الميثاق نت -

الإثنين, 10-مارس-2025
عبدالله صالح الحاج -
كلمات ترفرف في الهواء، تلمع كالبرق في سماء القاهرة، ثم تختفي دون أن تترك أثراً على الأرض.. هذا هو مصير البيان الختامي للقمة العربية الطارئة، التي عُقِدت في القاهرة لمواجهة التطورات الخطيرة في القضية الفلسطينية.. اجتمع القادة العرب، يحملون على أكتافهم تاريخاً من الوعود المكسورة، وخطابات لم تتحول إلى فعل.. خرجوا ببيان طويل مليئ بالكلمات الرنانة، لكنه يفتقر إلى الجرأة والإرادة لتحويل هذه الكلمات إلى واقع.. الكلام كان كثيراً، لكنه لم يلمس جِراح غزة، ولم يوقف آلة الحرب الإسرائيلية التي تدمر البيوت وتُهجّر العائلات..

لقد مرت أكثر من 75 عاماً على النكبة الفلسطينية، وما زال العرب يتحدثون بنفس اللغة، بينما إسرائيل تتحرك على الأرض بخطوات ثابتة لتصفية القضية الفلسطينية.. البيان العربي رفض التهجير، لكنه لم يقدم أي آلية لوقف التهجير القسري الذي يحدث الآن في غزة.. العجوز الطاعنة في السن تستطيع أن ترفض التهجير، لكن القادة العرب لم يقدموا ما هو أكثر من الرفض اللفظي.. الكلمات وحدها لن توقف المعاناة، ولن تحمي الأطفال الذين يفقدون أطرافهم تحت القصف، أو العائلات التي تُجبَر على مغادرة منازلها تحت وابل النار..

القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية؛ إنها قضية تمس كرامة الأمة العربية والإسلامية.. لكن البيان الختامي للقمة كشف عن غياب الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات جريئة.. تحدثوا عن إعادة إعمار غزة، لكنهم لم يحددوا كيف سيتم تمويل هذا الإعمار، أو من سيتولى الإشراف عليه.. هل يُعقَل أن تُترَك مهمة إعادة إعمار غزة للبنك الدولي والأمم المتحدة، بينما الدول العربية تمتلك ثروات هائلة يمكن أن تُوجَّه لهذا الغرض؟.. كان يجب أن تخرج القمة بقرار عملي، مثل إنشاء صندوق عربي طارئ لإعادة إعمار غزة، مع تحديد مساهمات مالية إلزامية لكل دولة عربية.. لكن البيان فضَّل الاكتفاء بالكلام العام، وكأن القضية الفلسطينية يمكن أن تُحل بالخطابات والوعود..

أحد أكبر إخفاقات القمة كان تجاهلها للانقسام الفلسطيني الداخلي. فبدون وحدة فلسطينية، ستظل الجهود العربية مجرد كلام في الهواء.. البيان تحدَّث عن دعم الشعب الفلسطيني، لكنه لم يقدم أي مبادرة جادة لإنهاء الانقسام بين فتح وحماس.. كان يجب أن تتبنى القمة مبادرة عربية للإشراف على حوار فلسطيني- فلسطيني، مع وضع خطة زمنية لتحقيق المصالحة الوطنية.. لكن القادة فضَّلوا تجاهل هذا الملف، وكأن الانقسام الفلسطيني ليس عائقاً أمام تحقيق السلام..

البيان دان التهجير القسري والإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، لكنه لم يقدم أي إجراءات عملية لوقف هذه الكارثة.. لقد شهدت غزة خلال الأشهر الماضية عمليات تهجير قسري واسعة النطاق، حيث تم إجبار آلاف الفلسطينيين على مغادرة منازلهم تحت وابل القصف الإسرائيلي.. لكن البيان العربي لم يقدم أي آلية لوقف هذه السياسات، أو حتى لتوفير الحماية الدولية للفلسطينيين.. كان يجب أن تخرج القمة بقرار يدعو إلى نشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لحماية المدنيين من العدوان الإسرائيلي.. لكن القادة فضلوا الاكتفاء بالإدانة اللفظية، وكأن الكلمات وحدها كافية لوقف آلة الحرب الإسرائيلية..

القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية؛ إنها قضية تمس كرامة الأمة العربية والإسلامية.. لكن البيان الختامي للقمة تجاهل البُعد الديني للقضية، وهو ما كان يمكن أن يحشد دعمًا شعبياً عربياً وإسلامياً أوسع.. كان يجب أن تخرج القمة بدعوة إلى حملة إعلامية ودينية لتوعية الشعوب العربية والإسلامية بواجبهم تجاه القضية الفلسطينية.. لكن القادة فضَّلوا الاكتفاء بالخطابات السياسية التقليدية، وكأن القضية الفلسطينية لا تمس قلوب الملايين من المسلمين في العالم..

إسرائيل لا تُعير المقاومة السلمية أي اهتمام، ولا تضرب لها أي كرت في الحساب.. طالما أن أمريكا الداعمة لها والمشارِكة في التهجير والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، كان من المفترَض دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة بدلاً من الضغط على المقاومة الفلسطينية، حماس والفصائل الأخرى، لنزع سلاحها وفقاً للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية..
المقاومة المسلحة هي اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل، وهي التي تجبرها على حساب تكلفة العدوان. لكن القادة العرب، بدلاً من دعم هذه المقاومة، يضغطون عليها لتفكيك سلاحها، وكأنهم يريدون أن يتركوا الشعب الفلسطيني أعزل أمام آلة الحرب الإسرائيلية..

القمة العربية الطارئة كانت فرصة تاريخية لتحقيق نقلة نوعية في التعامل مع القضية الفلسطينية، لكنها فشلت في تقديم آليات تنفيذية جادة.. البيان الختامي كان مليئاً بالكلمات الرنانة، لكنه يفتقر إلى الجرأة والإرادة لتحويل هذه الكلمات إلى واقع.. القادة العرب يتحدثون عن الوحدة والتضامن، لكنهم يفتقرون إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات جريئة.. القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية؛ إنها قضية تمس كرامة الأمة العربية والإسلامية.. لكن بدون إرادة سياسية حقيقية، ستظل القمم العربية مجرد منصات للكلام وحفظ ماء الوجه.. الكلام وحده لن يوقف التهجير، ولن يحقق السلام.. الشعب الفلسطيني يستحق أكثر من الكلمات؛ يستحق أفعالاً جريئة تعكس حتمية الواجب الديني والقومي..

هذا هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه: الكلام لا يكفي.. والفعل هو اللغة الوحيدة التي تفهمها إسرائيل.
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 11-مارس-2025 الساعة: 02:59 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67262.htm