عبدان دهيس -
كنت في الاسبوع الماضي، قد تناولت في هذه المساحة، خطاب الحوار بين حزب المؤتمر الحاكم واحزاب المشترك - المعارض، في ضوء دعوة المؤتمر للمشترك للجلوس على طاولة الحوار التي قابلتها قياداته بموقف متعنت وغير مسؤول، وافتعال ضجة اعلامية غير مسبوقة - كتلك التي مارستها اثناء الاستعدادات والتحضير للانتخابات الرئاسية والمحلية - سبتمبر 2006م،
اتسمت بحدة وسخونة خطابها وتصعيد لهجة الخصومة فيه، لتأزيم الساحة السياسية وتسميم اجواء العمل السياسي الديمقراطي السلمي، وسد ابواب التقارب بين الفرقاء، في محاولة بائسة منها لابتزاز (صاحب دعوة الحوار) للحصول على تنازلات غير مشروعة تضمن لها (موطئ قدم) في السلطة، وليس يهمها ان كانت هذه التنازلات تتم على حساب القضايا الوطنية المصيرية والتجربة الديمقراطية، ومبدأ التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع لانها ترى في مصالحها.. ما هو اهم من ذلك وهو الوصول الى كرسي الحكم عبر اقصر الطرق ومن دون تضحية، وهي (معرصة سياسية) مشتركاتية.. من الطراز المميز الا انها اصبحت معروفة لعامة الناس لا تألوا قيادة ا لمشترك على سلوكها مع قدوم اي استحقاقات وطنية، تشعر انها في حال مشاركتها فيها لن تجني الا الخسارة المعتادة والنكوص المحتوم وفقدان الشعبية بالمزيد..!!
لقد وعدنا في موضوعنا السابق - الاسبوع الماضي - بان لنا عودة في ذات الموضوع، لكي نستقرئ بتمعن اكثر وبشفافية (موقف المشترك) من تعديل قانون الانتخابات وهو الموقف الذي لم يستقر على رأي واضح حتى الان وماذا يريد المشترك بالضبط.. خاصة وانه لم يوجد البدائل فيما يذهب اليه في اطروحاته تجاه القضايا التي يتعمد ان تكون مثار خلاف مع حزب المؤتمر الحاكم..؟!!
ولعلكم سمعتم او قرأتم، اخر (فبركات) المشترك.. بما اسماه (اللقاء الوطني التشاوري) عندما بدأ مجلس النواب مناقشة مشروع قانون الانتخابات الاسبوع الماضي، فمرة يطالب بالحوار، ولما يتقرر الحوار يتلكأ في الاستجابة لدعوات الجلوس على طاولة الحوار ويذهب الى اختلاق المبررات والذرائع، ويكيل البيانات تلو البيانات لافشال هذا المسعى الوطني المحسوب للمؤتمر دون منازع، ونفس الحال بشأن اعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات، فعندما استجاب المؤتمر لذلك وتقدم بمشروع تعديل قانون الانتخابات الى مجلس النواب في ضوء ما تم الاتفاق عليه قبيل انتخابات سبتمبر 2006م بارجاء هذا الموضوع الى ما بعد الانتخابات المذكورة فلما حان وقته الان استعداداً للانتخابات البرلمانية القادمة - ابريل 2009م - حتى لا يتذرع المشترك مرة اخرى بشماعة اعادة تشكيل اللجنة الا اننا نراه يمارس نفس الموقف المتعنت الذي جبل عليه.. كذلك الذي «لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب» وليس بمستبعد ان نسمع منه نفس الموقف ايضاً عندما سيأتي موعد تصحيح وتنقية سجل الناخبين وتجاه القضايا الاخرى المتفق عليها والمطروحة للحوار.. والمستغرب ان المشترك هو الذي يطالب بذلك..؟!!
هذه هي حقائق مواقف المشترك، فقد زاد الماء على الطحين.. فماذا يريد، والى ماذا يرمي..؟!! وفي اي طريق يريد ان تسير البلاد..؟!!
اذا اراد المشترك ان يصل الى السلطة وهذه هي امنيته التي تبدو عليه بعيدة فامامه صندوق الاقتراع المجسد لمبدأ التداول السلمي ولانه يشعر بالخسارة المسبقة فقد بدأ يصرح مبكراً بمقاطعة الانتخابات فكيف اذن سيصل اليها..؟!! انه يريد تحقيق هذا الهدف عبر الابتزاز السياسي، وهذه اللعبة غدت مكشوفة!!
واذا اراد تغيير نظام وشكل الحكم وتغيير سياسة الدولة والحكومة حيث يدعي انهم جميعاً فاسدون.. فعليه ان يقوم بتنفيذ هذه التوجهات التي لديه ولا توجد الا في مخيلته.. من خلال حصوله على الاغلبية المريحة في البرلمان وهذا يتم من خلال الانتخابات، واقتناع جمهور الناخبين بسياساته وبرنامجه الانتخابي وفي هذه الحالة عليه اذا ان يشارك ويجرب ويدخل المنافسة لان المقاطعة في قاموس لعبة الاحزاب تعني انه يهرب الى الخلف ويخذل قواعده في ساحة المنافسة الانتخابية والسياسية بعد ان يكون بسبب قرار المقاطعة قد اطلق على نفسه رصاصة الرحمة وفقد بذلك ثقة الناخبين ممن كانوا يعولون عليه في حال ان حالفه الحظ وفاز ووصل الى سدة الحكم رغم ان ذلك بمستحيل وبعيد المنال عليه، خاصة وان الانتخابات تعني اصوات الناخبين وهذه القاعدة يفتقد لها المشترك، من كثرة التهديدات التي يطلقها بمقاطعة الانتخابات وتذبذب مواقفه، وهذا ما ينعكس ايضاً في الاصوات المتدنية التي حصل عليها في الانتخابات التي جرت منذ قيام الوحدة المباركة وكان مشاركاً فيها..!!
لقد انتهج المشترك منذ الفترة التي اعقبت انتخابات سبتمبر 2006م سياسة المماحكات والمزايدات باسم الوطنية فنراه مثلاً وبالذات الاشتراكي قد اتجه الى الدفع بالامور الى حد التأزيم في المحافظات الجنوبية وحاول ان يطوع الشارع ويستميل عواطف البسطاء وكسبهم الى صفه، وعزف المشترك ايضاً على وتر فتنة صعدة، واللعب على اوراقها والهدف من وراء ذلك.. هو اشغال الحزب الحاكم والهائه عن اداء واجباته ومهامه الوطنية، التي يتضمنها برنامجه الانتخابي وبالتالي يدفعه الى تأجيل الانتخابات وعندها سيسارع المشترك وسيجدها فرصته السانحة التي لا تتكرر وفق مخططه الذي وعد جمهور الناخبين والذين منحوه ثقتهم ولما لم يتحقق له ذلك انحسرت وفشلت مهزلة الجنوب واوشك ابطال الموسسة الدفاعية والامنية وبتعاون المواطنين ورجال القبائل الشرفاء للقضاء على الجماعات المتمردة على النظام والقانون بصعدة عندها لم يكن امام قيادته الا التهديد بمقاطعة الانتخابات، وهذا ما تجلى كبداية في مقاطعة جلسات مجلس النواب حينما بدأ الاسبوع الماضي بمناقشة مشروع التعديلات على القانون.. واذا نفذ المشترك افتراضاً هذا الموقف فان ذلك بالفعل يعني انه قد اطلق رصاصة الرحمة بنفسه على نفسه.. وبهذا سيخسر.. كما ذكرت في البداية ثقة جمهور ناخبيه بل وثقة واحترام اعضائه.. لان المقاطعة من سمات المأزومين والمهزومين، والمواطن الناخب وغير الناخب لا يقبل بالطبع ان يقوده حزب او احزاب مأزومه او مهزومة.. نفسياً وذاتياً وجماهيرياً.
اذا كان المشترك سيظل على هذا الحال في انتهاج سياسة المقاطعة، وتعكير اجواء الملعب السياسي، فانه يسيء الى نفسه قبل ان يسيء الى التجربة الديمقراطية وان كانت تعطيه الحق في ذلك، وما زلنا نتذكر حالة التململ التي اصابت اعضاء وقواعد الاشتراكي عندما قاطع انتخابات 1997م البرلمانية منفرداً قبل ان ينضم الى أحزاب اللقاء المشترك، وكيف ندم على هذا الموقف المتسرع الذي جنى تبعاته لوحده، واليوم يتكرر نفس الموقف من قبل المشترك جمعا الذي يدفع به الاصلاح والاشتراكي معا كاكبر حزبين في المعارضة اذ ستحل المأساة ثانية بالاشتراكي ومعه بقية الاحزاب الصغيرة في المشترك والوحيد الذي سيستفيد من المقاطعة هو حزب الاصلاح لانه في الأصل لا يؤمن بديمقراطية الانتخابات، ويعتبرها من بدع العصر المرفوضة، ويرى البديل عنها مبدأ الشورى والاجماع على الحكم بالمبايعة، واذا كان هناك من نصيحة لجماعة المشترك فاننا نلفت انتباههم بانه توجد هناك مؤسسات ومراكز لتعليم الاحزاب فنون المعارضة وبالمجان وهذا يتم عبر شبكة الانترنت لان العصر في تقدم ونحن نعصد في المقاطعة والمشاركة.. فليس عيباً ان يتعلم قادة المشترك فن المعارضة ليبعدوا الشبهات ويؤكدون انهم معارضة وطنية خالصة.. اعتقد ان هذا هو الحل السليم والمعقول بعد ان زاد الماء على الطحين.. «وما يفهم رطني الا ولد بطني»..؟!!