن سواء أكانت موحدة أو مشطرة، وأن محاولة الوصول إلى خيار (التشطير) والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990م سيكون خياراً كارثياً لن يحقق الاستقرار والامن لأيٍ من (الشطرين) بل سيفتح على من يراهنون عليه أبواب الجحيم..!
على الجميع أن يدركوا - وأقصد أطراف الأزمة والصراع - أن أيا منهم لم يخوّله الوطن والشعب ليكون معبراً عنهما، نعم نحن في أزمة بدت سياسية وانتهت أن أصبحت أمنية وعسكرية واجتماعية وثقافية، بعد أن راح كل طرف يسوّق خطابه الإنتقاصي من الآخر والتنكر له ولوجوده وشرعيته وهويته الوطنية، وهذا الخطاب - لعمري - كان خطاباً كارثياً وغير مسؤول .. خطاب لا يصدر عن نخب وطنية مسؤولة وذات مشروع وطني، بل مثل هذا الخطاب تسوّقه أطراف وضعت مصلحتها الذاتية فوق مصلحة الوطن والشعب، ومع استمرار الأزمة زادت ثقافة (كي الوعي) وثقافة التحريض على الحقد والكراهية، حتى أصبح لدينا جيل ضحية لهذا الخطاب التدميري رغم إدراك أطراف الصراع أن لا أحد فيهم يمكنه أن يسيطر على الوطن ويتفرد بحكمه ويلغي الآخرين فلا مسؤولي صنعاء يمكنهم فرض سيطرتهم على الوطن والشعب بصورة كلية والتفرد بحكمهما، ولا (الشرعية) التي تتجول في عواصم الجوار والعالم تستجدي من يعيدها للحكم يمكنها أن تتفرد بحكم اليمن والسيطرة عليه..
وبما إننا أمام أزمة معقدة ومركبة، وعلى يقين بأن من كان سبباً في إشعال الأزمة لا يمكنه أن يكون جزءاً من حلها، فإن المنطق يتطلب من أطراف الأزمة الارتقاء لمستوى المسؤولية الوطنية وأن يتحملوا مسؤولياتهم بشجاعة وإخلاص، وأن يراعوا مصلحة الوطن والشعب وأمنهما واستقرارهما، وأن يقدم كل طرف منهم ( وجوه جديدة) تمثلهم على طاولة الحوار الوطني .. ( وجوه) لم تلوث ولم تكن جزءاً من الأزمة والصراع، تكون ممثلة لكل الأطراف والأطياف الوطنية وأن يتفق الجميع على رعاية محايدة إقليمية أو دولية يتم التوافق عليها شريطة أن تكون هذه الجهة غير متورطة في الأزمة والصراع الوطني اليمني وتكون فعلاً محايدة وصادقة النية في تحقيق أمن واستقرار اليمن وحريصة على إنهاء معاناة هذا الشعب التي لم تعد تحتمل رغم كل ما يقال ويسوقه أطراف الصراع الذين يعيشون في أبراج عاجية غير مدركين لما يعانيه الشعب وما يتحمله من معاناة قاسية ومؤلمة حد الوجع..
إن الفرصة متاحة أمام أطراف الصراع إذا ما رغبوا أن يستغلوا اللحظة ويتكرموا ويخرجوا هذا الشعب من شرنقة البؤس والقهر ومكابدة الحياة التي لم يعهد لها مثيلاً عبر تاريخه..
فهل يعود أطراف الصراع إلى رشدهم ويتقوا الله في شعبهم ووطنهم ويدركون أن لا الله ولا رسوله ولا التاريخ سوف يرحمهم.

تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 03-فبراير-2025 الساعة: 12:09 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67132.htm