ياسر زيدان - "للحظة وجيزة، كانت أنظار العالم متجهة إلى السودان عندما اجتاحت الحرب الأهلية البلاد، في أبريل الماضي، في أعقاب انهيار اتفاق تقاسم السلطة الهش بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.. ومنذ ذلك الحين، اختفى الصراع الوحشي من الأجندة الدولية بنفس السرعة التي دمر بها البلاد".. هذا ما كتبه فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في مقال نُشر على موقع الجزيرة، بالشراكة مع مارتن غريفيث رئيس وكالة الأمم المتحدة الإنسانية، وسيندي ماكين مديرة برنامج الأغذية العالمي، وكاثرين راسل مديرة اليونيسيف..
انخراط كل هؤلاء في إيصال هذه الرسالة، يوضح مدى إلحاحها والتجاهل الذي تعاني منه أيضاً، ووصفوا السودان بـ”الأزمة المنسية”، وحذَّروا من أن "8.5 مليون شخص أُجبروا على ترك منازلهم، وفَـرَّ ما يقرب من مليونين عبر الحدود، معظمهم إلى تشاد وجنوب السودان ومصر هرباً من إراقة الدماء.. وأكثر من نصف أولئك الذين يبحثون عن ملاذ آمن هم من الأطفال"..
في أحد المخيمات في دارفور، ذكرت صحيفة الغارديان أن طفلاً يموت كل ساعتين، وعلى الرغم من خطورة الوضع، فإن الغرب كان غير مبالٍ إلى حد كبير.. إن محاولة ألمانيا وفرنسا تسليط الضوء على هذه القضية، هي بمثابة تعقيب سريع مُرحَّب به، ولكنها تأتي في وقت متأخر جداً من اللعبة..
فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات وأجهزة في الإمارات، مرتبطة بقوات الدعم السريع السودانية.. ومع ذلك؛ فإن هذه الإجراءات غير كافية، لأنها لا تستهدف زعيم قوات الدعم السريع حميدتي أو مؤيديه في الإمارات العربية المتحدة.. تشير هذه العقوبات المستهدَفة عن غير قصد إلى أن ميليشيا قوات الدعم السريع التي ارتكبت الإبادة الجماعية، لا تتحمل المسؤولية إلا جزئياً، ولا تعالج مصدر المشكلة..
البحث عن السيادة الحقيقية
يتطلب تحقيق السلام والاستقرار الدائمين في السودان معالجة الأسباب الجذرية للصراع، بما في ذلك الاستغلال الاستعماري الجديد، والتدخل الخارجي.. لقد تَطلَّع الشعب السوداني، منذ فترة طويلة، إلى سيادة وطنية حقيقية، ودولة ديمقراطية متحررة من تأثير القوى الخارجية التي تسعى إلى التلاعب بمصيره، لتحقيق مكاسب خاصة بها.. إن السيادة الحقيقية تستلزم الحق في تقرير المصير، والسيطرة على الموارد الوطنية، والقدرة على رسم الطريق نحو السلام والازدهار بشروطنا الخاصة..
كما يُخبرنا النقش الموجود أسفل تمثال نكروما خارج البرلمان الغاني: "نحن نفضّل الحكم الذاتي المحفوف بالمخاطر على العبودية المفعَمة بالسكينة"؛ فإن تحقيق السيادة الحقيقية في السودان ليس بالمهمة السهلة، حيث تتطلب مواجهة المصالح التي يتم التخندق حولها، وتحدّي الوضع الراهن.. لقد أظهر الشعب السوداني صموداً وتصميماً في سعيه من أجل الحرية والعدالة، لكنه يواجه عقبات هائلة، بما في ذلك التدخلات الخارجية والانقسامات الداخلية..
خاتمة..
لا يمكن فصل الصراع في السودان عن سياقه التاريخي المتمثل في الاستعمار والاستغلال الاستعماري الجديد، والدور المدمّر الذي تلعبه دولة الإمارات في تسليح قوات الدعم السريع هو رمز للديناميكيات الأوسع للتدخل الخارجي، والاستغلال الذي لا تزال الأمة تعاني منه.. ولا يمكن تحقيق السلام والاستقرار الحقيقيين، إلا من خلال تحقيق السيادة الوطنية الحقيقية، والتحرر من القوى الخارجية التي تسعى إلى استغلال موارد السودان، والتدخل في مشهده السياسي.. وإذا ظل السودان بيدقاً في ملعب الطموحات الجيوسياسية للقوى الخارجية؛ فسوف يستمر في تمزُّقه، بسبب الصراع وعدم الاستقرار.. يمكن للسودان، فقط من خلال استعادة السيطرة على مصيره، وتأكيد سيادته، أن يأمل في التحرر من دائرة الاستغلال، وبناء مستقبل ينعم بالسلام والازدهار لجميع مواطنيه.
|