الميثاق نت -

الإثنين, 10-فبراير-2025
عبدالسلام الدباء * -
"سامحونا إن قصَّرنا معكم"، بهذه الكلمات التي تحمل عمق المسؤولية والمشاعر الصادقة، خاطب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أهل غزة عبر قناة "الجزيرة" لقد كانت كلماته موجزة لكنها تختصر الدور القطري المميز في مساندة الشعب الفلسطيني، الذي واجه عدواناً إسرائيلياً بشعاً، ولذلك لم تكن هذه الرسالة مجرد تعبير عن التضامن، بل كانت تأكيداً على التزام قطر بموقفها الإنساني والدبلوماسي الداعم لغزة، والذي تجلى بوضوح في الوساطة التي قادتها لإنهاء الحرب بشروط تليق بصمود المقاومة الفلسطينية..

لقد كان الاحتلال الإسرائيلي يراهن على انكسار غزة، لكن هذه المدينة المحاصَرة أبت إلا أن تكون رمزاً للثبات والعزة لأكثر من سنة وثلاثة أشهر، وقفت فيها غزة بشموخ طوال تلك الفترة رافضةً رفع الراية البيضاء.. تحملت الدمار وفقدان الأحبة، لكنها ظلت متمسكة بكرامتها وحقوقها المشروعة، وعلى الجانب الآخر، لعبت قطر دوراً محورياً في هذه المعركة من خلال قيادتها الحكيمة بزعامة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ودبلوماسيتها النشطة بقيادة رئيس الوزراء الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، واستطاعت قطر أن تنجح في تحريك الملفات السياسية وضمان تحقيق وقف إطلاق النار الذي يلبي متطلبات الفلسطينيين لتثبت أن حقوق الشعب الفلسطيني وأهل غزة ليست قابلة للمساومة..

ومع انتهاء العدوان، بدت غزة بصورة المنتصر الحقيقي في هذه المواجهة بعدما فشلت كل خطط الاحتلال التي استهدفت تهجير السكان، وتفكيك المقاومة، وتحقيق انتصارات سياسية وعسكرية، وسقطت كل تصريحات قادة الاحتلال حول إبعاد قيادات المقاومة، والقضاء على حماس، وكلها أصبحت أوهاماً.. وفي المقابل، برزت غزة قوية وصامدة، لتقول للعالم إن إرادة الشعوب أقوى من آلة الحرب..

وللحقيقة فإن هذا الانتصار لم يكن بمعزل عن الدعم الدبلوماسي الذي قدمته دولة قطر، والذي كان له الأثر البالغ والكبير، فهو لم يكن مجرد وساطة سياسية، بل كان انعكاساً لالتزام قطر الدائم والثابت في دعم الأشقاء في فلسطين، والذي جسدت فيه الدوحة كل القِيَم العربية والإسلامية في نصرة المظلوم، وأثبتت من خلاله أن التضامن الإنساني ليس مجرد شعار، بل إنه موقف ثابت يتجلى في كل المواقف الصعبة..

واليوم وبعد إعلان وقف إطلاق النار، يمكن القول بأن غزة قد انتقلت من معركة البقاء إلى معركة إعادة الإعمار.. وهنا أيضاً سوف يبرز دور قطر مجدداً، حيث تواصل جهودها لإعادة الحياة إلى طبيعتها في القطاع من خلال جسر المساعدات البري لإغاثة أهل غزة، كما أنه من المتوقع أن تشارك قطر بفاعلية كما هي عادتها في إعادة تأهيل المستشفيات وإعادة ما دمرته الحرب من منشآت خدمية وتقديم العديد من المساعدات الإنسانية، وضمان توفير سُبُل العيش الكريم للمتضررين، وكل هذه الجهود ليست جديدة على قطر التي لطالما مدّت يدها البيضاء لدعم كافة القضايا العادلة حول العالم..

إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً لوقف العدوان على غزة بوساطة قطرية، قد اعتُبر نصراً سياسياً وإنسانياً لغزة، وهزيمة للاحتلال الإسرائيلي، فعند النظر إلى بنود الاتفاق نجد أنها قد تضمنت انسحاب الاحتلال من كافة مناطق القطاع وفتح معبر رفح وتبادل الأسرى، وتأمين الاحتياجات الإنسانية العاجلة للمدنيين، وهذه البنود لم تكن مجرد شروط تفاوضية بل إنها كانت تأكيداً على نجاح صمود غزة وقدرتها على فرض إرادتها في مواجهة آلة الحرب العدوانية الإسرائيلية..

وبينما تواجه إسرائيل أزمة داخلية ودولية، سوف تتكشف ملامحها في الفترة القادمة، وبينما أيضاً ينتظر رئيس وزرائها (بنيامين نتنياهو) مصيراً قاتماً كمجرم حرب، فإن غزة تستعد اليوم لبناء مستقبلها بعد أن أعادت هذه الحرب تعريف معادلة القوة في المنطقة، وأظهرت أن المقاومة الوطنية المشروعة والدبلوماسية الحريصة والمنصفة يمكن أن يتكاملا لتحقيق النصر..

وفي الختام، لا بد من التأكيد أن غزة ستبقى رمزاً للصمود والإرادة الحرة، بينما ستبقى قطر مجدداً لتؤكد مكانتها كدولة عظمى في مواقفها، وعظمى في أخلاقها وإنسانيتها، وأن موقف قطر مع غزة سيبقى درساً في التضامن ونصرة المظلوم، وحكاية تُثبت أن الحق مهما طال الطريق سينتصر..

بارك الله بقطر أميراً وحكومةً وشعباً.. والمجد والنصر لـ غزة الصامدة، والسلام على أهلها الذين صنعوا المجد بدمائهم وتضحياتهم.. وعاشت فلسطين حرة مستقلة.


*مستشار وزارة الشباب والرياضة
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 11-فبراير-2025 الساعة: 12:04 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67164.htm