الميثاق نت -

الأحد, 27-أبريل-2025
د.محمد علي بركات -
عندما يغيب دور الجهات المعنية بتنظيم الشؤون الصحية في الوطن ومنها الإشراف والرقابة على المستشفيات الخاصة - إن جاز تسمية معظمها مستشفيات - وتصنيف مستوياتها ، إضافة إلى انعدام وجود لوائح لتحديد أسعار الخدمات العلاجية .. تصبح مهنة الطب التي تعد خدمة إنسانية تجارة لا يحكمها قانون ولا نظام ولا شعور إنساني بآلام الناس ، وبصعوبة ظروف معظمهم الحياتية .. وحالة التردي هذه أطلقت أيادي المستغلين للعبث داخل عدد من تلك المستشفيات ، مما أسفر عن تكريس السلوك العشوائي في العديد من الشؤون الطبية .. وفي صدارتها المبالغة في أسعار الخدمات الطبية : الكشف الطبي والتحاليل والعمليات الجراحية .. أما الإقامة بتلك المستشفيات فتحدد عشوائياً بعدد النجوم التي لا تقل عن خمسة نجوم ، تشبيهاً بالإقامة في الفنادق الفخمة .. ومستوياتها في الحقيقة لا تزيد عن النجمة وربع النجمة .. ويصنف نزلاء هذه المستشفيات حسب إمكانياتهم المادية ، شرط الدفع المسبق نظير الإقامة أو أية خدمة خاصة أو عامة .. فمن سيدفع أكثر يحظى بأحد الأجنحة الخاصة كما يسمونها ، وتكلفته محددة بالعملة الأجنبية ، بحيث يحصل النزيل على الخدمة المستمرة .. وهناك نظام الغرف التي تضم عدداً من المرضى وأسعارها أقل مقارنة بأسعار الغرف الفاخرة .. وهذا الأمر لا يسعد أصحاب المستشفيات العامرة ..
كل ذلك الجشع شكل عبئاً كبيراً على المواطن محدود الدخل وأثقل كاهله ، وعرضه للأضرار المادية والصحية الخطرة .. وأصبح هذا العبث لعبة مسلية ومربحة لأرباب الاستغلال الذين يتلاعبون بأسعار الخدمات الطبية وغير الطبية دون رقيب أو حسيب ، ويبتزون المواطن المغلوب على أمره بأساليب ماكرة .. وإمعاناً في الجشع والطمع بأي من تلك المستشفيات يقوم بعض الأطباء عديمي الضمائر - وبحسب الاتفاق مع أصحابها - باستلام المريض من البوابة ويقرروا له كافة ( الكشوفات والفحوصات وقائمة طويلة من الأدوية ، والتحاليل اللازمة وغير اللازمة ) .. كما يقرروا مكوثه بالمستشفى أطول فترة ممكنة دون حاجته إلى ذلك لغرض ابتزازه مقابل الخدمة والإقامة .. يضاف إلى ذلك ما تسببه الأخطاء الطبية القاتلة من كوارث عند إجراء بعض العمليات الجراحية التي قد تفقد المريض حياته أو تصيبه بمضاعفات مرضية مؤلمة .. ولو فقد حياته تحجز جثته حتى تسديد ما تبقى من تكاليف الإقامة والعلاج ولوازمه .. وتحدث كل تلك المآسي دون مراعاة لظروف المريض المادية وحالته الصحية ودون أي شعور بالرحمة .. ولابد هنا أن نشير إلى تأكيد بعض الأطباء المتخصصين بأنه رغم الارتفاع الجنوني في أسعار الخدمات الطبية بتلك المستشفيات ، إلا أن معظمها يفتقر إلى وجود الإمكانيات والتجهيزات والأجهزة الطبية المتطورة التي يمكن أن تحقق تقديم أفضل خدمة .. بل إن معظم مبانيها غير صالحة كمبان نموذجية ، لأنها عبارة عن منازل أو عمارات سكنية تم تحويلها إلى مستشفيات بصورة عشوائية ..
فهل بعد أن صار الأمر محط شكوى كافة فئات المجتمع ستبادر الجهات المختصة بممارسة دورها الإشرافي والرقابي الفاعل بدافع المسؤولية الوطنية والإنسانية ..؟! المنتظر من وزارة الصحة العامة التفاعل الإيجابي لمعالجة هذه المشكلة باعتبارها الجهة المعنية بتنظيم الشؤون الصحية .. ومعنية بحماية المواطن من الاستغلال والابتزاز ، بل ومن تعريض حياته أحياناً للخطر جراء ارتفاع أسعار الخدمات الطبية التي تفوق إمكاناته المادية .. فلا يعقل حتى الآن ألا توجد لائحة أسعار موحدة عادلة لتقديم الخدمات الطبية لكافة الفئات المجتمعية ..!! والأسوأ عدم وجود لائحة توحد أسعار تلك الخدمات في المستشفيات الحكومية بجميع محافظات الجمهورية ، فما بالنا بالمستشفيات الخاصة والأهلية ..!!
وللأسف أن عدوى ارتفاع أسعار الخدمات الطبية قد سرت إلى المستشفيات الحكومية بصورة واضحة وعلنية .. والحل هو وجود قانون لتنظيم تلك الشؤون حماية للمواطن من أضرار المزاد المتصاعد بصورة جنونية .. وتحقيق العدالة في تقديم الخدمات الطبية لمختلف فئات المجتمع من خلال وضع لائحة أسعار موحدة وفقاً لمعايير جودة الخدمات التي يجب أن تحددها الجهة المعنية .. وتلك هي القضية.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 28-أبريل-2025 الساعة: 11:23 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67372.htm