حاوره/ علاء الدين الشلالي - عبدالكريم الشميري -
أوضح البروفيسور محمد الشرجبي -استشاري جراحة التجميل في اليمن- أن الحرب تسببت بزيادة أعداد المصابين بالتشوهات والحروق الناتجة عن المتفجرات والقصف الصاروخي.. مشيراً إلى أن الحروب ليست السبب الوحيد في هذا التنامي.. وقال: "إن حالات الشفة الارنبية شهدت تزايداً نتيجة سوء التغذية ونقص الحديد عند بعض اليمنيين"..
ونوَّه إلى أن مجتمعنا للأسف الشديد مجتمع متنمّر.. وقال: "هناك طفلة عمرها ثلاثة اعوام حدثتني وهي تخبّئ شفاها خوفاً من التنمُّر عليها"..
ويحدثنا الشرجبي في هذا الحوار الشيّق عن جراحة التجميل بأفقها العلمي والطبي الواسع عالمياً، وكيف دخلت اليمن، وعن واقع وحاضر هذا الطب وتوقُّعه لمستقبله.. فإلى التفاصيل :
* ما الدافع الذي حفَّز البروفيسور محمد الشرجبي للدخول في مجال طب جراحة التجميل ؟
- أكملت البكالوريوس في الطب العام سنة 1999م، وبعدها تخصصت وحصلت على الماجستير وتخصصت في جراحة الحروق، وبعد أن أتممت الجراحة العامة حصلت على شهادة الدكتوراه في جراحة التجميل، واتجهت إلى طب جراحة التجميل في روسيا لأسباب عدة منها أن هذه الجراحة قد بدأت بالانتشار في الظهور كتخصص حديث ومطلوب عالمياً في تلك الفترة، ، وقد تخصصت في التجميل التحسيني، وهذا التخصص كان لا يُـدرَّس في الجامعات، تدربت في مراكز جراحة التجميل في روسيا وبلاروسيا، ومنذ عشرين عاماً وأنا أعمل في مضمار الطب التجميلي الذي يُعتبر جراحة نفسية ووظيفية لكل أفراد المجتمع وخاصةً المرأة..
* ما الصعوبات التي واجهتها في بداية مشوارك المهني ؟
- البدايات صعبة لأن طب الجراحة التجميلية في اليمن تخصص مجمَّع من كل التخصصات، وكان التحدي الأكبر بالنسبة لي هو كيف أعمل على إقناع المجتمع اليمني بأهمية هذا الطب، وكيف يمكننا تجاوز الفتاوى الدينية التي تحرّمه، نحاول توعية الناس في وسائل الإعلام وفي لقاءاتنا ولمن لا يعرف، أن الجراحة التجميلية هي جراحة نفسية بالدرجة الأولى فبعض الأشخاص يعانون من حالات نفسية بسبب مظهرهم الناتج عن الحوادث أو الحروق أو التشوهات الخُـلقية..
* إذا أجرينا مقارنة بين وعي الناس ومدى تقبُّلهم طب الجراحة التجميلية قديماً وفي الوقت الحاضر، هل هناك تغيير؟
- بالفعل هناك تغيير كبير في وعي اليمنيين، فأصبحوا يتقبلون عمليات التجميل، لكن ما يزال البعض يرى أن التجميل موضة، هذا بالنسبة للتجميل التحسيني، لكن بالنسبة لعمليات التجميل لأشخاص أُصيبوا بحروق أو تشوهات هناك إقبال كبير عليها..
* كان اليمنيين يسافرون خارج اليمن لإجراء الجراحات التجميلية؟ كيف هو الواقع اليوم ؟
- صحيح كان قديماً لا يعرف الناس أن هذا التخصص موجود في اليمن، لكن في الفترة الأخيرة عرفوا وبدأوا يترددون على المستشفيات والمراكز الطبية بحثاً عن خدمات الجراحة التجميلية..
* كيف يمكن أن نقارن بين واقع الجراحة التجميلية في اليمن وبلدان متقدمة طبياً كمصر والأردن؟
- بعد العام 2000م بدأت طفرة في عالم طب الجراحة التجميلية في العالم، ونحن في اليمن سايرنا هذه الطفرة، وأنا بدوري أؤكد لكم أنه لا يوجد فرق بين الإمكانيات والكوادر الموجودة في اليمن وما هو موجود في البلدان العربية.. اليوم أصبح موجود لدينا تجميل الأنف والصدر وتكبير الصدر بالسيلكون وزراعة الشعر، وفقاً لما هو جديد عالمياً، ربما هم يستقدمون بعض الأجهزة الحديثة فقط..
* ما العمليات التي تقومون بإجرائها؟
- نقوم كما أسلفت بعمليات لترميم وتحسين التشوهات والحروق والعيوب الخُلقية، إضافةً إلى زراعة شعر الرأس والذقن والحواجب، وتصغير الجبهة، وتجميل الأنف، وشد ترهلات البطن، وحقن الدهون، وإصلاح تشوهات الأعضاء التناسلية وإجراء حقن البوتكس والفيلر والبلازما، وشفط الدهون..
* لكن دكتور محمد، البعض يقول إن هذه الجراحات ليست من أولويات غالبية اليمنيين الذين يعانون من فقر مدقع ناتج عن حرب مدمرة منذ أزيد من عشرة أعوام.. ما تعليقك؟
- أولاً دعنا نتفق أن من حق كل إنسان يمني أن يرى نفسه جميلاً خاصةً المرأة.. نحن نراعي خصوصية المجتمع اليمني وظروفه المادية وندرك أن علينا مسؤولية اجتماعية تجاهه أقمنا 17 مخيماً طبياً داخل اليمن من صعدة إلى سقطرى؛ كانت تصادفنا حالات تشوهات وبالذات الشفة الأرنبية أو الشق الحنكي، ووجدنا أشخاصاً يعانون من مختف الأعمار جراء الشفة الأرنبية، كان البعض يستسلم ويقول هذا خلق الله، ونحن نقول الله جميل يحب الجمال، وأجرينا لمئات الأشخاص عبر هذه المخيمات عمليات تجميل مجاناً والبعض بأسعار مخفضة جداً.. أود أن أشير إلى أحد المواقف المؤلمة، حيث جاءني شخص مصاب بالشفة الأرنبية، وحينما سألته ما اسمك رد عليَّ أنا علي الأشرم.. هذا الشخص يفكر أن اسمه هكذا "الأشرم"، والسبب أن مجتمعنا مجتمع متنمّر..
* لكن يُقال إن من يزوركم من اليمنيين هم من الطبقات الغنية مادياً؟
- هذا الكلام غير صحيح، لكن علينا أن نعترف بأن الوضع الاقتصادي لليمنيين حالياً سيئ ونحن نراعي ذلك.. قبل العام 2011م كان الكثير يأتي إلينا من المغتربين لرخص تكاليف إجراء عملية تجميل في اليمن، ويدفعون بالدولار، ورغم ذلك تُعتبر اليمن في جراحة الطب التجميلي أرخص من دول الخليج وحتى أوروبا..
* مرت عشرة أعوام على اندلاع الحرب على اليمن.. إلى أي مدى زادت هذه الحرب أعداد المحتاجين للجراحات التجميلية؟
- بالفعل زادت الحرب من أعداد المصابين بالتشوهات والحروق الناتجة عن المتفجرات والقصف الصاروخي، والألغام والحروق الناتجة عن انفجار أسطوانات الغاز، كذلك زادت تشوهات الأجِنة نتيجة استخدام بعض الأسلحة، وليس بالضروري الأسلحة، هناك حالات جديدة نتيجة سوء التغذية ونقص الحديد عند بعض اليمنيين، وقد لاحظنا ذلك عبر دراسات أجريناها، من ضمنها دراسة توضح سبب تزايد حالات الذين يعانون من الشفة الأرنبية..
* ما التحديات التي تواجه الجراحة التجميلية في اليمن في الوقت الراهن؟
- لا نتلقى أي دعم ، ولا يوجد تشجيع لا من وزارة الصحة ولا من المنظمات الدولية الداعمة للصحة، ولا من الجمعيات الخيرية.. للأسف المنظمات لا تهتم بهذا النوع من الطب، منظمة أطباء بلا حدود كانت تأخذ بعض المصابين بحروق للعلاج في الأردن، ولكن لا يدعمون مراكز جراحة التجميل في اليمن، هل تصدقون أنه لا يوجد في كل المحافظات اليمنية إلا مركز واحد لعلاج الحروق، وعشرون سريراً فقط، وهنا أتساءل: لماذا لا يوجد صندوق لتجميل الحروق والتشوهات، أُسوةً بصناديق دعم ذوي الإعاقة والتراث والشباب والرياضة وغيرها من الصناديق..
* ما الجراحات التجميلية التي تعتبرها غير مقبولة؟
- في بعض الأحيان عمليات تغيير الجنس لأنها ليست من عمليات التجميل؛ كان بعض النساء يأتين إلينا ولديهن تقارير يطلبن إزالة الثدي، حقن دهون ونحن نرفض، وما عدا ذلك فهو متاح ومقبول..
* ما أبرز المواقف المحرجة بينك وبين الزائرين لديك ؟
- نحن نهتم بدقة بمسألة الخصوصية، خصوصية المترددين علينا، بعض الرجال يأتي ويحتاج لإصلاح التشوهات الخلقية في العضو الذكري ويخجلون ولا يدخلون في الموضوع مباشرة.. وبعض النساء يعانين من توسُّع المهبل نتيجة الأورام أو الولادة المتكررة، وبعض الأشخاص يتعمد إحراق بصمات أصابعه بسبب أنه تم ترحيله من أي دولة خليجية ويريد أن يعود إليها، فيطلب مني تغيير بصمته حتى يعود للدولة التي رحَّلته، ونحن بدورنا نرفض مثل هكذا أمور مشبوهة..
* ما أكثر فئات المجتمع التي تزوركم وتطالب بعمل جراحات تجميلية؟
- كُـثُر وأبرزهم من يتعاملون مع الكاميرا مثل الإعلاميين والممثلين والفنانين والمشاهير والسياسيين..
* بالنسبة لزراعة الشعر، أنتم تقدمون "كرت ضمان" بصلاحية الشعر الجديد خاصةً للرأس.. هل هذا الأمر معمول به في كل بلدان العالم؟
- بالنسبة لزراعة الشعر نحن واثقون من عملنا لذا نعطي شهادة ضمان وهذا الامر ليس معمولاً به في اليمن فقط، الأتراك ابتدعوا هذا الامر ،وانتشر هذا الشيء في باكستان ومصر والأردن..
* بروفيسور محمد أنت من الأطباء القلائل المتخصصين في مجالك، لماذا لم تغادر اليمن خلال فترة الحرب كما فعل البعض ممن يبحثون عن الأموال ؟
- أنا أشتغلت في روسيا وبيلاروسيا، وحاصل على الجنسية الروسية، واشتغلت في جامعات ومراكز عالمية مرموقة، في الأخير أين أمارس مهنتي، في اليمن هذه بلادي وأنا أريد أن أخدمها في هذا الظرف التاريخي المهم..
* ما الذي يطمح إليه البروفيسور محمد الشرجبي؟
- أطمح بعمل مركز تجميل متكامل.. قبل عام 2020م طلبتُ من الجهات الحكومية إغلاق المراكز الطبية، وقبل فترة طلبوا العكس؛ كنا مجهزين مركزاً تجميلياً جراحياً، واستأجرنا مبنى ضخماً، فرجعوا طلبوا العكس وهكذا، العشرات من المراكز الصحية التي يقول القائمون عليها إنها متخصصة في الجراحة التجميلية يتضح أنها ليست متخصصة..
* ما توقُّعك بالنسبة لمستقبل طب الجراحة التجميلية في اليمن ؟
- نحن بحاجة لعمل أكثر من 20 سنة للأمام.. في الجانب التحسيني أستطيع القول إننا قطعنا شوطاً ولكن نحتاج إلى دعم أكبر..
*على الصعيد الشخصي إلى أي مدى تشعر بالسعادة ؟
- أنا متزوج بامرأتين، روسية ويمنية صيدلانية وطبيبة، ولديَّ ثلاثة بنات وولد، اثنتان تدرسان الطب في موسكو.. والحمد لله نسعى إلى خدمة الناس سواءً عن طريق المهن التي نعمل بها، أو من خلال العلاقات الإنسانية، وهنا معنى الشعور بالسعادة. |