يحيى نوري -
حراك كبير وفاعل تشهده بلادنا على صعيد تطلعاتها نحو الحكم المحلي الواسع الصلاحيات المعبر عن عظمة المشاركة الشعبية الواسعة.
حراك يدفع كل مواطن يمني غيور إلى الافتخار به والاطمئنان لحاضر ومستقبل وطنه الذي يتعاظم تأثره وتأثيره بالحراك الحضاري ويحاول اختصار المسافات والتعاطي مع التطورات برؤية ثاقبة تستوعب متطلبات بنائه وتطوره وتستفيد من تجاربه الناجحة وتحاول الاستفادة أيضاً من تجارب الآخرين الناجحة.
ولا ريب أن القرار التاريخي الذي أتخذه فخامة رئيس الجمهورية والخاص بإجراء انتخاب لمحافظي المحافظات كخطوة أولى باتجاه الحكم المحلي الواسع الصلاحيات قد أحدث ما أحدثه من تفاعلات واهتمامات لم تقتصر على الشأن الداخلي، وإنما على المستوى الاقليمي والعربي والدولي.
وهذه الاشراقة الجديدة لاشك تحمل في طياتها رسالة واضحة وجلية مفادها أن التجربة الديمقراطية اليمنية تجربة حية قادرة من وقت لآخر على تحقيق المزيد من الانجاز وقادرة على بلوغ الأهداف والتطلعات المنشودة للشعب اليمني في مجال الحكم المحلي والمشاركة الشعبية، كما تعد هذه الخطوة التاريخية دليلاً ناصعاً على ايمان القيادة السياسية بزعامة فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية بأهمية التطور والتحديث للتجربة اليمنية وجعلها تتعاطى مع أهداف جريئة لا هدف لها سوى الانتصار للشعب وتطلعاته واصلاح شؤون وحل قضاياه العالقة وتأمين مساراته ودروبه باتجاه المستقبل الأفضل كخيار استراتيجي، أكدت عليه نضالات شعبنا العظيمة الجسيّمة التي عبر عنها من خلال ثورته اليمنية "سبتمبر وأكتوبر" ومن خلال انجازه التاريخي المتمثل في الوحدة اليمنية أعظم وأنبل وأجسر انجازاته في تاريخه المعاصر.
ولاشك أن هذه الخطوات الحثيثة التي تقطعها القيادة السياسية وتسجل من خلالها انجازات جديدة لتجربتنا الديمقراطية، قد حظيت بتقدير واعزاز واجلال كافة المهتمين والمختصين والمتابعين للشأن السياسي والديمقراطي في اليمن داخله وخارجه وقدمت بالتالي الصورة الكاملة لطبيعة الرؤية السياسية الثاقبة التي تتمتع بها القيادة السياسية اليمنية وعظمة إداركها لأهمية التسريع في التعامل مع كل جديد من شأنه ان يمثل إضافة جديدة ونوعية للتجربة اليمنية ويوّمن لها كافة الضمانات والمناخات الصحية لتطورها ونمائها في أطار من الخصوصية اليمنية المعبرة عن عظمة العقلية السياسية المتقدة حماساً وتفاعلاً التي تدير شؤون الوطن اليمني نحو المستقبل الأفضل.
رؤية ثاقبة
وحقيقة أن هذه الرؤية الثاقبة والمستوعبة لكل متطلبات الحاضر اليمني ومتطلبات مستقبله على المتسويين المنظور والبعيد تستند في الأساس على فكر يمني خالص مفعم بالابداع وبالحس المرهف في إدراك ورصد التحولات والمتغيرات برؤية علمية ترتكز على تراث عريق من تجارب شعبنا الناجحة وخاصة على صعيد الحكم المحلي والمشاركة الشعبية وهذا التراث العريق كان لفخامة الأخ رئيس الجمهورية ومنذ الوهلة الأولى لتحمله أمانة قيادة الأمة أن حرص على التعامل الايجابي والمقتدر معه وبالصورة التي تضمن لشعبنا التفاعل الحضاري الفاعل و على مستوى كافة جوانب حياته ومتطلبات نهوضه وتطوره.
حقائق تاريخية
ولعل أبرز هذه الحقائق التاريخية متمثل في أن القائد الرمز والمؤسس للدولة اليمنية الحديثة، قد حرص على السعي منذ البداية نحو بناء الدولة اليمنية الحديثة على استيعابها.. حيث كان له - ومن خلال ادارته لعملية الحوار الوطني الشامل والمسؤول الذي سبق قيام المؤتمر الشعبي العام في ال24 من أغسطس 1982م- ان توصل إليها عن طريق استفتاء شعبي واسع النطاق يعد الأول من نوعه في تاريخ اليمن المعاصر وأدرك أهمية تعزيز الاستقرار والأمن والسلام من خلال هذه الحقائق الناجعة وانه الهدف الاستراتيجي الذي لا غنى لشعبنا ووطننا عنه لا يمكن أن تأتي وحدة الأرض والشعب والحكم، حيث ناضل من أجل إعادة الوحدة اليمنية حتى تمكن من تحقيقها في ال22 من مايو ليحقق للوطن الأمن والسلام والاستقرار، كما أدرك ان الحفاظ على هذه الانجازات الاستراتيجية لا يمكن أن يتأتى إلاّ من خلال حكم يقوم على الشورى والمشاركة الشعبية.. وهذا يعني أن تجسيد القائد لهذه القيم المجتمعية والوطنية قد تعزز وتبلور بشكل أكبر خاصة وأنه يدرك أن الحفاظ على كل ذلك لا يمكن له هو الآخر أن يتحقق مالم يسير مع كل هذه التحولات الايجابية على صعيد الأمن والاستقرار والمشاركة الشعبية وبنفس الاتجاه على خط وطننا خالص يؤمن بحقائق التاريخ اليمني وأحداثه وتحولاته وهي الحقائق التي تؤكد على أهمية مكافحة التطرف والغلو والتعصب الأعمى باعتبار ذلك ضمانة أكبر وأعمق للانجازات، ضمانة تضع حداً لكل فئة تمارس التعصب والغلو من أن تصل الى السلطة وتستحكم على الشعب ومقدراته وحتى لا تكون هناك عوائق أمام مسيرة الوطن بفعل ما قد ينتج عن التعصب الأعمى من عقليات متحجرة نظر اليها القائد والشعب في آن واحد بأنها عقليات كارثية بالنسبة لشعبنا، بل وخطر فادح لا يؤتمن من خلاله ان تعيد شعبنا الى أتون الصراعات والتطاحنات التي عانى منها عبر مراحل عدة من تاريخه القديم والحديث والمعاصر.
خطوات مدروسة
إذن فإن التوجه الراهن باتجاه بلورة الحكم المحلي الواسع الصلاحيات والخطوات مدروسة ومستوعبة لمصلحة شعبنا واحتياجاته، قد استندت على أسس وقواعد صلبة وقوية ومتينة أساسها فهم واستيعاب التكوين الفكري والروحي لشعبنا وفهم واستيعاب كافة مبادئه وقيمه ومثله والايمان المطلق بهذه القيم العقدية والادراك الكبير والعظيم باستحالة نجاحها أو استبدالها بضمير آخر أو قيم أخرى لتتعارض مع الروح الحضارية التي يتمتع بها شعبنا والتي من خلالها أمكن له أن يقيم عبر مراحل من تاريخه أعرق الحضارات الإنسانية التي مازالت تدوي إصداؤها حتى اليوم.
مرجعية حضارية
وازاء ذلك فان جهود القائد المؤسس والموحد لليمن الجديد الديمقراطي الموحد قد أخذت تسير بخطوات مدروسة من أجل هدف استراتيجي بالغ الأهمية والمتمثل في بناء الدولة اليمنية الحديثة المعبرة عن مؤسساتها الدستورية عن آمال وتطلعات شعبنا اليمني العظيم، من أجل بلوغ دولة يمنية حديثة تعوضه من كافة التداعيات بصراعاته المريرة التي تكبدها نتيجة غياب الدولة الحديثة عبر مراحل من تاريخه.
إذن، فالرئيس وبحبه الوطني المرهف وباستشعاره لعظمة مسؤوليته الوطنية المتطلعة بحماس وقوة الى أبناء اليمن الجديد الديمقراطي الموحد قد حرص على أن يجعل من خطواته باتجاه بناء الدولة اليمنية خطوات تستند الى حصافة من تراثه العريق ومن احتياجات شعبنا في البناء الحضاري الشامل ومن خلال التقيد بأسلوب الإدارة العملية الحديثة القائم على التخطيط والتنظيم السليمين لبناء الدولة اليمنية فكان له وفي إطار منهجي علمي أن سار في اطار اتجاهين.. الأول ويهدف الى استكمال بناء الدولة اليمنية الحديثة بأجهزتها المركزية القوية.. والثاني السير باتجاه تعزيز المشاركة الشعبية الواسعة على طريق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتعزيز المشاركة الشعبية وحماية الوحدة الوطنية من المخاطر والأمراض والتداعيات الخطيرة التي ينبذها شعبنا من أجل بناء حاضر جديد أكثر اشراقاً عن ذي قبل، فكان لفخامة الرئيس من خلال توجهاته الوطنية باتجاه بناء الدولة اليمنية المركزية أن استطاع وبجدارة متناهية من القيام باستكمال بناء الدولة المركزية على أسس علمية استطاع من خلالها وفي اطار من المشاركة الشعبية الواسعة من بناء السلطات الدستورية وشكل وهيئة رئاسة الدولة ووحدتها أرضاً وحكماً وشعباً، كما كان له وفي أطار توجهاته الوطنية والقومية أن يعزز من اداء الدولة اليمنية الحديثة على صعيد دورها هذا من خلال جعل مؤسسات الدولة المركزية الحديثة برؤية عامة وشاملة لطبيعة دور الدولة وطبيعة السياسات العامة التي تتخذها وتتعامل معها وتعمل على بلورتها للواقع سواءً أكان ذلك على الصعيد المحلي أو الخارجي، كما حرص فخامة الرئيس - حفظه الله - على بناء المؤسسات العسكرية كمؤسسة وطنية قادرة على حماية انجازات شعبنا والوحدة والديمقراطية والمشاركة الشعبية.
المشاركة الشعبية
أما الخطوة الثانية التي أمكن لفخامة الأخ الرئيس وفي ظل توجهاته الوطنية أن حرص على التعاطي معها وبصورة موازية لجهوده الهادفة الى بناء الدولة المركزية فقد تمثلت في إيمانه العميق بمبدأ المشاركة على المستوى المحلي الولوج بالوطن الى آفاق أكثر رحابة في مجال الحكم المحلي وعبر مراحل تعتمد على التخطيط الاستراتيجي وبالصورة التي تضمن للمشاركة الشعبية الواسعة دوراً فاعلاً في بناء اليمن الجديد عن طريق المجالس المحلية المنتخبة ومنحها المزيد من الصلاحيات القانونية الكفيلة بتمكينها من لعب دور أكثر فاعلية في ترجمة الأهداف الاستراتيجية للتنمية المحلية.
واليوم وفي ظل هذه الحراكات نقطف نحن اليمنيون ثمار هذه التوجهات الوطنية التاريخية وأضحى بفضلها من أكثر الشعوب العربية التي تقطف ثمار جهود التحديث الجريئة في بناء الدولة اليمنية الحديثة، وأصبحنا في نفس الوقت ننظر الى الحكم المحلي وعبر انجازاتنا على طريق بلورته بالصورة الكاملة والشاملة باعتباره يمثل القنوات الطبيعية الجديدة بكونها الإطارات الشعبية الأكثر قدرة على التعبير عن حرص وتطلعات شعبنا وعظمة نظرته لها كإطارات طبيعية في مجال الحكم المحلي- أي المجالس المحلية- والنظر إليها باعتبارها تمثل قوة الدولة اليمنية الحديثة القادرة على حماية التجربة الديمقراطية وديمومة استمرارها وكذا قدرتها الفائقة في حماية الأرض والسيادة والاستقلال وحماية حقوق ودماء وأموال وحريات المواطنين.
وإزاء هذا الانجاز الجديد فإن كل مواطن يمني غيور على وطنه وتجربته مطالب اليوم بضرورة العمل من أجل انجاح هذا التوجه الجديد، الذي يمثل اشراقة جديدة في مسيرة وطننا الديمقراطي وذلك حتى تمكن انتخابات المحافظين والتي ستجرى خلال شهر مايو القادم من استيعاب قدرات وامكانات شعبنا المتسمة دوماً عبر تاريخ اليمن الحضاري والإنساني بالكفاءة والنزاهة.
وهذا ما نأمله بالطبع مع انتخابات المحافظين التي نثق تماماً بأنها سوف تعبر من خلال نتائجها عن انتصارها لتجربة شعبنا ونضالات قائده الوحدوي الرمز علي عبدالله صالح في بلوغ اليمن الجديد وان تعبر هذه النتائج الانتخابية عن حسن اختيار القيادات المشهود لها بالكفاءة والقدرة على الخلق والإبداع وحتى تتمكن تجربتنا من تحقيق اشراقات جديدة تمكن وطننا اليمني وفي ظل التوجهات الحكيمة للقائد من تعزيز دور المشاركة الشعبية علي مستوى مختلف جوانب الحياة اليمنية، وكذا الولوج الى آفاق أكثر رحابة من خلال المشاركة الشعبية في تحقيق العدل الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وتحقيق المزيد من الانفتاح الحضاري المقتدر مع كافة متطلبات الحياة اليمنية سواءً على صعيد البنى التحتية لعملية التنمية الاقتصادية والصناعة الاجتماعية أو على صعيد التنمية الزراعية والثروة السمكية أو على صعيد التجارة الداخلية والخارجية، وكذا المزيد من الاهتمام والرعاية بتنمية القوى البشرية واطلاق العنان للحركة التعاونية اليمنية والتي تعد من أعظم سجايا شعبنا ومورثه الحضاري والتي يمكن لشعبنا من خلال مبادراته التعاونية أن يحقق من خلال اطره وتكويناته المدنية والإبداعية الجماهيرية انجازات خالدة ستعزز من أدوار شعبنا الحضارية وتجعله يتبوأ مكانة غير عادية على صعيد الحراك الحضاري الراهن.
خلاصة
إذا كانت المعارضة تقف اليوم موقفاً متمترساً من هذه التوجهات الإصلاحية الجريئة فإنها تؤكد للعالم أجمع عدم أهليتها علي صنع التغيير في وطنها وبأن التجربة اليمنية لا تعتمد في تطورها ونموها على دور الأحزاب والتنظيمات السياسية وإنما تعتمد على ايمان القائد العميق بأهم تعزيزالمشاركة الشعبية الواسعة على طريق الديمقراطية والوحدة الوطنية.