أحمد الزبيري - التنوُّع الطائفي والمذهبي والعِرقي والقومي في أي شعب أو أمة قد يكون عاملاً في تطوُّرها وتقدُّمها الحضاري والإنساني، وقد يكون عاملاً للدمار والخراب؛ وفي كلتا الحالتين يلعب الوعي دوراً كبيراً في تحقُّق أيٍّ من الجانبين السلبي والإيجابي.. ونحن اليوم لا نرى إلا الجانب المظلم في استخدام هذا التنوُّع في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، وإنْ كان بمقادير متفاوتة..
كثيرةٌ هي الدعوات التي لا تربط ما شهدته منطقتنا من إرهاب وتكفير وصراعات دموية بالإسلام، وتدعو للعودة إلى جوهر الإسلام الحقيقي الذي جاء رحمةً للعالمين وإعلاء ثقافة الحوار والتسامح، ولكن كل ذلك لا يحقق أي نتيجة مقابل دعوات التجييش المذهبي والطائفي وحتى المناطقي والعشائري والعِرقي والتي يتم فيها إعطاء ذلك بُعداً تاريخياً كنا نعتقد كمسلمين وعرب أننا تجاوزناها.. والسؤال: لماذا دعوات الخير والتلاقي والحوار بين أبناء الأمة لا تلقى آذاناً صاغية، ودعوات الشر تسود وتتمدد وتتحرك في مجتمعات لا يوجد فيها حتى أساسٌ للمذهبية والطائفية والتنوُّع العِرقي، وهذا يقودنا إلى إعطاء أمثلة، فاليمن مثلاً لا يوجد فيها أساسٌ لما شهدناه من استخدام الجانب المذهبي والطائفي.. والأكثر من هذا إذا أخذنا مثلاً ليبيا التي لا يوجد فيها تنوُّع مذهبي ومع ذلك تعرضت للتدمير وتحت عناوين العصبيات والتكفير واستخدام العشائرية والمناطقية..
في هذا الاتجاه قد يكون ما شهدته العراق يعطي حُجةً للصراع والدمار تحت مسميات شيعة وسُنة، ولكن كان في العراق الشيعة والسُنة والأكراد وبقية المكونات موجودة على مدى التاريخ العربي والإسلامي، وفي مرحلة من المراحل لم يكن أحد يعرف ما مذهب هذا وما طائفته، ولكن الظهور بهذه الحِدة في هذه الفترة أسبابه لا ترتبط بطبيعة البيئة التي يوجد فيها كل هذا التنوُّع بل بمخططات تهدف إلى تمزيق الأمة وجعلها تدمّر نفسها بأيديها ليسهل إخضاعها والسيطرة عليها ونهب ثرواتها وتحقيق الهيمنة بعد أن يكون قد تم تدمير كل المبادئ والقِيَم التي تجمع أبناء بلدٍ واحد، ومن ثَـمَّ أبناء الأمة..
الأحداث الطازجة الآن ما يحصل في سوريا من استهداف لبعض المكونات من قِبَل القوى التي اجتاحت أجزاءً واسعة من هذه البلاد والتي كانت تتدثر بالإسلام وبالطائفية وبالتكفير، وتُعد في قوانين الأمم المتحدة أنها إرهابية، وفجأةً يتقاطر العالم كله للاعتراف بالجولاني الذي أصبح أحمد الشرع، وأصبحت المجازر يومية بحق المكونات الإسلامية التي يُطلَق عليها العلويين، وكذلك المسيحيين والزيود، ليصبح ما يحدث في سوريا هي الصورة الحقيقية لما يُراد بالجميع من تدمير وضرب للنسيج الاجتماعي بهدف التقسيم..
وحتى نقرّب الأمور سوف نتحدث في هذا الاتجاه عن اليمن الذي لا يوجد فيه ذلك التعدُّد والفسيفسات الموجودة في العراق وسوريا، ومع ذلك جرى خلْق وتخليق لهذه الشعارات بصورة تتنافى مع السياق التاريخي الديني لهذا البلد، وكان هذا بالفعل الدور الخارجي الإقليمي والذي تقف خلفه قوى دولية؛ وهذا كله إذا نظرنا للخارطة على امتداد العالم العربي والإسلامي سنجد ذات القوى حاضرة.. وفشل تحقيق الأهداف بالصراعات الداخلية استوجب عدواناً خارجياً عمل على تأسيس كانتونات وميليشيات بعضها ذات خلفية مذهبية تكفيرية إرهابية..
خلاصة القول.. إن كيان العدو الصهيوني الذي زرعه الاستعمار الغربي، ومَحمِيٌّ بشكل كامل من أمريكا وحلفائها المستعمرين القُدامى هو القاسم المشترَك لما يجري في منطقتنا، وعندما أعطينا نموذج ما يجري في سوريا حتى تكون الأمور واضحة.. إسرائيل لا تخفي أهدافها، وأمريكا لا تخفي أهدافها، ومخططاتها في هذا الاتجاه قديمة لتقسيم سوريا والمنطقة إلى كيانات دينية مذهبية وطائفية تتحكم بها لتصبح الوكيل الحصري في ظل المتغيرات الجديدة للمصالح الأمريكية والغربية في هذه المنطقة العربية وتمتد أيضاً إلى العالم الإسلامي، ومن يحقق لها هذه الغاية أنظمة عربية وُجِدت لأهداف وظيفية يُراد لها أن تكون مؤقتة، وعلى رأس الجميع النظام السعودي الذي تراجع في سوريا لصالح دور نظام إسلامي ونعني هنا تركيا.. وعليه، نحن بحاجة إلى فهم صحيح لدورنا وتاريخنا ولما يُراد لنا من أعدائنا، وبدون هذا الفهم فإن الأثمان ستكون أكبر من أي تصوُّر، والخطر اليوم واضح، لهذا على القوى الحية في هذه الأمة أن تستنفر في إطار مشروع مواجِه لهذا الخطر الداهم وبما يعيد للشعوب وعيها بذاتها وهويتها على نحوٍ تستطيع به أن تنتصر لحاضرها ومستقبلها..
في كل الأحوال المعركة قبل أن تكون سياسية واقتصادية وعسكرية هي معركة وعي، والأمل ضئيل لاستعادة هذا الوعي بعدما تعرضت له شعوب هذه الأمة من ويلات، ولكن فقدان الأمل يسهّل مهمة الأعداء في تحقيق مخططاتهم، ومع ذلك نقول العوامل والأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه ليست ثابتة؛ والتغيير وتبدُّل الأحوال سُنة من سُنن الله وقانون من قوانين التاريخ.. والمؤامرات والمخططات التي تستهدفنا ليست قضاءً وقَدَراً.
|