السبت, 21-يونيو-2008
د. عبدالعزيز محمد الحضراني # -
هناك ملاحظة مهمة هي أن كل نقد لا يقدم حلا آخر مغاير هو نقد عاجز وبلا قيمة، ويعتبر رفضاً لمجرد الرفض، بل إننا أصبحنا أمام حالة غريبة وعجيبة بل ومرضية انتشرت وأصبحت أمراً ثابتاً موجزها: أن المؤسسة الرسمية صارت هي التي تبادر وتطرح الرؤى والخطط وتجرب الحلول بينما الآخرون

وبالذات المعارضة ليسوا سوى«ذوّاقه» يقولون إن هذا زائد الملح أو ان ذلك لا يناسب المعدة.
ذلك ما تقوم به المؤسسات الرسمية في بلادنا وتلك وظيفتها عليها ان تقوم بما هو أكثر، ولكن التفاعل المجتمعي الصحيح يجب أن يكون على درجة عالية من النضج الواعي المسؤول والصادق، بحيث يؤدي الى نتائج ايجابية من خلال الأخذ والرد، وليس من خلال حوار الطرشان حيث كل فريق لا يريد أن يسمع إلا نفسه، كما أن من الضروري ان تتخلى اطراف عن المصالح الضيقة سواء كانت محكومة باعتبارات ايديولوجية أو غيرها.
أحزاب اللقاء المشترك والأحاديث التي تتبادلها حول الإصلاح السياسي تدور حولها الكثير من علامات الاستفهام والتعجب، فكما أتذكر أنه في منتصف التسعينات كانت بعض تلك الأحزاب وعلى رأسها الحزب الاشتراكي تطالب وتصر على الحكم المحلي وضرورة انتخاب المسؤولين التنفيذيين مباشرة من المحافظات، وسمعت وانا شاهد على ذلك أن الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أثناء أحد الاجتماعات التنظيمية في ذلك الوقت قال ما نصه:
إن الحكم المحلي هو هدفنا وان تحفظنا في الوقت الراهن هو أننا نحتاج الى المزيد من الوقت حتى يصبح المواطن اكثر وعياً وإدراكاً لأهمية الحكم المحلي بحيث يفرز المجتمع العناصر القادرة والمقتدرة لإدارة الشؤون العامة داخل المحافظات والمديريات، وحينما اطلق الرئيس مبادرة الإصلاحات السياسية المتضمنة للكثير مما كانت تطالب به أحزاب المعارضة قبل عدة سنوات والتي تضمنت حزمة من الإصلاحات الدستورية فيها الحكم المحلي، ووضعت القيادة هذه المبادرة على جميع القوى السياسية الحزبية ومنظمات المجتمع المدني في الساحة الوطنية، لتتم مناقشتها وإثراؤها وإقرارها كاملة أو رفضها او تعديلها، لكن الملفت للنظر هنا ان احزاب المعارضة رفضتها جملة وتفصيلاً، فهل تذوقتها ووجدتها مالحة ولا تناسب المعدة، بعد أن كانت شهية المذاق وسهلة الهضم في الماضي فسبحان مغير الاحوال، إنه رفض لمجرد الرفض.
إن أحاديث تلك الاحزاب المطالبة بالاصلاح العام لا ترتبط بعمليات إصلاح لها الأولوية عند المواطن، لذلك فإن الرأي العام لا يبدي اهتماماً بما تقوله تلك الدعوة مما يعني ان خطاب تلك الاحزاب لم يقترب من مصالح الشعب، وفضلاً عن هذا فإن تلك الاحزاب لم تقترب من أمور خطيرة تهدد الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي،مثل تجاهلها وأحياناً كثيرة تبريرها للأعمال الارهابية التي تقوم بها الجماعات المتطرفة، او القوى الراغبة في تغيير المجتمع عن طريق الهدم.
إن المشكلة التي تواجه المجتمع السياسي، لا تزال تراوح مكانها من وجهة نظري وهي في الاساس تتعلق بموقع القوى السياسية المختلفة التي ترشح نفسها للقيام بدور في تطوير الواقع السياسي اليمني وتحويله بسلام الى نظام ديمقراطي يعتاد تداول السلطة بطريقة سلمية ويحتكم الى صندوق الانتخابات لاختيار المسؤولين عن إدارة شؤونه على مختلف المستويات.
واما سبب وجود تلك المشكلة اصلاً فهو يعود الى طريقة الدخول في مضمار التحول من نظام شمولي الى نظام ديمقراطي تعددي بمبادرة من القيادة السياسية التي طرحت الفكرة ونفذتها منذ منتصف الثمانينات حتى الآن والثابت تاريخياً ان كافة التعديلات والاصلاحات التي حدثت على النظام السياسي منذ ذلك الوقت، اقترحتها ونفذتها القيادة السياسية بدءاً من قيام المنابر والاحزاب بالانتخابات البرلمانية والمحلية واخيراً انتخاب المحافظين.
ان السلطة السياسية لا تزال هي المعبر عن الحاجة الى تطوير النظام وهي تعرض افكارها ورؤاها وتستقبل ردود الفعل، ولكن القوى السياسية الأخرى وخاصة أحزاب اللقاء المشترك تقع في مشكلة انها تقاوم وتعارض ما تطرحه وتفكر فيه السلطة السياسية الحاكمة وتعتبره دائماً تكريساً لوجودها وابعاداً للمعارضة عن طريق السلطة، وبالتالي فهي أي تلك القوى الحزبية ومن في حكمها تقلل دائماً من شأن الاصلاحات السياسية والدستورية.
ان تمترس تلك الاحزاب وراء مواقفها تلك ادى الى غياب الرأي العام المستنير الذي يحسب حسبة الاصلاح مع الأمن ومع العلاقات المحلية والاقليمية والدولية بصورة مقبولة، واذا كان الحزب الحاكم يتطور فما بال تلك الاحزاب تكتفي بمقعد الرافض للمناقشة الجادة لفرز ما فيه مصلحة حقيقية للناس والوطن، بصرف النظر عن تأثيره في سرعة التغيير الذي تأمله المعارضة وهي ليست مؤهلة له بعد.
إن هذه الهروبية من البداية هي تعبير حقيقي من تلك القوى والاحزاب على أن هدافها وخططها عاجزة، وان افكارها مرفوضة من المجتمع وان خدماتها يمكن الاستغناء عنها، وبالتالي فقد اختارت رفع راية الاحتقان والدعوة الى الفوضى.
ان هجوم ذلك الفريق على الاصلاحات السياسية فيه نفس الغباء السياسي لدفاعهم عن ميليشيات الحوثي والارهاب كما ان هجومهم على أية اصلاحات فيه أعلى درجات الارتباك والانتهازية ولا يستند الى منطق او عقلانية، وهم لا يدافعون الا عن كلما يحقق لهم مصالحهم الذاتية واطماعهم الشخصية حتى لو كان ذلك ضد المصلحة العامة ويجلب الخراب والدمار على الامة اليمنية.
ان الارادة الوطنية الصلبة التي ثبتت في عراك شرس وترسخت بخبرات عظيمة ترفض ايضاً الرضوخ الى الصياح والضجيج ولاتقبل استرضاء من خلال اختراق القانون او تجاوزه.

# سياسي - اقتصادي - برلماني سابق

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-7262.htm