أمين الوائلي -
أعلن "اللقاء المشترك" رفضه القاطع للحوار مع "المؤتمر الشعبي العام" خلال مؤتمر صحافي بمقر مركزية الاشتراكي اليمني بصنعاء الأربعاء الماضي الموافق 4/6/2008م.
ولدينا هنا رفضاً نهائياً ومبدئياً للحوار على ضوء رؤية ودعوة المؤتمر الأخيرة.. ولكن.
في الزمان والمكان نفسيهما وبالمناسبة نفسها لم ينسى أمناء عموم أحزاب "اللقاء" أن (( يعلنوا تمسك المشترك بموقفه المبدئي من الحوار بصفته قيمة حضارية راقية لحل الاختلافات)).
إنما كيف أمكن اجتماع الضدين وائتلاف النقيضين : (الرفض والتمسك) في جملة واحدة وورقة واحدة.. وموقف واحد؟!
في مناسبات وقضايا مشابهة مطلوب من السياسيين أن يعلنوا مواقف واضحة: أما القبول وأما الرفض. ولا يمكن بحال من الأحوال أن أقبل وأرفض في الوقت ذاته إلا إذا كان ذلك على خشبة المسرح وفي قضايا ومجالات أخرى ليست هي السياسة تحديداً، وربما في الدراما أو التمثيل لا غير.
وليست فضيلة أو ما شابه أن تعلن أحزاب المشترك – مبدئياً – رفضها للحوار محل الدعوة وتستدرك ذلك منها بامتداح الحوار ( كقيمة حضارية راقية" ويمكننا التساؤل ببراءة كاملة عما يعنيه كلام وصفي كهذا إذا كان أصحابه للتو أعلنوا رفضهم للحوار والدعوة إليه؟
ما الذي يتبقى حينها من عبارة "التمسك المبدئي بالحوار كقيمة حضارية راقية" وهذه القيمة أو هذا التمسك لم ينتجا إلا رفضاً وصداً وتمسكاً مبدئياً بالمقاطعة والقطيعة؟!
ألا ما أسهل الكلام والتحاذق اللغوي أو البلاغي، وما أ صعب التحالف المبدئي مع الأفعال ومع الحوار كمبدأ للفعل والعمل والممارسة على الواقع وخلف الكواليس ، وليس ارتهان القيمة والمبدأ لحساب الأقوال المطاطة والعبارات البلاغية الخرساء.
لقد كان في متناول أحزاب المشترك خيار أفضل وأليق حيال دعوة المؤتمر إلى الحوار ولا أعرف كيف فوت الفرقاء على أنفسهم فرصة كهذه وذهبوا يرفضون الحوار كقيمة عملية وسياسية ويمتد حوله كقيمة لغوية وإنشائية لا محل لها من الأغراب على الواقع العملي المعيش؟!
أبسط شيء أن يعلن الفرقاء انفتاحهم على الدعوة والحوار كمبدأ وقاعدة لا تتخلف ومن ثم يعلنون الموافقة متبوعة أو مقترنة برؤيتهم الخاصة لأجندة ومواضيع الحوار المفترض فلا يفرضونها هم ولا تفرض عليهم، وهكذا تستقيم المعادلة وتأخذ الشراكة الوطنية والسياسية – بعدها الاحتمالي ومجالها العملي المفتوح أما م الآراء والتصورات التي يأتي وقتها ومكانها الطبيعيين لاحقاً في جلسات الحوار، وليس في مؤتمر صحافي لم يسلم فيه حتى الصحافيون والإعلاميون من التصويب المباشر بالاتهامات ووصمهم بـ"التضليل" لمجرد أن أمين عام حزب الإصلاح لم يكن في مزاج جيد أو أنه استفزه سؤال من أحد الصحافيين.
إن كانت هناك من نتيجة بعد لما وصلت إليه آلية وأولويات أحزاب الفرقاء في المشترك من خلال ما تبين في مؤتمرهم الصحافي الأخير، فسنقول أو نستنتج كم هو المشترك " بليغ" ومفوه من جهة – بالنظر إلى اللغة والإنشاء الوصفي المجازي – وكم هو متخاصم مع السياسة والشراكة والمرونة الحوارية بالنظر إلى المواقف والرؤى السياسية والموقفية المباشرة، وحتى غير المباشرة.
عوضاً عن "الحوار" ابتدع المشترك مسمّىً جديداً بديلاً عنه وهو "لقاء تشاوري"! وإزاء ما يعتمل ويتفاعل في الساحة الوطنية والسياسية من تحديات وقضايا واستحقاقات مرحلية كبرى، بل وبالقياس إلى اللغة التهويلية التي يتحدث بها المشترك عن الواقع اليمني وعن "الأزمات" و"الكوارث" المحدقة به وإطباق الأزمة والكارثة بالإطلاق على كل تفاصيل وجوانب الحياة الوطنية والسياسية والشاملة بحيث لم يعد ممكناً أو وارداً رؤية ضوء أو أمل ولو آخر النفق وفقاً لهذه الخطابية التشاؤمية الصلبة والمغلقة.
ينشأ سؤال منطقي واستفهام موضوعي لا سبيل إلى دفعه أو تجاوزه، وهو: هل يكفي في هذه الأحوال ولمواجهة كل هذه التحديات والقضايا اللاهبة مجرد "لقاء تشاوري" عوضاً عن "حوار وطني"؟!
ماذا يعني "لقاء تشاوري" لم يعرف أحد، ولن يعرف آلياته ومواضيعه وقضاياه؟ بل ولا أحد يفكر الآن بـ"التشاوري" كبديل عن"الحوار" فلسنا نتحدث عن لقاءات وفعاليات علاقات عامة وتعارفية، بل عن وطن وشعب واستحقاقات سياسية كبرى.
من جهة لا يدخر المشترك جهداً أو مقدرة لغوية إلا واستخدمها لإدانة الحاضر وتسويد وجه المرحلة وتوزيع اليأس والتحبيط بكميات مهولة.
ومن جهة ثانية ومقابلة أو معاكسة يرفض الحوار ويقترح علينا "التشاور" ولو همساً!! وبالطبع توفر مقولة وصيغة "التشاور" هذه فسحة دائمة للتنصل عن أية التزامات أو اتفاقيات نهائية، وهذا المطلوب من تعطيل الحوار وتقليب الشراكة.
الحق هو أن المؤتمر دعا إلى الحوار ولكنه لم يطلب في رؤيته من أحزاب المشترك أن تدعمه في مواجهة الحوثيين أو الدعوات الانفصالية " كما حاول "الاشتراكي نت" وغيره من مواقع وصحف المشترك التأويل أو تقليب الأمور على هذا النحو المستفز والتبريري العقيم.
الدعوة كانت ولا تزال هي أن تتحمل الأحزاب والتنظيمات السياسية مسئولياتها الوطنية وواجباتها الدستورية و القانونية تجاه قضايا واستحقاقات وطنية كبيرة وخطيرة. فقضية صعدة ومواجهة التمرد والإرهاب، مثلها مثل استهداف الوحدة الوطنية بالأعمال والشعارات المناهضة لها والدعوة إلى الانفصال والتمزيق، ليست قضايا مؤتمرية بحتة، ولم يتنكر لها المؤتمر أو يتنصل من مسئولياته وواجباته تجاهها في كل مناسبة وحال. ولكنها بالأساس والأصل قضايا وطنية ومسئوليات دستورية وهموم جماعية يخاطب بها ويساءل عنها الجميع وفي المقدمة الأحزاب وشركاء الحياة الوطنية والسياسية ولا يقول هؤلاء كلاما مفيداً إن هم قصروها على المؤتمر وحده بل يتهربون من مسئولياتهم ويشهدون للمؤتمر بالكفاءة.
إن الهروب إلى بدعة "التشاور" إعلان عن اكتمال المأزق الكبير الذي أنساق نحوه المشترك برغبته وإرادته، وتنصل كامل عن مفهومية الشراكة الوطنية وقيمتها في المجال السياسي.
فلماذا يرفض ويتهرب الفرقاء من تحديد موقف وطني صريح ومباشر يُلزمون به ويلتزمون تجاه أحداث التمرد في صعدة والدعوات الانفصالية؟
إن الرفض للحوار هو بالأساس رفض للشراكة وجبن عن مواجهة الاستحقاقات والقضايا الوطنية بمواقف صريحة وبعيداً عن الانتهازية ومهادنة الخراب والمخربين.
عن أية شراكة إذاً يتحدث المشترك وأحزابه، إذا كانوا يرفضون إدانة العنف والتمرد والخروج عن الشرعية أو إدانة الدعوات الانفصالية وشق الصف وتعكير الأمن الجماعي؟
كيف يفهمون الشراكة الوطنية وليست لديهم رغبة أو مقدرة على تحديد مواقف معلنة وصريحة تجاه ما يستهدف الوطن الذي هم ونحن شركاء فيه؟!
مأزق اكتمل.
أحزاب المشترك تعلن عن اكتمال مأزقها واستنفاد ذخيرتها ا لسياسية في معركة التأزيم والتعطيل، وليس الهروب من الحوار وابتداع مفهوم "التشاور" إلا تعبيراً بليغاً عن يأس في السياسية وارتباك كبير ينم عن صيغة توفيقية أو تلفيقية لا أكثر إزاء مواقف متباينة داخل أحزاب المشترك فكان "التشاور" توفيقاً بائساً بين الآراء والمواقف.