الميثاق نت-حوار / جميل الجعدبي -
تضم أدراج مكتبته حتى الآن »2400« استمارة اقرار بالذمة المالية لكبار مسئولي الدولة.. تحوي هذه الاستمارات بيانات مفصلة لممتلكاتهم المادية والعينية ومدخراتهم وهي- بلاشك- كنز من المعلومات المغرية والكافية لاثارة فضول اي صحفي يحلم باقتناص ما تيسر منها.. ولكن انى له ذلك أمام مسئول حكومي تبدو ذاكرته مشفرة بمواد القوانين ونصوصها وأحكام القضاء ومفردات الجريمة والعقاب. وهو ما يجعل مهمة أي صحفي يحاول سبر أغوار هذه الذاكرة صعبة جداً ان لم تك مستحيلة.. انه كاتم اسرار الدولة.. ومراقب ارصدة مسئوليها رئيس قطاع الذمة المالية بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وعضو الهيئة والمحامي القانوني محمد حمود المطري والذي تسنى لنا في »الميثاق« فرصة الحديث معه.. وكان الحوار التالي :
كم بلغ عدد اقرارات الذمة المالية التي تلقيتموها منذ بدء مزاولة مهامكم في الهيئة وحتى الآن؟
بداية نشكر كافة وسائل الاعلام على اهتمامها بأنشطة الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.. وحقيقة الهيئة بدأت تزاول مهامها الآن في مقرها الدائم »وزارة التربية والتعليم سابقاً« منذ اسبوع، وفيما يتعلق باقرارات الذمة المالية تلقت الهيئة الى الآن (2400) اقرار بالذمة المالية وهناك قوائم كبيرة ستصلنا من معظم الجهات وزارات ومؤسسات ومصالح وهيئات حكومية وكذلك مجلس القضاء والنيابة العامة والسلطة المحلية من محافظين ونواب محافظين ومديري أمن محافظات ومديري عموم المديريات والمجالس المحلية وكل العاملين في المجال المالي في المديريات والمحافظات.
60 يوماً لتعبئة اقرار الذمة
ما مدى تعاون هذه الجهات معكم؟
- هناك تعاون ملموس من قبل كافة الجهات وقد اطلقنا من البداية مشروع شراكة بين الهيئة وكافة الجهات، وقد كان من الصعوبة في بداية المرحلة التخاطب مع كل هذه الجهات، فقمنا باعداد خطة بحيث نبدأ من مجلس الوزراء ثم داخل الوزارات ثم المجالس المحلية.. فالتعاون مستمر والعمل جارٍ على قدم وساق ومع انتقال الهيئة الى مقرها الدائم نتوقع تزايد اعداد المتقدمين باقرارات الذمة المالية وهناك شرائح لم نتمكن من التعامل معها حتى ننتهي من الشرائح في الجهات السابقة والقانون يحدد ستين يوماً لتعبئة الاستمارة في تاريخ استلامها، ونحن الآن نتابع كل الجهات التي سلمت لها استمارات.
كيف تتعاملون مع الجهات التي تتأخر عن موعد تسليم الاقرارات؟
أي شخص يتأخر توجه له رسالة شخصية وستوضع في ملفه.. نتعامل معهم بالقانون.
معاقبة »المطنشين«
ما مضمون الرسالة - عتب - لوم؟
- فيها دعوة بسرعة تسليم اقرار الذمة المالية، مالم فهناك اجراءات قانونية ستنفذ، فالعملية ليست مزاجاً، ولا نبدأ التعامل مع أية جهة إلا بعد التنسيق مع الوزير او المسئول الأول في هذه الجهة، وحتى يكونوا على جاهزية لاستلام الاستمارات ثم نبعث مندوباً للجهة بالاسماء المحددة، فإذا تأخر أي شخص يتحمل مسئولية نفسه، لأن رئيسه المباشر قدم واجبه.
هل هناك جهات معينة تأخرت عن الموعد المحدد؟
هناك بعض الجهات نبهناهم قبل انتهاء الموعد وفعلاً وافونا بالاقرارات.
وهل هناك جهات مازالت »مطنشة« لكم مثلاً؟
- نحن الآن وعقب انتقالنا الى المقر الدائم بصدد استرجاع كل المعلومات الموجودة لدينا ونرى إذا كان هناك مثل هذه الجهات سنخبرهم ان موعدهم انتهى، او سينتهي عند تاريخ محدد فإذا ما وجدنا تطنيشاً او مماطلة في هذا الجانب سنتخذ اجراءات قانونية بداية بالتشهير، لأنه في هذه الحالة الشخص الذي لايحترم نفسه ولايحترم النظام والقانون فلا يستحق الاحترام، فمقياس الوطنية والالتزام الوظيفي هو مدى احترامك للقوانين، واذا لم تحترم القوانين فما معنى ان تكون موظفاً عاماً في الدولة وتأخذ حقوقاً منها؟
كشوفات يومية في وسائل الاعلام
نستطيع القول ان هناك جهات تعاملتم معها بطول بال الى حين استقراركم في المبنى الدائم ومن ثم ستتخذون اجراءات قانونية من ضمنها التشهير كما أشرت؟
- نعم، سنقوم بنشر كشوفات يومياً في كافة وسائل الاعلام في حال التأخير وسيحدد فيها يوم استلام الاستمارة ويوم الابلاغ بانتهاء الموعد، وفي هذه الحالة يتحمل الشخص مسئوليته وهو الذي سيكون معرضاً لنقد الجمهور وفي النهاية سيحال الى القضاء..
المحافظون هل تسلمتم اقرارات ذمة منهم سواء السابقين ام اللاحقين؟
- كنا قد بدأنا في التعامل مع المحافظين السابقين، ونحن الآن بصدد ارسال رسائل للمحافظين المنتخبين ونتابع عملية استكمال الاقرار بالذمة المالية لبقية المشمولين.
واعضاء مجلسي النواب والشورى؟
- الى الآن نحن نتعامل في الاساس مع جهات تنفيذية وخدمية.. فعضو مجلس النواب ليس في يديه مال عام، وفي حال تورط اي شخص في قضية من القضايا سواء باستغلال منصبه او موقعه او مكانته ويعبث بالمال العام سيحاسب مثله مثل أي شخص في مرفق من مرافق الدولة.
ماهي قصة تواجد احد اعضاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في الخارج؟
هي ظروف شخصية فقط.. ظروف عائلية.. يحتمل انها انتهت وسوف يعود الى عمله.. وان لم يعد فالقانون حدد طريقة ملء الشواغر في حال غياب احد الاعضاء، ولكن العضو متفاعل مع الهيئة وهي ظروف شخصية اجبرته على البقاء كون اسرته لديها جنسية سنغافورية وهو من الاشخاص الوطنيين والعاملين في الدولة، حيث كان عضواً في مجلس النواب.. وانتخب لعضوية الهيئة برضاه، ثم استجدت له ظروف بعد الانتخابات. ونحن في الهيئة نناقش هذا الأمر وهناك كتابات صحفية تتساءل لماذا السكوت على غياب العضو، وعلى الانسان ان يراعي ظروفاً طارئة لأي شخص فليست الحالة الوحيدة او الاولى من نوعها في اليمن.. ان يغيب موظف عن عمله لفترة محددة ثم انه يتواصل معنا كل يوم ويتابع ويشارك في بعض الأعمال.
شفافية وتشهير
تتهمون بحجب المعلومات عن الصحافة.. فكيف يجب ان تكون العلاقة بينكم وبين الصحافة؟
- نحن لدينا خطة وتوجه واضح لان نكون اكثر شفافية على المجتمع والصحافة بشكل خاص.. وحينما تأتي وجهات نظر تتهمنا بعدم الشفافية فربما يريدون دفعنا او جرنا احياناً الى ان نصرح باشياء مخالفة للقانون. فالقانون لايسمح بنشر أية قضية إلا بعد ان يكون فيها حكم نهائي واثناء فترة التحقيق او جمع الاستدلالات لايحق للهيئة النشر واذا نشرت فهي مخالفة للقانون، والنشر في هذه الحالة قد يؤثر على مسار القضية، ثم ان لدينا موقعاً على شبكة الانترنت ننشر فيه تقاريرنا كل ثلاثة أشهر، وبامكان اي شخص الاطلاع عليه، لكن لايمكن ان نشهر بالناس إلا بعد ان تكون القضية محل النشر استكملت اجراءاتها القانونية، وصدر فيها حكم نهائي.
مياه ومجاري الأمانة
ماهي آخر قضية تجرون التحقيق فيها؟
- توجد قضايا كثيرة، والتحقيق جارٍ فيها، ولانستطيع الكشف عنها إلا بعد ان يكون قد صدر فيها حكم لان الفيصل في النهاية هو القضاء. ❊ ما نوعية القضايا من حيث اختصاص الجهة الحكومية المعنية بالقضية؟ - كما اخبرتك هناك قضايا كثيرة موجودة، مثلاً نحقق حالياً في قضية بمياه ومجاري امانة العاصمة، وهناك قضايا تشمل مواضيع مناقصات في بعض الجهات، واسم القضية ليس مشكلة عندنا، لان كل قضية فيها اشخاص وأي تشهير يمس بهم قبل توصل الهيئة لقرار يعتبر اضراراً بالآخرين.
انت تراه تشهيراً.. ونحن في الصحف نراه من صلب مهامنا وضمن رسالة الصحافة لكشف الحقيقة وايضاً لردع الآخرين؟
مصداقية الهيئة
- نحن نحاول ان يكون موضوع التوعية هو الاساس، تفعيل عملية مشاركة المجتمع في مكافحة الفساد، هذا هو الاساس، ولا أعتقد ان التشهير بالآخرين سيكون فيه مصلحة، فالنشر في حد ذاته في قضية لم تكتمل اركانها قد يؤثر سلباً، واحياناً تنتهي القضية بوثائق تؤكد محاولة الجهة الحكومية اصلاح الاختلال وبالتالي النشر هنا يصبح مضراً وتفقد الهيئة مصداقيتها عند الجمهور.. فنحن نريد مشاركة الاعلام والمجتمع مشاركة فعلية في مكافحة الفساد بمصداقية وان يكون حديثنا موثوقاً به وبعد التحري والتدقيق والفحص.
هل هناك قضايا بدأتم التحقيق فيها وتوصلتم الى ادانة المسئولين عنها؟
نعم هناك قضايا كثيرة في طريقها الى القضاء.
كم عددها؟ ومتى نتوقع تقديمها للقضاء؟
هناك قرابة (7) قضايا الى الآن، ونحن في آخر مراحل التحقيق، وستكون أول قضايا فساد تحال للمحكمة من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
كم استغرق التحقيق في هذه القضايا؟ وفي أي الجهات الحكومية وجدتموها؟
- »يبتسم« استمر التحقيق في بعضها حوالى 6 اشهر ولاشك هي مرتبطة بجهات حكومية تعرفنا عليها من خلال البلاغات والشكاوى، واستخدمنا كافة الوسائل بما فيها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وكذا مصادرنا الخاصة.
في حال احيلت هذه القضايا للمحاكم وصدر فيها احكام ونال المتورطون جزاءهم.. هل نستطيع القول حينها انكم استعدتم مبلغاً مالياً معيناً لخزينة الدولة.. كم تقدر المبلغ المستعاد بمليار أو ملايين مثلاً؟
- سيحدد المبلغ بموجب الحكم القضائي الذي سيصدر في هذه القضايا.
تقريباً.. مبلغ تقريبي؟
- لا نستطيع الآن الافصاح عن حجم المبلغ إلا بعد صدور حكم من المحاكم، فالقضاء سلطة مستقلة، وكل ما سنقدمه للقضاء سيتخذ فيه اجراءاته واعطاء المجال للدفاع من الحقوق التي اوجبها القانون واتاحة الفرصة للمتهم بتقديم آخر ما لديه من الدفوع في القضية.
انتظار أحكام القضاء
لكن المؤكد انكم حينما تحيلون القضية للمحكمة تكونون استكملتم اجراءات الاتهام بوضوح؟
هذا مؤكد.. فنحن مع النيابة نسير باتجاه واحد في ايصال القضية للمحكمة وقد استعنا بعدد من اعضاء النيابة للتحقيق في القضايا واستكمال ملفاتها، ومنذ استقررنا في المقر الرئيسي للهيئة نسارع في انجاز القضايا ومتابعة كل الاختلالات في كافة أجهزة الدولة بالتعاون مع كافة الجهات مثل الأموال العامة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ومباحث الأموال العامة، ونواصل المشوار لتحقيق الهدف من انشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
القضايا التي اشرتم اليها لاشك شملت مسئولين كثراً.. فهل بالامكان معرفة مواقعهم القيادية؟ وزراء نواب وزراء وكلاء مديري ادارات مثلاً؟
- في كل المستويات اشتملت على كل المستويات.. وان شاء الله حينما تصدر الاحكام ستطلعون على أشخاص هذه القضايا ونحن أولاً لانرغب بادانة الناس.. نحن نريد حماية المال العام بكل وسيلة ممكنة وبوسائل سهلة مثل الوقاية.
نعود لقطاع الذمة المالية لديكم.. بعد استيفاء اقرارات الذمة من المسئولين المشمولين.. متى تخاطبون المسئول مرة ثانية بشأن اقراره؟ وما هي الاجراءات اللاحقة؟
- القانون حدد بعد مرور سنتين على موعد تقديم اقرار الذمة المالية يأتي الشخص صاحب الاقرار ويعمل تجديداً لاقرار الذمة المالية بتقديم استمارة جديدة وسوف نقوم بالمقارنة بين الاقرار السابق واللاحق ولدينا برنامج آلي مطور جداً فيه من السرية والامانة ما يكفي، ونحن الآن في السنة الأولى بمعنى الشخص الذي قدم اقرار الذمة المالية في 10 / 10 / 2007م، سيقدم في 10 / 10 / 2009م اقراراً جديداً ويضم الاقرارين معاً ويتم اجراء المقارنة بينهما من حيث الزيادة او النقصان، وهذا في حال ان سلوك الشخص جيد ولم تظهر عليه ملاحظات طوال العامين.
ثراء فاحش
وإذا كان عليه ملاحظات؟
إذا حدث شبهات متعلقة بالشخص صاحب الاقرار حول قضايا فساد أو انه أثرى ثراءً فاحشاً خلال هذه الفترة فسيفتح ملفه ويضع الاقرار في قضيته.. ونحن نحرص كل الحرص بعدم اطلاع احد على اقرارات الذمة المالية سوى الهيئة.. فهي بمفردها من يحق لها الاطلاع على اقرارات الذمة المالية، وغيرها لايحق لهم الاطلاع. وهناك عقوبات على افشاء سرية اقرارات الذمة المالية ونحن نحافظ على هذه السرية.. لكن ان يقدم لنا شخص اقراراً بذمته المالية ثم يذهب للعبث في مسرح الفساد ويثرى ثراء فاحشاً ويُـكتشف فسيكون اقرار الذمة المالية أحد الأدلة لتلاعبه.
عندما تجدون اختلافاً ما بين الاقرار السابق واللاحق؟
في حال تقديم الاستمارة الثانية سيتم المقارنة وعند وجود اختلاف في بند من بنود استمارة الاقرار بالزيادة او النقص لابد من التوضيح بتسجيل ملاحظات لتبرير ذلك، والبرنامج الآلي سيكشف هذا الأمر وخلال الفترة الفاصلة بين الاقرارين اذا حاول صاحب الاقرار التلاعب او اخفاء شيء فهناك مصادر ستكشف لنا هذا الجانب.
»المغالطين« بالذمة
هل تشعرون انكم متحكمون بالأمر، وانه لايستطيع أحدهم مغالطتكم بتسجيل ممتلكات باسماء آخرين مثلاً؟
- الحقيقة.. القاعدة القانونية تقول الأصل في الانسان البراءة، حسن النية، وعندما يأتي ما يخالف هذه القاعدة سيفتح لنا باباً للتحري والتأكد، وسيكون صاحب الاقرار هو من فتح الباب لنفسه، لكن نحن نفترض في كل من يقدم اقرار الذمة المالية انه صادق، الى ان يكتشف الكذب، والقانون يحدد عقوبات لمن يقدم اقراراً بالذمة المالية يحتوي مغالطات سوف نتابعه وسنحاول تطبيق هذه العقوبات لردع الآخرين، فعندما نكتشف مغالطات في اقرار الذمة المالية سنطبق العقوبات.
الرئيس والنائب
سؤال لابد من طرحه عليكم.. الرئيس ونائبه.. متى سيسلمان اقرارات الذمة المالية؟
- أخبرتك في البداية أننا بدأنا أولاً بمجلس الوزراء ثم الوزارات (نائب الوزير، الوكيل، مديري العموم) في الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية بكافة تقسيماتها، ثم انتقلنا الى البنوك والمؤسسات المالية، »أي من بأيديهم مال« ثم مجلس القضاء والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة. والى الآن لم تكتمل هذه الجهات ونحن ملزمون بمواعيد محددة لكل فئة، وانتقلنا الى السلطة المحلية حيث نقلت لها صلاحيات كبيرة ولديها مال عام، فنحن يهمنا بالدرجة الاولى الجهات التي تمارس مهاماً فيها مال عام. لكن مجلسي النواب والشورى والقيادات العليا الرئيس والنائب نحن الى الآن لم نقدم كشوفات لهم حقيقة.. فالتقصير ليس منهم ولكن منا، لأننا لم ننته بعد من الوزارات والجهات التي تتعامل بالمال يومياً »مناقصات، مزايدات، مخازن حكومية، توريدات« وعموماً سوف نصل لجميع الجهات والقانون لم يستثن أحداً.
مماطلون ومتعاونون
أكثر الوزارات تعاوناً معكم؟
- أولاً وزارة الدفاع.. وهناك وزارات أخرى لكن وزارة الدفاع تتصدر المركز الأول وهي مناسبة لنشكر عبركم وزير الدفاع الذي يتابع بنفسه اقرارات الذمة المالية وفي ظل ظروف خاصة.
أكثر الوزارات مماطلة لكم؟
- »يبتسم« سأخبرك في لقاء قادم لايزال لدينا موعد معهم، وأعدك بالافصاح عنها في لقاء قادم.. وقد أعذر من أنذر
- .
* عن صحيفة الميثاق