الميثاق نت -

الإثنين, 12-مايو-2025
عبدالله صالح الحاج -
تتهادى الأحداث على رقعة السياسة كما القطع على رقعة الشطرنج، تتحرك وفق حسابات دقيقة، لا مكان فيها للصدفة أو العشوائية.. واليوم، في قلب التحولات الدولية، ينبثق تفاهمٌ جديد بين اليمن وأمريكا بوساطة عُمانية، تفاهمٌ يكتسب بريقه من دلالاته العميقة، لا بكونه مجرد اتفاقٍ لوقف الاستهداف المتبادل، بل باعتباره مرحلة مفصلية في رسم ملامح القوة والسيادة في المنطقة..

عمان... وسيط الحياد الفاعل
في عالمٍ ملتهب بالنزاعات، يحافظ العُمانيون على فن الصمت الدبلوماسي، ذلك الصمت الذي يخلق للسلطنة قوةً لا تُرى، لكنها تُشعر بها الأطراف المتصارعة.. فبعد جولات من التصعيد، تدخلت مسقط بصبر الحكماء، لتعيد ترتيب الأوراق بين واشنطن وصنعاء، وتُفضي إلى تفاهمٍ يضع حدًّا للضربات العسكرية، ويهيئ المشهد لمعادلة جديدة تتجاوز لغة السلاح إلى لغة المصالح..

اليمن يفرض شروطه... وواشنطن تعيد الحسابات
ليست هذه المرة الأولى التي تقف فيها واشنطن أمام واقعٍ مختلفٍ في اليمن، لكنها المرة الأكثر وضوحًا.. فبعد أن صارت مصالحها في البحر الأحمر مهددة، وجدت نفسها في وضعٍ لا يقبل المراوغة، واضطرت إلى الجلوس على طاولة التفاهم بعدما أدركت أن لا خيار أمامها سوى التفاوض..

محمد عبدالسلام يحدد الإطار السياسي للتفاهم
في تصريحٍ واضحٍ لا يحتمل التأويل، شدد محمد عبدالسلام، رئيس وفد صنعاء التفاوضي، على أن واشنطن هي من طلبت التفاهم عبر الوساطة العمانية، بعدما باتت غير قادرةٍ على حماية مصالحها البحرية. لم يكن الأمر مبادرةً يمنية، بل جاء نتيجة وضعٍ فرضته المواجهة، حيث تحول التفاهم إلى ضرورة أمريكية قبل أن يكون خياراً سياسياً..

كيف يرى الخبراء هذا التفاهم؟
لم يكن هذا الاتفاق حدثاً عابراً في قراءة المحللين السياسيين، إذ يرى مركز الدراسات الدولية في واشنطن أن أمريكا اضطرت إلى إعادة النظر في حساباتها العسكرية بعد أن بات استمرار المواجهة في البحر الأحمر يهدد مصالحها بطرقٍ لم تتوقعها..
أما الباحث السياسي جوناثان ميلر، فرأى أن نجاح سلطنة عمان في إتمام هذا التفاهم يعكس تصاعد دورها كوسيط محوري، خاصةً بعد أن أثبتت أنها الطرف الوحيد القادر على إحداث اختراق في الأزمات الشائكة بالمنطقة..
وفي السياق نفسه، ذهب المحلل الأمريكي جيمس كارتر إلى التأكيد على أن واشنطن تسعى إلى ضبط المشهد قبيل زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السعودية ودول الخليج، حيث تحاول تفادي أي توتر إضافي قد ينعكس سلبًا على تحركاتها الدبلوماسية..

معادلة القوة والسيادة لمن؟
معادلة القوة والسيادة هنا تميل لصالح اليمن، الذي استطاع فرض قواعد جديدة في المنطقة، حيث انتقل من موقع المواجهة إلى موقع التأثير الاستراتيجي، ليصبح طرفًا لا يمكن تجاوزه في الحسابات السياسية والعسكرية الدولية..
في المقابل، وجدت أمريكا نفسها مضطرة لإعادة النظر في سياستها، بعد أن أدركت أن الاستمرار في المواجهة العسكرية لم يعد يؤتي ثماره، وأن مصالحها في البحر الأحمر ومضيق باب المندب باتت عرضة لتحديات لا يمكن التغاضي عنها..
هذا التفاهم لم يكن مجرد خطوة دبلوماسية، بل ضرورة فرضها الواقع العسكري والسياسي، جعل اليمن في مركز اتخاذ القرار، لا كمتلقٍّ للإملاءات، بل كصاحب نفوذٍ وقرارٍ مستقل..

بين المكاسب والخسائر... كيف تتوزع أوراق التفاهم؟
في التوازنات الدولية، لا يُبرم أي تفاهم دون أن يكون هناك طرف رابح وآخر خاسر.. واليوم، يبدو أن اليمن قد استطاع أن يثبّت حضوره كقوة إقليمية لا يمكن تجاوزها، حيث نجح في فرض معادلة جديدة على الأمريكيين، أجبرتهم على مراجعة سياساتهم تجاه البحر الأحمر والممرات البحرية الحيوية..
أما سلطنة عُمان، فقد عززت مكانتها كطرفٍ قادرٍ على إدارة النزاعات عبر الدبلوماسية الذكية، ليصبح دورها أكثر عمقًا وتأثيرًا في المشهد الإقليمي..
وفي المقابل، تبدو واشنطن في موقف المهادنة، بعدما باتت تدرك أن استمرار المواجهة العسكرية سيكلفها أكثر مما يحتمل ميزان المصالح الأمريكية في المنطقة..

التفاهم.. استراحة تكتيكية أم بداية لمرحلة جديدة؟
هل نحن أمام تفاهمٍ مؤقت، أم أن هذا الاتفاق يمثل بداية مرحلة جديدة من التوازنات؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة، لكن المؤكد أن اليمن لم يعد كما كان في حسابات القوى الكبرى، بل أصبح رقمًا صعبًا في المعادلة الدولية، يُكتب تاريخه بقراراته لا بإملاءات الآخرين..
بل اليمن صار اللاعب الرئيسي بكل قوة واقتدار، دون منازع.
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 12-مايو-2025 الساعة: 02:12 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-67438.htm