الإثنين, 16-يونيو-2008
الميثاق نت -      د. طارق المنصوب* -
بين رضا الإنسان بما هو كائن حقاً - وهو كثير بشهادة دولية وإقليمية - في واقعنا وتجربتنا السياسية اليمنية المعاصرة، والتوق الإنساني الطبيعي إلى ما ينبغي أن يكون عليه الحال مسافات شاسعة من الأمل الدائم بدوام الوجود البشري، بل وربما من الألم كذلك في بعض الأحيان خاصة في حالة الثورات الشعبية إن دعت الحاجة والضرورة إلى ذلك لدفع الظلم والجبروت أو الطغيان والفساد، وكما يقال: «الحرية شجرة تروى بالدماء».

والاختلاف في الحالتين يعود إلى جملة أسباب لا حصر لها، بيد أننا نعتقد أن أهم تلك الأسباب يكمن في درجة الرضا والقناعة أولاً، وفي الغايات ثانياً، وكذلك هو اختلاف حول الوسائل ثالثاً، وربما يكون عدم التمييز بين الخاص والعام سبباً رابعاً. فهو اختلاف في درجة الرضا والقناعة؛ لأن الناس بأصل الخلقة غير متساوين في مشاعرهم وإحساسهم بالرضا والأمل والسعادة، فما يقنع بعض الناس لا يرضي أغلبهم، وما يسعد فئة أو طائفة من الناس قد يكون سبباً في تعاسة آخرين، وهكذا مع باقي المشاعر البشرية التي تتفاوت من شخص إلى آخر، وأحياناً عند نفس الشخص من فترة لأخرى، ومن موقف إلى آخر. ولذا قيل في الأثر الشعبي: «إرضاء الناس غاية لا تدرك»، و«من جعل هدفه إرضاء نفسه أو الآخرين قضى حياته يلهث دون أن يصل هدفه» للدلالة على استحالة إرضاء جميع الأفراد في مجتمع من المجتمعات البشرية.

وهو، بعد ذلك اختلاف في الغايات التي يرجوها كل فرد وكل طرف أو فئة أو جماعة من وجوده داخل النسق السياسي، وهي تتفاوت وتختلف في جميع الحالات، ولذا فمن العصي على الإنسان معرفة مكنونات النفس البشرية الأخرى إن لم يتم التعبير عنها صراحة بأي وسيلة من وسائل التعبير وهي متعددة خاصة في زمننا الحاضر، وحتى في هذه الحالة الأخيرة فلا مجال لمعرفة حقيقة تلك المواقف المعبر عنها أو صدق تلك النوايا، في ظل سيادة ثقافة الشك المتبادل نتيجة تأزم العلاقات بين أطراف العملية السياسية، وعدم قبول بعض الأطراف مبدأ الحوار لتضييق أو تجسير الفجوة الناشئة بينها، فلا يعلم ما تخفي الصدور إلا الله.

وأخيراً، هو اختلاف حول الوسائل، إذ اختلاف مستويات الرضا وتفاوته، واختلاف الغايات يقود إلى اختلاف الوسائل التي يستخدمها كل طرف من أجل الوصول إلى تحقيق تلك الغايات، خاصة في ظل سيادة بعض المفاهيم الخاطئة للعمل السياسي تدخله حيز المتاح أو الممكن «بوصف السياسة هي فن الممكن»، ويتخذ من «الغاية تبرر الوسيلة» شعاراً للعمل السياسي، وهو الشعار الذي يرخص لبعض القوى استخدام كافة الوسائل - بما فيها استخدام الوسائل غير المشروعة و اللاأخلاقية التي تضر بمصالح تلك الأطراف إلى جانب إضراره بمصالح الوطن اليمني العليا - لتحقيق تلك الغاية.

من جهة رابعة، بدأت المسافة بين الخاص والعام تتقلص كثيراً، وأحياناً تتماهى حتى اختلط على المواطن اليمني الأمر وأشكل عليه في أكثر من مناسبة، وبدا له كل شأن مهما بدا ذاتياً وخاصاً مما له علاقة بالطموحات الشخصية والرغبات الفردية والأهواء الجماعية لفئة من الناس وبعض القيادات الحزبية شأناً عاماً. وعدم تورع بعضها عن استغلال بعض المطالب الحقوقية المشروعة الفردية والجماعية، وركوب موجة الغضب الشعبي جراء اقتراف بعض التصرفات الشخصية الخاطئة لتحقيق بعض المآرب الذاتية والفردية والحصول على بعض المكاسب الشخصية. أحياناً بداعي الحاجة إلى إعادة النظر في النظام الانتخابي لجعله أكثر ديمقراطية، وأحياناً بدعوى أن التمثيل النسبي أكثر عدالة في تمثيل آراء الشعب اليمني وتوزيع الأصوات بين المرشحين، وغيرها كثير مما لا يتسع له الحيز المتاح.

وهي مزايا حقيقية لا ننكرها على تلك النظم المقترحة من أطراف المعارضة اليمنية، بل ربما دعت كثير منا إلى قبولها ودعمها لولا أنها أبعد ما تكون عن التعبير عن الواقع الحقيقي ومتطلبات المرحلة القادمة في مجتمعنا اليمني، التي سبق أن قلنا أكثر من مرة أنها متطلبات تنموية تتعلق بالحياة الكريمة وبالقدرة على تلبية المطالب اليومية التي باتت هماً يومياً يستغرق ويحتل كل مساحة من فكر أي مواطن يمني يلهيه عن الشأن السياسي الذي أضحى - برأيه - ترفاً وشأناً نخبوياً لا يعنيه.

ولولا السياق التاريخي الحرج الذي عرضت فيه، والأسلوب المعتمد لفرضها بوصفها خيارات مصيرية ومكاسب مشروعة لتلك الأطراف انتزعتها بفعل النضال الشعبي الذي أشيع عنه في البداية أنه سلمي، لا بوصفها بدائل تطرح في إطار مفاوضات ونقاشات وحوارات سياسية، وربما تقبل أو ترفض بعد بيان تهافتها وعيوبها التي تجعلها لا تتناسب مع الواقع التاريخي والسياسي والديمقراطي اليمني، وهو ما يستدعي تجسير الفجوة مع الطرف الآخر لا تكسير كل الجسور وحرق كل المراكب، وسد كافة قنوات الحوار السياسي ورفض التفاوض.

ولولا حقيقة الغاية التي تدفع تلك القوى إلى طرح مثل تلك الخيارات، والتي تصور لها أنها سبيل سهل للحصول على بعض المكاسب الانتخابية العاجلة اعتماداً على القاعدة الجماهيرية التي تمتلكها. وأخيراً، لولا تجربتنا السابقة مع نفس القوى السياسية التي قد ترفض نتائج «مقترحاتها» إذا أتت على غير ما تشتهي تلك الأحزاب، والتجارب السابقة حبلى بعشرات الأمثلة التي تعطي انطباعاً بأن تلك القوى لا تحترم حتى التزاماتها وتعهداتها، وآخرها التزامها بشأن تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من القضاء. فهل غلبت بهذه المواقف ما هو خاص على ما هو عام؟ أم فعلت العكس؟ نترك للرأي العام اليمني وللقارئ أن يعود بنفسه لمراجعة التاريخ القريب، والمواقف المتناقضة التي عبرت عنها تلك القوى في مناسبات وطنية مختلفة ليجيب بنفسه عن هذا السؤال.
-* جامعة إب
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 08:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-7199.htm