الميثاق نت -

الأحد, 23-فبراير-2025
عبدالعزيز البغدادي -
السؤال لا يعني مطلقاً إنكار كون أوضاع ما قبل 11 فبراير 2011م في هذا البلد السعيد، كانت قد وصلت إلى حالة مزرية تستوجب التغيير سواءً من خلال الشرعية الدستورية التي توجب التداول السلمي للسلطة أو الشرعية الثورية التي تعطي الحق لمن لديه قدرة القيام بثورة حقيقية..
وواجب الجميع عدم التعامي ليس فقط عن كون التغيير الواجب على الثورة الحلم إحداثه بل وعن الحال الذي وصلت إليه البلاد من الانقسام والتمزق والانفلات والفساد الذي تضاعف أضعافاً مضاعفة عما كان عليه الحال قبل الثورة التي نحتفل بها..
التساؤلات مرتبطة بتساؤل جوهري:
هل كان التحرك نحو الثورة تحرُّك وطني أصيل أم أنه تحريك من خارج الوطن ؟!
واقع الحال يحتوي على لُبّ الإجابة، فالتغيير للأفضل شرط أساس لوجود ثورة حقيقية؛ الثورة لا يبرهن على وجودها ترديد الشعارات وسفك الدماء ونهب الأموال والممتلكات باسم الثورة..
الثورة عمل نبيل يؤدي إلى إحساس المواطن بوجوده.. والثوار الحقيقيون يعرّضون حياتهم لمخاطر القيام بالثورة من أجل تغيير حال الفقر إلى الغِنى، والظلم إلى العدالة واحترام مبدأ سيادة القانون، والجمود والتخلف إلى الحرية واحترام العلم واللحاق بركب الحضارة المادية والروحية..
وأي تغيير لا يؤدي إلى شراكة وطنية حقيقية، لا يعدو عن كونه إجهاضاً لعوامل التغيير الحقيقي ولا يؤدي إلى السلام الدائم المبني على مبدأ التداول السلمي للسلطة وبناء دولة القانون والمواطَنة المتساوية..
إن محاولات الوصول إلى هذه المرحلة من مراحل التأسيس لبناء الدولة اليمنية في تاريخها الحديث يوضح أن قوى سياسية مؤثرة تقف عائقاً أمام الشراكة الوطنية في كل محطات محاولات التغيير، وبخاصة منذ المحاولة الرئيسية ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م، وهدف القوى المعيقة هو الإبقاء على استبدال الشراكة الوطنية بالتقاسم السياسي بين هذه القوى المهيمِنة، وهو الشكل المعروف بالمحاصصة القائم للسلطة والثروة التي تديرها الرغبات والأهواء الشخصية..
ولذلك رأينا أن ما يمارسه من نطلق عليهم رؤساء من صلاحيات تفوق صلاحيات الملوك والخلفاء والأباطرة والسلاطين، مغلّفين حكمهم وتحكُّمهم بإساءة استخدام الدين!
هذه الصلاحيات المطلَقة تنفي عن النظام الجمهوري مضمون الديمقراطية المنصوص عليه في الهدف الأول من الأهداف الستة للثورة..
جوهر الديمقراطية يؤكد أن النظام الجمهوري لا يستقيم معناه إلا بالتسليم بالتداول السلمي للسلطة، وجوهر التداول السلمي للسلطة يعني التسليم بملكية الشعب للسلطة والثروة، وأن حقه في اختيار السلطة من خلال انتخابات حرة ونزيهة حق أصيل غير قابل للمساومة لأي سبب من الأسباب، والشعب الذي يتخلى عن هذا الحق ليس شعباً حراً أياً كانت الشعارات التي يرفعها..
ولأن أهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر عند من يؤمن بالوحدة أهداف محورية فأي حركات لاحقة لهما لا تسمى ثورة بل حركات تصحيح إذا كان أصحابها يؤمنون حقاً بتراكم البناء الوطني وحركة التأريخ وترسيخ قِيَم الوحدة الوطنية..
ومن يطلق العنان لنفسه من خلال استغلاله السلطة الدينية أو المدنية لتغيير مسار التأريخ وفق أهوائه ورغباته فليس سوى معتدٍ على التاريخ الوطني لليمن ويهدف إلى إحداث تشويش على العقول وتحويل الوطن إلى ساحة لتصفية الحسابات الخاصة واستمرار توارث الأحقاد.. وبهذا العمل ينعدم الاستقرار وتختلط المفاهيم ويتحول مصطلح الثورة إلى لعبة وسيلتها سفك الدماء ودافعها الانتقام ثم الانتقام المقابل..
من هذا المنطلَق لا بد من التذكير بأن اليمنيين فاتتهم الكثير من الفرص لبناء الدولة اليمنية الديمقراطية العادلة التي لا يمكن أن تقوم ويُكتب لها النجاح والاستمرار إلا بمراجعة جادة وواعية من قِبَل كل القوى الوطنية المدركة أهمية التراكم المعرفي والبحث العلمي لكل التجارب الثورية السابقة بحيادية تامة، وفرز إيجابيات الماضي والبناء عليها وتجنُّب السلبيات ونبذها..
وأبرز ما يجب التركيز عليه عوامل وأسباب هيمنة أصحاب المصالح الفردية والفئوية والمناطقية والمذهبية والقوى المتطرفة المتمترسة خلف هذه العناوين الهدامة..
المطلوب حس وطني عالٍ ويقظة معرفية لتمييز الفرق بين الشراكة الوطنية التي لا يمكن أن تنفصل عن الديمقراطية كنظام متكامل وليس مجتزَأً ملغماً بما يعطيه معنى غير معناه..
بالتأكيد يوجد من يقول دائماً إن ظروف اليمن لا بد أن تراعَى، ولكن هذه المقولة تتكرر باستمرار، وهدف من يرددها هو العمل على استمرار التقاسم والمحاصصة بين لصوص الثروة والسلطة وهم جماعات وأفراد وقيادات ألِفوا الاعتماد على تجارة الحروب والأزمات، وبيئتهم المناسبة هي استمرار التقاسم والارتهان لبعض القوى الخارجية التي لا تريد لليمن الاستقرار والسلام..
وهذه القوى تدرك أن استمرار الخلط بين السلام والاستقرار يساعد على استمرار تغليب المصالح الفردية والآنية الضيّقة لجماعات الحكم على المصلحة العامة للوطن اليمني..
وختاماً أتساءل: هل ترى القوى الوطنية -التي شاركت في حركة 11 فبراير 2011م التي تقاذفتها الرياح والمبادرات من بداياتها الأولى بعد كل ما جرى وما زال يجري- أن من واجبها مراجعة أين أخطأت وأين أصابت ؟!
وهل يُعقل أن نتغافل عن حالة التشرذم والانقسام والتمزق التي يعيشها الوطن اليمني – الأسباب والمسببات والربط بين المقدمات والنتائج؟..
وهل يمكن إطلاق مصطلح ثورة على حدثٍ لا توحّده أهداف، وإذا وُجِدت نظرياً فهل يُعقل أن نطلق كلمة ثورة على أحلام نظرية لم تتحقق على أرض الواقع؟!.
ألم يؤدّ سماح بعض القوى السياسية لبعض القوى الإقليمية والدولية بالتدخل في شئون اليمن إلى الحالة التي باتت تهدد وجوده؟!
إذا كانت هذه حال الوطن اليمني فعن أي ثورة نتحدث إذاً؟!
كفوا عن الاحتفال بثورة 11 فبراير إلى أن تتحقق.. من يحتفل بثورة قبل تحققها كمن يحتفي بالنصر المؤزر رغم الهزيمة النكراء!!
الأجدى أيها الأعزاء دراسة أسباب فشل الثورة والبحث عن عوامل النجاح، ودراسة مسببات الهزيمة للعمل على استدعاء مقومات النصر..
نتحرك حيناً بلون الرماد،
وأخرى بلون السماء؛
تارةً يكون لنا البعض مما نريد وهماً، وأخرى لا نعي ما نريد..!!
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 24-فبراير-2025 الساعة: 03:03 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67214.htm