أحمد الزبيري - ما الذي يحدث للعالم والمنطقة بعد عودة ترامب رئيساً للولايات المتحدة؟.. وإلى ماذا يمكن أن تصل المتغيرات، وهل الطريقة غير المعتادة في تحقيقها توحُّش المصالح الأمريكية التي لم توفر لا أعداء ولا أصدقاء.. ترامب لا يتوقف عن ضرورة ضم كندا إلى دولته وتصبح الولاية الـ51، وخليج المكسيك أصبح خليج أمريكا، وجزيرة جرينلاند ذات الحكم الذاتي التابع للدنمارك يريد أن يتم بيعها أو التنازل عنها أو تقديمها كهدية لهُ، ونائبه يقول إن القِيَم التي تتشاركها أوروبا مع الولايات المتحدة لم تعد قائمة، وتحوُّل أمريكا من قائد لحرب حلف الناتو على روسيا في أوكرانيا إلى الضد قد أربك الدول والأنظمة والنخب الأوروبية، وخياراتها محدودة..
باختصار.. ترامب جعل أوروبا على كف عفريت، ولعل انسحاب الولايات المتحدة من المنظمات التابعة للأمم المتحدة ووقف تمويلها -إنْ صح- هو الإشارة الأكثر دلالةً بأن العالم أمام نظام جديد.. ما يهمنا مواقف ومشاريع الإدارة الأمريكية الترامبية في منطقتنا والتي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر ومن الضفة الغربية إلى الأردن، أو كما قال نتنياهو إقامة دولة فلسطينية في السعودية بحكم مساحتها الكبيرة، وربما تكون سوريا مثالية لتهجير الفلسطينيين إليها بتمويل عربي، وبالتالي تصبح فلسطين بكليتها يهودية صهيونية، ويصبح الكيان هو المهيمِن على المنطقة كلها، ربما بالتشارك مع الأتراك خاصةً وأن دورها في تحقيق نصر لإسرائيل لم يكن متوقعاً قد أعطى فرصة للصهاينة ولنتنياهو لإعادة رسم خرائط المنطقة؛ وما كان بالأمس استعراضاً بعد سقوط سوريا أصبح ممكناً..
في هذا السياق، نقول للأنظمة العربية الرسمية المتحالفة أو التابعة أو العميلة أن تقرأ هذه المتغيرات جيداً ربما تفهم ولو متأخرة أن وقوفها العلني والسري في حروب أمريكا والصهاينة وتآمرها وإشعالها الفتن ستجبي ثمنه أمريكا منها، وما هو معلَن ليس إلا بداية، وعليها أن تدرك قبل فوات الأوان أن المقاومة الفلسطينية واللبنانية وبقية المحور كان خط الدفاع المتقدم عنها، وليس على إيران كما سوَّقوا طوال سنوات..
رأينا حال ملك الأردن في البيت الأبيض، ورأينا تأجيل الرئيس السيسي زيارته للولايات المتحدة، ورأينا الرد الإعلامي السعودي على تصريحات نتنياهو، وسمعنا أحاديث ومداولات عن الخطة البديلة لاستيلاء ترامب على غزة من القاهرة إلى الرياض وعمَّان وربما عواصم أخرى من ذات النسق، في حين أن ما يجب أن يكون هو تقديم خطة مضادة تعكس إدراك هؤلاء حجم الخطر، لا أن تلبي مطالب ترامب ونتنياهو بنزع سلاح حماس والمقاومة الفلسطينية كشرط لإعادة إعمار غزة حسب ما يتسرب عن هذه الخطة.. فالمطلوب إعادة إعمار غزة لتثبيت أبنائها في أرضهم، وترك إدارة غزة للفلسطينيين دون تدخُّل، ولا بأس من مقترَح أن لا تدير الإعمار حماس، وإنما فلسطينيون لا ينتمون إلى أي فصيل أو حتى عناصر موثوق بها محسوبة على سلطة رام الله..
اللقاء "الأخوي" حصل في الرياض، والقمة العربية ستقول أو ستُظهِر بعض ما هو مخفي، وعلى النظام الرسمي العربي أن يفهم أنه على مفترق طرق، وأن إرضاء ترامب ونتنياهو سيكون ثمنه كبيراً عليهم ثم على المنطقة.. التوقعات ضئيلة من تغيير نهج الأنظمة العربية التي اعتادت على ربط بقائها أو زوالها برضا أمريكا، مع أن التحديات والمخاطر لم تعد كما كانوا يقولون نظرية مؤامرة، بل واقعاً يعيشونه بقلق وخوف.. أخيراً.. العالم في طريقه إلى التغيير وملامحه تأتي من أمريكا والغرب والسعي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، والنظام العالمي الجديد لا مكان فيه للضعفاء خاصةً أولئك الذين يمتلكون أدوات القوة ولا يستخدمونها بعد أن بلغ الخطر مداه.
|