حمود العودي - التاريخ ليس خطاً مستقيماً يمتد من الماضي إلى المستقبل بوضوح هندسي، بل نسيجاً مُعقَّداً من الصراعات والتحولات، تتداخل فيه الإرادة الإنسانية مع شروط الواقع، بين الحتمية التي تفرضها البنية الاجتماعية والاقتصادية، وبين الاحتمالات التي تفتحها لحظات الوعي والتمرد..
و الثورات في جوهرها ليست مجرد انفجارات آنية بل سيرورات ممتدة تشتعل شراراتها بفعل التراكم، حيث تتحول مظاهر القهر والاستبداد إلى طاقة متراكمة من الغضب، ما تلبث أن تنفجر عندما يصل المجتمع إلى نقطة اللاعودة، عندما يصبح البقاء في الوضع القائم أكثر استحالةً من القفز إلى المجهول..
لكنها في الوقت نفسه ليست لحظات مطلقة من القطع مع الماضي، بل هي عمليات متشابكة من الهدم والبناء، من الصدام بين الطموح والإحباط، بين المثال والواقع، بين الحلم والممكن.. وهي أيضاً مشاريع غير مكتملة وتظل دائماً مفتوحة على احتمالات النجاح أو الاختطاف.. على مسارات التحقق أو التشويه، وفقاً لمدى قدرتها على بناء أدواتها، وتحصين ذاتها ضد قوى الردة والانقلاب المضاد.
وبالتالي المستقبل لا تصنعه الأيدي المرتعشة التي تتشبث بالماضي خوفاً من التغيير، بل يكتبه أولئك الذين يمتلكون القدرة على استشراف القادم، وتصحيح المسار، والرهان على غد مختلف..
كما أن التاريخ لا يمنح فُرَصاً مجانية بلا ثمن..لكنه أيضاً لا يغلق أبوابه أمام الذين يمتلكون الشجاعة لإعادة رسم الطريق..
فهل نحن مستعدون لهذا التحدي؟
|