محمدالعولقي -
ثمة سياسيون يصرون على تجاوز حقائق التاريخ بشكل يثير الغرابة والعجب ليس من عدم قدرتهم على التعاطي مع تلك الحقائق بموضوعية فحسب بل ومن لجوئهم إلى محاولة مغالطة وتضليل الآخرين وفي المقدمة مغالطة ذواتهم التي تعودت على ذات التفكير.
ولعل تصريحات مساعد أمين عام الحزب الاشتراكي أبوبكر باذيب التي جاءت في سياق مقابلته مع صحيفة "الخليج" الإماراتية ومن قبلها مقالة الأمين العام الدكتور ياسين سعيد نعمان في صحيفة "الشارع" تندرج في إطار هذا المفهوم القائم على محاولة الهروب من مواجهة الحقيقة بالحديث عن أفكار ماضوية عفى عليها الزمن.
باذيب.. كغيره من قيادات الحزب الاشتراكي يسعون لمغالطة أنفسهم عبر الحديث عن الوحدة الوطنية من منظور لايتجاوز أفق عودة حزبهم الاشتراكي إلى السلطة استناداً إلى مبررات واهية أكل عليها الدهر خصوصاً حينما يتناسون ان العودة إلى التقاسم أمر لم يعد يقبل به أحد وفي المقدمة أبناء هذا الوطن الذين باتوا مصدر السلطة ومالكها الحقيقي.
باذيب واحد من القيادات الاشتراكية التي فرت هاربة إلى صنعاء عقب المجزرة الدامية لحزبهم في 13 يناير 1986م إلى ما كان يعرف بشمال الوطن "سابقاً" هرباً من جحيم التصفيات التي ارتكبها الحزب ضد نفسه وأبناء شعبنا في المحافظات الجنوبية والشرقية في واحدة من أفظع المجازر التي كان الحزب صانعها وبطلها بامتياز..
اليوم يتناسى باذيب ذلك محاولاً تقمص دور المتحدث باسم المحافظات الجنوبية دون ان يلتفت إلى حقائق التاريخ التي تقول إن اخواننا أبناء المحافظات الجنوبية هم من دافعوا عن الوحدة ضد جنرالات حزبه حينما أشعلت فتنة الانفصال صيف عام 94م وأنهم من رفضوا منح ثقتهم للحزب الاشتراكي عبر صناديق الاقتراع كرد عملي على حجم المعاناة التي أكتووا بنارها إبان حكمه الشمولي لهم قبل الوحدة.
وان المحافظات الجنوبية لايمثلها الحزب الاشتراكي ولكن يمثلها آلاف الكوادر من أبناء تلك المحافظات الذين ينضوون في إطار المؤتمر الشعبي العام وغيرها من الأحزاب في الساحة الوطنية أو من المستقلين فمن الذي أعطى باذيب وغيره في "الاشتراكي" الحق بأن يتحدثوا باسم المحافظات الجنوبية فهم آخر من يحق لهم أن يفعلوا ذلك فلقد ذاق أبناء تلك المحافظات من هؤلاء الأمرين من "اللحس" والقتل والسحل والتنكيل والتعذيب وتكميم الأفواه وانتهاك الحقوق والحريات.. ثم ماذا عن القيادات الوطنية الموجودة في رأس هرم الدولة ومؤسساتها المختلفة من أبناء المحافظات الجنوبية بدءاً من الأخ عبدربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية فالدكتور علي محمد مجور رئيس الوزراء والأستاذ عبدالقادر باجمال مستشار رئيس الجمهورية الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام والوزراء والمستشارين والقيادات العسكرية والأمنية وآلاف الكوادر في مختلف أجهزة الدولة ألا يمثلون هؤلاء المحافظات الجنوبية أم يريد باذيب تجريدهم من هذه الصفة واحتكار الأمر عليه وعلى شلته في الاشتراكي؟!.
لقد حاول باذيب أن يلوي عنق الحقيقة حينما أدعى أن الشراكة التي يتحدث عنها شراكة الشعب وليس شراكة أحزاب.. لكنه تحدث في ذات الأسطر عما يسميه إقصاء الحزب الاشتراكي منذ 94م وهو بذلك يناقض نفسه ويعود لتكرار ذات الاسطوانة المشروخة التي يسعى من ورائها الاشتراكيون للبحث عن بصيص أمل يعيدهم إلى نهج التقاسم للسلطة بعيداً عن متطلبات النهج الديمقراطي القائم على احترام إرادة الناخب في منح من يراه مناسباً الثقة لتولي السلطة وإدارة شئون الحكم.
وللتأكيد على حقيقة أن عبارة من قبيل الشراكة الشعبية التي حاول باذيب أن يجمل بها حديثه في البحث عن شراكة التقاسم مع حزبه لم تكن سوى مجرد ادعاءات.. دعونا نسأل باذيب إذاً لماذا ترفضون وتعارضون قضية انتخاب المحافظين التي تجسد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه.. أم أن انتخاب المحافظين دون وجود تقاسم مع الاشتراكي لا تعني شراكة شعبية؟؟.
وضمن مغالطاته الكثيرة حاول باذيب أن يصبغ أعمال الشغب والتخريب بصبغة الحقوق المطلبية متجاوزاً حقيقة أن دولة الوحدة لاتزال حتى اليوم تدفع ثمن المآسي التي ارتكبها الحزب إبان حكمه الشمولي لأبناء تلك المحافظات كمصادرته لأراضيهم وما اقترفته ميليشياته من جرائم ومجازر إضافة إلى من طالتهم ألغام التشطير والانفصال.
إن هناك حقائق كثيرة يجب أن يستوعبها باذيب وأمثاله من الحالمين بعودة قطار التقاسم السلطوي أولها أنه ليس لأحد أن يدعي حق الحديث باسم مناطق أو محافظات بعينها سواءً أكانت المحافظات الجنوبية أو الشرقية أو الشمالية، ذلك أن هذا الحق يملكه أبناء تلك المحافظات وحدهم ويجسدونه من خلال انتخاب ممثليهم في الانتخابات البرلمانية أو المحلية، وثاني تلك الحقائق أن الحزب الاشتراكي لم يقص من السلطة وإنما أقصى نفسه بنفسه بدءاً بافتعال أزمة ما بعد الانتخابات 93م مروراً بإشعال فتنة 94م ثم مقاطعته لانتخابات 97م البرلمانية وصولاً إلى أزماته الداخلية التي ظهرت عبر تصارع التيارات والأجنحة داخله وانتهاءً بانقياده للإخوان المسلمين ضمن تكتل المشترك وتنكره لمبادئه الفكرية التي نجده ينسلخ عنها مسايراً أعداء الأمس دون مبرر سوى المكابرة والعناد السياسي ليس إلاَّ.