الثلاثاء, 10-يونيو-2008
الميثاق نت -          الدكتور/ سيف العسلي -


على الرغم من الفشل الذر يع للفكر والتطبيق الاشتراكي فان البعض يصر على تجريبه مرات أخرى لذلك فإنني لم استطع فهم دوافع التحالف القائم بين الحزب الاشتراكي اليمني والتجمع اليمني للإصلاح. وعلى وجه التحديد لم استطع أن أتصور كيف استطاع الحزب الاشتراكي أن يخدع بعض قيادات الإصلاح ذي التوجه الإسلامي أو كيف انخدع هؤلاء القادة بالحزب ولم استطع فهم دفاع العديد من قادة وكوادر الحزب الاشتراكي اليمني عن الأفكار والتوجهات الاشتراكية على الرغم من أنهم قد جربوها وذاقوا الأمرين منها إنني لم استطع كذلك فهم دوافع أشخاص مثل الرئيس الفنزويلي لتحويل نظام بلاده إلى نظام اشتراكي وهو يرى بأم عينيه ما فعلته الاشتراكية في جارته كوبا ولم استطع أيضا فهم وصول العديد من الاشتراكيين في أميركا الجنوبية إلى السلطة عن طريق الانتخابات.

ولفهم ذلك فقد قررت قراءة كتاب رأس المال لكار ل ماركس على ذلك يساعدني على فهم ما يجرى في عقول هؤلاء على اعتبار إن هذا الكتاب يمثل الدليل النظري لكل من يعتنق هذه الأفكار و لقد وجدت فيه العجب العجاب وقد أحببت أن أشارك القراء بعض ذلك وخصوصاً أولئك الذين خدعوا أو انخدعوا به. لقد وجدت فيه العبقرية الفذة والبلاهة الفاضحة وبعض الصرامة العلمية والأساطير البالية والحب الجارف والكره الماقت والاختصار المخل والإطناب الممل والكثير الكثير من المتناقضات. وقد زاد استغرابي وجود هذا الكم من التناقضات ومع ذلك فان العديد من الأشخاص والجهات التي تأثرت بهذا الكتاب بشكل مباشر أو غير مباشر لا زالوا مخدوعين أو منخدعين.

و نظرا لقوة ذلك فان ما لمسه أو شاهده أو سمعه هؤلاء من أدلة قوية لم تدفعهم حتى لمحاولة الخروج من شبكة الخديعة التي أوقعوا أنفسهم فيها وقلت لنفسي.. أي دليل أقوى من انهيار الاتحاد السوفييتي ومن انهيار دول أوروبا الشرقية الموالية له، ومن انهيار كل الدول التي قامت على هذه المبادئ يمكن أن يقنع هؤلاء.

والأكثر أهمية من ذلك أن بعض الأدلة القوية لازالت ماثلة للعيان حتى أيامنا هذه فما على هؤلاء إلا أن يقارنوا بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية فعلي الرغم من أنهما يمثلان قومية واحدة ويتمتعان بموارد متساوية ولديهما ثقافة واحدة وكان مستوى التقدم فيهما واحد قبل تقسيمهما فان مستوى تطورهما في الوقت الحاضر مختلف تماما فتقدم مستوى التطور في كوريا الجنوبية يعود بدون أدنى شك إلى اتبعها النظام الاقتصادي الحر وتخلف مستوى التطور لدى كوريا الشمالية يعود بدون ادني شك إلى تبنيها النظام الاشتراكي.

وإذا كانت هذه الأدلة لم تجعل هؤلاء المنخدعين يفيقون مما هم فيه فإنني مع ذلك سأحاول أن اذكر هؤلاء عسى الله أن يفتح قلوب بعضهم على الأقل لما سأقول. حقيقة لقد احترت كثيرا في اختيار الطريقة المناسبة لتوضيح الفكرة لهؤلاء فعلى الرغم من وجود طرق كثيرة يمكن استخدامها لتناول الموضوع إلا انه لا بد من مراعاة العديد من الاعتبارات عند الاختيار من بينها.

فمن أهم هذه الطرق الأسلوب الفلسفي، والأسلوب العلمي، والأسلوب التاريخي, والأسلوب الاقتصادي ومن الاعتبارات حجم المقال والجهات المستهدفة ولذلك احترت التركيز على الجوانب الإنسانية وفي هذا الإطار فإنني سأركز على توضيح الأضرار الكبيرة التي ألحقها هذا الفكر بالإنسانية من خلال مناقشة المحاور التالية : يمثل المحور الأول في استهتار الفكر الماركسي بالعلم فعلي الرغم من ان إتباعه قد أطلقوا عليه لقب الاشتراكية العلمية إلا آن من يقيمه بحيادية سيجده غير علمي.

فالعلم هو الكشف عن الحقيقة التي يفهمها ويسعى لمعرفها كل البشر فالحقيقة قائمة بذاتها ومن ثم فانه لا يمكن تجزئتها إلى حقيقة اشتراكية وحقيقة رأسمالية وبالتالي فإنه لا وجود لعلم اشتراكي أو علم رأسمالي أو حتى لعلم إسلامي. إذ انه يمكن لكل إنسان أن يفهم الحقيقة العلمية وان يتأكد من صحتها وان يستفيد من تطبيقها بغض النظر عن جنسية الشخص الذي اكتشفها أو عن اللغة التي كتبت بها.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان من يقيم كتابات ماركس وإتباعه وفقا للمنهج العلمي فانه سيجد أنهم لم يكونوا صادقين وأمناء في تطبيقه. صحيح أنهم حاولوا استخدام بعض نتائج البحث العلمي ولكنهم فعلوا ذلكم بشكل انتقائي واستغلالي. فإذا ما كانت نتائج المنهج العلمي تخدم توجهاتهم ووجهات نظرهم فإنهم احتجوا بها وإذا كانت عكس ذلك فإنهم قد أهملوها أو سفهوها ولاشك أن تصرفات كهذه تدل على استهتارهم بالعلم واستخدامه فقط كوسيلة للتضليل والخداع. فعلى سبيل المثال عندما ناقش ماركس بعض القضايا الهامة مثل القيمة والتبادل والإنتاج والاستهلاك والأجور والإرباح والطبقات وغيرها من القضايا فانه تعمد التلاعب بالمتغيرات المؤثرة عليها .فقد كان يركز على المتغيرات الأقل أهمية التي تفسير هذه القضايا بما يتفق مع وجهة نظره ويتجاهل المتغيرات الأكثر أهمية التي تؤيد التفسيرات المتعارضة مع وجهة نظره ولا شك أن ذلك يتناقض مع المنهج العلمي جملة وتفصيلا. قلت لنفسي..


أي دليل أقوى من انهيار الاتحاد السوفييتي ومن انهيار دول أوروبا الشرقية الموالية له يمكن أن يقنع هؤلاء؟ لقد أهان ماركس العلم عندما اتهمه بأنه هو الذي مكن بعض البشر من استغلال البعض الأخر فمن وجهة نظره فانه لولا الثورة الزراعية والتي كانت نتيجة للتقدم العلمي والمعرفي لما تمكن الإنسان من الانتقال من نظام الشيوعية البدائية الى نظام العبودية السيئ.

وكذلك فانه من وجهة نظره لولا التجارة لما انتقل الإنسان من نظام العبودية إلى نظام الإقطاع. وأيضا فمن وجهة نظره فانه لولا الثورة الصناعية لما تمكن الإنسان من الانتقال من نظام الإقطاع إلى النظام الرأسمالي ولا يمكن من وجهة نظره الانتقال من هذا النظام السيئ إلى النظام الشيوعي الأفضل مرة ثانية إلا إذا تم القضاء على معظم الإنجازات العليمة مثل النقود والبنوك وتقسيم العمل وكل البناء المؤسسي المرتبط بذلك.

ويتمثل المحور الثاني في تعمد الفكر الماركسي نشر ثقافة الكراهية والحقد والقتل بين بني البشر لقد قسم ماركس الإنسانية إلى قسمين هما: الطبقة العاملة وطبقة الرأسماليين. فالعمال في نظره هم ملائكة والرأسماليون هم شياطين. فالعمال تبعا لذلك لا يرتكبون أي خطأ ولا يتحملون أية مسؤولية. في حين أن الرأسماليين – إلى جانب مسؤوليتهم عن أنفسهم – فإنهم أيضا مسؤولون عن العمال. فإذا ما مرض العامل فالرأسمالي هو المسؤول عن ذلك وإذا ما جاع العامل فالرأسمالي هو المسؤول عن ذلك وإذا ما ترك العامل العمل فالرأسمالي هو المسؤول عن ذلك وإذا ما طلق العامل زوجته فالرأسمالي هو المسؤول عن ذلك وإذا ما مات العامل فالرأسمالي هو المسؤول عن ذلك. ومع ذلك فانه لا بد من أن يضع العمال العقبات أمام الرأسماليين بل وعليهم السعي للقضاء عليهم بكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة.

لقد مهدت هذه الأفكار لظهور الكره غير المبرر وغير المحدود. فالعامل يكره الرأسمالي لأنه فقط رأسمالي وقد لا يكون تسبب له بأي شيء يكره وقد يكون لا يعرفه ولم يقابله في حياته لقد تسبب ذلك في انتشار القتل والتعذيب بدون أي سبب. أي أن هذا الفكر قد استباح القتل وهتك الحقوق ومصادرة الأموال.

فقد سجل التاريخ أن عشرات الملايين من البشر قد قتلوا في الاتحاد السوفييتي فقط لأنهم لم ينتموا للطبقة العاملة. ونفس الشيء تقريبا حدث في الصين أبان الثورة الثقافية. والأكثر بشاعة هو ما حدث في كمبوديا على يد الخمير الحمر عندما تم إعدام أكثر من مليون شخص لمنعهم من نقل أفكارهم البرجوازية إلى أطفالهم.
واذا كان العمال قد دفعوا إلى ممارسة الكراهية والحقد ضد الرأسماليين فان رده فعل هؤلاء تجاه العمال لن تكون في الغالب الحب وإنما مواجهة الكره بالكره والقتل بالقتل والتعذيب بالتعذيب وهذا ما حدث بالفعل في العديد من دول أميركا الجنوبية مثل الشيلي والأرجنتين وغيرها من الدول هذه القارة وفي دول مثل اندونيسيا وغيرها من دول العالم.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فان الكره والحقد والقتل والتعذيب قد انتشر ليشمل ما أطلق عليه ماركس الطبقة العاملة. فالعمال عذبوا وقتلوا العمال والرفاق تأمروا واعدموا الرفاق و ما حدث في الشطر الجنوبي طوال فترة حكم الحزب الاشتراكي ليس عنا ببعيد. ما من شك بان هذه الفكر يتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن دورات الكراهية والتعذيب والقتل وغيرها من الممارسات المتعارضة مع ابسط حقوق الإنسان.
صحيح انه كان هناك عنف وتعذيب وكراهية قبل كتابات كارل ماركس وكان من الممكن أن يستمر ذلك في حال عدم ظهور كتابات كارل ماركس ولكن الصحيح أيضا أن دوافع العنف والكراهية والقتل كانت ستكون مختلفة سواء من حيث الحجم أو النوع فأي عنف قد يترتب عن سوء فهم بين أشخاص معين حول بعض القضايا المحددة كان سيكون محدودا ومسيطرا عليه.

أما المحور الثالث فيمكن في تعمد الفكر الماركسي تشويه معايير العدل والعدالة. ولقد ترتب على ذلك وقوع ظلم غير مسبوق في التاريخ.إن التحريض القوي وغير المنضبط للطبقة العاملة من قبل ماركس ودعوته لها للثورة على ما اسماهم بالطبقة البرجوازية وقوانينها وعاداتها وثقافتها قد أدي إلى سعي إتباعه لإهدار كل القوانين والعلاقات التي كانت تنظم العلاقة بين جميع فئات المجتمع واستبدالها بالفوضى. قد عمل ذلك بدون شك على تشويه مفاهيم ومعايير العدالة التي تعارف عليها الإنسان عبر التاريخ. فالشرعية الثورية التي ابتدعتها القوى اليسارية لم تكن في الحقيقة سوى شريعة الغاب. إذ أنها قامت على معيار القوة فقط. ولذلك قد كان من السهل على كل من يملكها أن يفعل ما يريد وفي ظل الثقافة الثورية فلا اعتبار للعلاقات الأسرية وبالتالي لا حاجة للأسرة ولا للزواج ولا لأي من المؤسسات الاجتماعية الأخرى فقد حلت العلاقات الطبقة محل كل العلاقات القرائبية الأخرى بما فيها المواطنة والإنسانية. فإذا كانت الطبقة العاملة تمثل الملائكة وكانت الطبقة الرأسمالية تمثل الشياطين فان الشرعية الثورية تصبح سهلة وواضحة فكل ما يعمله ويقوم به الرأسمالي هو شر وكذب ومن ثم فان عقباه مشروع سواء قام بأي أفعال أم لا وبالتالي فلا حاجة إذا لمحاكم ولا لشهود ولا لأدلة ولا لتحديد العقوبات المختلفة المنسجمة مع حجم الجرائم فكل عامل يستطيع أن يعاقب أي رأسمالي بما يريد وكيفما يريد.

ووفقا لذلك فان الحق مطلق والباطل مطلق فكل ما يصدر عن الطبقة العاملة هو حق مطلق وكل ما يصدر عن الرأسماليين هو باطل مطلق. ولذلك فلا حاجة للاستماع إلى ما يقوله الرأسماليين حتى يتم تطبيق العقوبة عليهم ولا حاجة للمفاضلة بين مستويات العقوبات المختلفة فعلى اعتبار انه رأسمالي فانه كل ما يلصق به من تهم فهي ثابتة.

فأي تهم أخرى اقل من كونه رأسماليا اقل شانا. انه يستحق الإعدام لكونه ينتمي إلى الطبقة الرأسمالية وبالتالي فانه لا يهم أن يكون قد ارتكب مخالفة أخرى أو لم يرتكب فجريمة الرأسمالية تفوق كل الجرائم الأخرى. لقد ترتب على ثنائية التقسيم الطبقي ثنائيات أخرى لا تقل ضررا عنها. ومن أهم هذه الثنائيات ثنائية الحق والباطل فالحق هو كل ما تقوم به وتعمله الطبقة العاملة. والباطل هو كل ما سوى ذلك.

وكذلك ثنائية الثورة والثورة المضادة فما تقوم به الطبقة العاملة هو الثورة المضادة التي يجب كبحها بأي ثمن .وأيضا ثنائية التقدم والرجعية فما ينفق مع أفكار وأعمال الطبقة العاملة وهو تقدم، وما يخالفها هو رجعية. وبالإضافة إلى ذلك ثنائية القوى الوطنية والقوى العملية فما تقوم به الطبقة العاملة هو الوطني وما يقوم به من لا يتفق معها فهو العمالة.

إلى المنخدعين فهل تفقيون

أما المحور الرابع فهو سعي الفكر الماركسي لتجفيف كل منابع التعاون والتكامل الإنساني لقد ترتب على تشويه هذا الفكر للأغنياء والرأسماليين القضاء على أي إمكانية للتعاون بين العمال وأصحاب العمل ومن ثم فان الصراع بين الطريفين هو الأمر الطبيعي فعملية الإنتاج من وجهة نظر ماركس هي عملية صراع بين الطرفين وكذلك فان تقاسم العائد عليه هو عملية صراع لقد ترتب على ذلك غلبة ثقافة الصراع على ثقافة التعاون بين الفئات المختلفة إلى أقصى مدى.

لقد كان تصوير ماركس لأصحاب الأعمال على أنهم طفيليون لا يقومون بأي عمل مفيد ولا يقدمون أي شئ مفيد إلى تهميش جزء مهم من المجتمع لقد اعتبر ماركس أن قيام رجال الأعمال بتحديث الآلات والمعدات عمل يضر بالعامل وأن سعي رجال الأعمال لتدريب العامل إفساد للعمال وان تطوير رجال الأعمال لتحل محل العمال في الأعمال الشاقة مؤامرة ضد العمال وان زيادة إنتاجية العامل بهدف تحسين مستويات معيشية تخدير للعمال من قبل أصحاب العمل وان إصدار التشريعات التي تنظم أحوال العمل هي من وجهة نظر ماركس تحايل على العمال ووفقاً لهذا التصور فان كل ما يصدر من أصحاب العمل أو من الحكومة أو المجتمع هو ضد العمال ومن ثم فإما أن يقضي العمال على أصحاب العمل أو العكس.

أن ثقافة كهذه كهذه قد عملت على أضعاف العلاقات الإنسانية بين الطرفين إلى درجة أصبح العمال يعتقدون أنهم من طينة وأن رجال الأعمال من طينة أخرى وقدر ترتب على ذلك تجاهل حقيقة أن كلا من العمال وأصحاب العمل ينتمون إلى جنس بشري واحد فكل منهما تبعاً لذلك يشترك مع الآخر في المشاعر الإنسانية من حب وتكامل وتعاطف وتعاون فمهما كبرت ثروة أي إنسان فان قدرته على استهلاكها محدودة أن احتياج الإنسان من السلع الأساسية متقارب.

ومن ثم فان أصحاب الثروات الكبيرة لا بد أن يشاركوا الآخرين فيها طوعاً. فبالقدر نفسه الذي يوجد فيه تنافس بين البشر فانه يوجد أيضا تعاون وتكافل بينهم ولو لم يكن الأمر على هذا النحو فانه لا يمكن أن نفهم ترك البشر لحياة العزلة في الغابات وتفضيلهم على ذلك العيش في جماعة.

أما المحور الخامس فهو إحتقار الفكر الماركسي للإنسان فالإنسان في نظر ماركس ما هو إلا مجموعة مواد وعناصر مادية مثله مثل أي سعلة أخرى وانطلاقا من هذه الفلسفة المادية التي يعتنقها ماركس فان الإنسان ليس سوى مخ وأعصاب وطاقة مادية ولذلك فانه وفقا لوجهة نظره ليس لديه روح وانطلاقاً من ذلك فانه يجب أن يخضع للقوانين الطبيعية مثله مثل أي مواد طبيعية أخرى فلا وجود لدى الإنسان لآي إرادة حرة إنه فقط يشبه القطيع والدليل على ذلك أن ماركس كان يرجع كل تصرفات الإنسان إلى ما يسميه الحتمية الاجتماعية فقيمة السعلة من وجهة نظره تتحدد بقدر العمل اليدوي المندمج فيها والذي بدوره يتحدد بالمقدار الاجتماعي للضروريات التي يحتاجها العامل وهكذا.

والأكثر أهمية من ذلك أن ماركس قد وجه إهانات كبيرة ومتعمدة للإنسان في معظم كتاباته كما يتضح ذلك من كتاب رأس المال فمنذ الفصل الأول في هذا الكتاب وماركس يساوي بين الإنسان والسلعة ويستمر في كل كتاباته السابقة واللاحقة لذلك بحيث يصور الإنسان على أنه حيوان لا يعتز بكونه إنساناً لأنه يقبل أن يعامله الآخرون كسلعة ولكن في الحقيقة فان الإنسان العامل لم يقبل بوضع كهذا فمن غير المقبول القول أن الإنسان العامل كان مغلوبا على أمره أو أن المجتمع قد أجبره على القبول بهذه العلاقات الظالمة فقد يكون ذلك لفترة طويلة فقد يكون الانسان ضعيفا لا يستطيع مقاومة ما يقع عليه من ظلم ولكنه لا يقبل ذلك لفترة طويلة فباستطاعته أن يقتل نفسه أو أن ينجب أطفالاً يلاقون مصيره أو أن ينتفض على الظلم. وتبعا لذلك فان تصرف كل من الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية هو حتمي ينبع من قوانين الإنتاج والتبادل السائدة يتضح ذلك بشكل جلي من خلال تتبع الصفات السيئة التي وصف بها ماركس الطبقة البرجوازية ونمط الحياة في ظل سيطرة نمط الإنتاج الرأسمالي فوفقاً لأوصافه لهذه الطبقة فإن تصرفاتها أسوء من تصرفات كل أنواع الحيوانات الأخرى فتصرف ملكة النحل تجاه النحل في الخلية أفضل من تصرف الرأسمالي مع من يعمل معه في مصنعه لأنها تبدي رحمة في تعاملها مع بقية النحل أكثر من الرحمة التي يبديه الرأسمالي مع العمال وحتى تعامل الأسد مع أبناء جنسه ومع الحيوانات من أجناس أخرى أفضل من تعامل الرأسماليين مع إخوانهم البشر.
فعندما يفترس الأسد فإنه بعد أن يأكل حاجته منها يترك الباقي للأسود الآخرين الذين يتركون ما فاض عن حاجتهم لبقية الحيوانات الأخرى وهكذا الحال في جميع ممالك الحيوانات.
ولا شك أن تصوير ماركس لرجال الأعمال على هذا النحو ليس صحيحاً لكن في الحقيقة فإن العديد من أصحاب الأعمال يهتمون بإخوانهم العمال وينفقون نسبة كبيرة من ثرواتهم بشكل طوعي على تطوير الجماعة التي يعيشون فيها ونتيجة لذلك فقد كان العمال يفرون من برلين الشرقية إلى برلين الغربية التي كان يحكمها الرأسماليين ولم يحدث العكس. وكذلك فقد كان خط الهجرات يبدأ في دول المعسكر الاشتراكي وينتهي في الدول الرأسمالية فمن غير المعقول أن يخاطر الإنسان بحياته ليفر من الجنة إلى النار فالعكس هو الصحيح فالإنسان يخاطر بحياته ليفر من النار إلى الجنة لان الحياة في النار أسوء من الموت إن احتقار ماركس للإنسان لم يقتصر فقط على الإنسان . البرجوازي وإنما شمل أيضاً احتقاره للإنسان العمل نفسه. فقد صوره بأنه قد رضخ للظلم منذ فجر التاريخ فإلى جانب كون هذا التصوير يجانب الحقيقة فإنه يمثل إهانة للإنسان العمل بإعتباره فاقد القدرة والتأثير.

صحيح أنه كان يحدث بعض الظلم لبعض الناس لكن هذا الظلم لم يكن شاملاً ولا مستمراً ولم يكن دائماً على فئة بعينها أو أمة بعينها.
إن التاريخ يسجل أن العديد من القادة الإصلاحيين قد اتخذوا مواقف مناهضة للظلم فما الانبياء والمصلحون إلا مثالا ً حياً على ذلك. ويسجل التاريخ كذلك أن هؤلاء قد نجحوا في العديد من الحالات في القضاء على الظلم وتحقيق قدر كبير من العدالة للجميع ولا شك أن ذلك يدل على أن الظلم لم يكن مستمراً فالإنسان سواء كان عامل أم صاحب عمل لا يمكن أن يرضخ للظلم بشكل مطلق ومستمر. إن تصوير الإنسان العامل على هذا النحو من الاستسلام والضعف والخنوع يتناقض مع خصائص الإنسان الذي يملك إرادة وقوة يستطيع أن يدافع بها على نفسه سواء تجاه أخيه الإنسان وتجاه الطبيعة وتجاه ما أنتجه الإنسان والطبيعة.

أما المحور السادس فيكمل في تأثير الفكر الماركسي السلبي على التقدم الاقتصادي وما ترتب على ذلك من زيادة كبيرة في مستويات الفقر لقد ترتب على تهيج البسطاء وتحريضهم على القيام بالعصيان المسلح أن اشتعلت صراعات مسلحة هوجاء ضربت العديد من الدول وعلى وجه الخصوص في دول العالم الثالث. ونظراً للمطالب التعجيزية والإصرار على اللجوء على العنف لحل ابسط القضايا فقد استمرت هذه النزاعات لقرون ولا شك أنها تسببت في إهدار الكثير من الموارد النادرة مما زاد من تخلف هذه الدول ومن توسيع دائرة الفقر فيها أن فرض هذا الفكر للمساواة بين أناس غير متساوين قد ساهم بدون أدنى شك في تعثر عملية التطور والتقدم الإنسان ي فليس صحيحاً ما قاله ماركس حول تساوي قوة العمل في القيمة ويتضح ذلك ليس فقط من خلال تفاوت الناس في المهارات وفي رغبتهم في العمل ولكن أيضا من خلال تفاوتهم في نوعية العمل ذاته فمن الثابت الجلي أن المبدعين هم قلة من البشر فالإبداع لا ينبع من خلال قوة العمل التي يمتلكها جميع البشر وإنما من خلال نوعية العمل ( أي من خلال الموهبة).

فبعض البشر قد أعطاهم الله موهبة خاصة تمكنهم من الإبداع ولا شك أن الإبداع لا يرتبط بحجم قوة العمل وإنما بنوعيته فالذين ليس لديهم موهبة الإبداع فحتى لو عملوا كل أعمارهم فإنهم لن يستطيعوا أن يظهروا إبداعاً واحدا إن افتراض أ، النوعين متساويان كما فعل ماركس هو ظلم للجميع وإعاقة للتطور البشري فمن العدل أن لا يتم التعامل مع الموهوب والمبدع بالمعاير نفسها التي يتم التعامل بها مع غيرهم لان ذلك في تحقق سيؤدي إلى إهدار المواهب وبالتالي عدم الاستفادة منها وفي هذه الحالة فان المجتمع كله سيتضرر بما في ذلك الناس العاديون.

فالتاريخ يثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن التطور في العامل هو نتيجة لإبداعات الموهوبين وإذا ما تم هضم هؤلاء في أي مجتمع من المجتمعات فانه لا يتطور أبدا وهذا ما حدث فعلا في المجتمعات التي حكمها الماركسيون ويدل على ذلك حقيقة أنه لم تستطيع ولا دولة واحدة من هؤلاء أن تتقدم وأن تتطور على الإطلاق.

ولا شك أن منع الاستفادة من الموهوبين قد الحق بهم ضرراً فادحاً والحق بمجتمعاتهم إضرارا أكثر فداحة.ولقد ترتب على تجاهل ماركس في تاثر المبدعين في الفكر والتطوير والتطبيق الاشتراكي ان تم تجاهل كل ما ينتجونه فالتقدم الذي يحدثه المبدعون في أدوات الإنتاج والتكنولوجيا من وجهة نظر ماركس عمل عقيم ومضر فالقيمة في الفكر الماركسي لا يخلقها إلا العمل الإنسان ي اليدوي وليس العمل الفكر ان تمجيد العمل اليدوي المتوفر لدى كل إنسان واحتقار العمل الإبداعي المتوفر لدى المبدعين هو تشجيع لغير الموهوبين وتحريض على عدم التميز وبالتالي فان ذلك شجع على البدائية وعدم التطور.
وقد عمل ماركس على تثبيط أي عمل إبداعي من خلال تسفيهه وتجريمه لكل عمل يساعد على تشجيع الإبداع ولا أدل على ذلك من تصوير ماركس لدور النقود ورأس المال وعملية التبادل فالنقود لديه ضارة لأنها تطمس حجم قوة العمل اليدوي في أي سلعة من السلع مما ساعد على ظهور وانتشار السلع المعيارية فالإنتاج الكبير هو نتاج الإبداع ولا يمكن أن يتحقق بموجود النقود التي تمكن من تراكم رأس المال ومن ثم توسيع عملية الإبداع وقد تعرض الموهوبين والمبدعين لعمليات تصفية جسدية من العديد من التجارب الماركسية ولا شك ان ذلك قد مثل خسارة كبيرة للبشرية جمعاء.

إن تحريض ماركس للعمال على إلغاء عملية الإنتاج القائمة على الأسلوب الرأسمالي بالقوة من خلال الثورة هو في الحقيقة إلغاء لأسلوب الإنتاج الكبير وكذلك فان دعوته إلى تقليص دور النقود هي دعوة لعرقلة عملية التبادل أي علاقات اقتصادية مفيدة للجميع ولا شك أن ذلك يعني عودة الفقر بكل مظاهره. وقد عمل الفكر الماركسي على إعاقة التطور الإنسان ي وزيادة معدلات الفقر من خلال تشجيعه للكسل والكسالى فإذا ما ضمن أي إنسان انه سيحصل على حاجاته الأساسية بغض النظر عن كونه يعمل أم لا على اعتبار أن ذلك حقاًً له كما أوحى ماركس بذل قد قضى على احد أهم العوامل الدافعة للعمل فغالبية الناس لا يعلمون لأنهم يحبون العمل وإنما يعملون لأنهم بواسطة عملهم يستطيعون تلبية احتياجاتهم الفيزيولجية والحاجات الأخرى.

ولا زالت العديد من هذه الأفكار المثبطة للعمل بكل أنواعه تنتشر في العديد من دول العالم الثالث ولاشك أن ذلك يمثل عائقاً حقيقاً أمام تطورها أن ذلك يظهر مدى الأهمية الكبرى لتذكير المنخدعين بإضرار الفكر الاشتراكي بشكل عام والفكر الماركسي بشكل خاص. وهنا يظهر عدم منطقية التحالف بين الحزب الاشتراكي والإصلاحي بالحزب الاشتراكي يصر على تمسكه بالاشتراكية العلمية كما هو واضح من برنامجه السياسي المعدل والمعمول به حالياً وتبرهن كل مواقفه وتصرفاته على استمراره في محاولة تطبيق المبادئ والقواعد الاشتراكية.

ولا يوجد شك لدى على الإطلاق بأن قواعد وكوادر القيادات الوسطية وبعض القيادات الإصلاحية العليا لا توافق الحزب الاشتراكي على هذه التوجهات. وعلى هذا الأساس فان على القيادات الإصلاحية التي تقف وراء الهرولة إلى أحضان الحزب الاشتراكي أن تسعى إلى إقناع الحزب لتغيير برنامجه السياسي بما يضمن خلوه من هذه الأفكار السلبية والمضرة وإلا فأنها ستكون مسئولة أمام الله وأمام قواعدها على دفعهم لتحمل بعض هذه الأوزار التي لا ترضي الله ولا رسوله ولا المؤمنين ولا حتى الأحرار العاديين وإذا لم تسع قواعد وكوادر وقيادات الإصلاح للضغط على هذه القيادات فانها ستشاركها في الإثم أيضاً فهل يفيقون من خدع أو انخداع بهذا الفكر ذلك ما نتمناه والله ولي الهداية والقادر عليها.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:27 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-7133.htm