د. عبد الوهاب الروحاني -
المسافة بيننا وبين موعد الإستحقاق الإنتخابي العام أصبحت قصيرة جداً ، بينما اللجنة العليا للإنتخابات لاتزال تعيش فراغاً قانونياً منذ مايقارب العام، وهي المرة الأولى التي تتعطل فيها لجنة الإنتخابات من هيئتها العليا منذ تشكيلها لأول مرة عام 1992م. وتعطيل اللجنة العليا للإنتخابات يعني إحداث شللٍ تامٍ في أحد أهم المؤسسات الديمقراطية في البلاد ، ويعني تجميد مهام دستورية و قانونية لا يجب أن تتجمد ، خاصة إذا ما أدركنا ان هذه المهام ليست مرتبطة بقضايا وأهواء حزبية او شخصية ، و إنما هي مرتبطة بقضايا وطنية ، واستحقاقات عامة ، الى جانب الى أننا نفترض في اللجنة العليا للإنتخابات أنها مؤسسة حيوية يرتبط تطورها بمدى إستمرار تواصلها مع منظمات دولية تعني بتطوير النظم و الأجهزة الأنتخابية .. ومن هنا نعتقد بأن الجدل الدائر حول تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات و تعديلات قانون الإنتخابات العامة قد بلغ مداة ، ولم يعد الوقت مواتياً لإطلاق العنان لمزيد من المواقف والتصريحات النارية المتبادلة بين المؤتمر وأحزاب اللقاء المشترك ، ذلك لأن الإيغال في هذا المجال بالنظر الى عدم جدواه ، و الى ضيق الوقت لموعد إجراء الإنتخابات العامة في ابريل 2009م أصبح ضرباً من العبث ، و أصبح الهدف منه ليس تامين مسار العمليات الإنتخابية الآتية ، وإنما تلغيمها ، و تعطيل الحراك الديقراطي ، وهو عمل لايخدم منهج المشاركة ، و ترسيخ قيم التداول السلمي للسلطة . نحن ندرك بأن المخاوف كبيرة لدى قادة المشترك مما يسمونة بـ"محاولة السيطرة و الإستحواذ على اللجنة ، و إنزال قانون إنتخابي مفصل و إنتقائي .. و بدون توافق وطني ...إلخ " لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: - إذا كانت كل هذه المخاوف هي سبب هذه الضجة ، و مقاطعة كتل المعارضة في مجلس النواب ، و المضي في تبادل الإتهامات .. فلماذا لاتلتقي الأطراف جميعها و تتجاور ؟! و لماذا لاتستمع لبعضها ؟ّ! مع أن إستماع طرف لطرف آخر ، لايعني القبول بما يقول بقدر ما يعني تفهم مايقول . ونعتقد بأن تفهم الأطراف لبعضها – إذا مابدأ التحاور فعلاً – سيقود حتماً الى التوافق ، ليس بالضرورة في كل التفاصيل ، وإنما بما يخدم الحفاظ على مؤسسات الوطن الدستورية ، في إطار شراكة سياسية وطنية تقوم على الإحترام المتبادل .. فالأصل في التعددية الحزبية والسياسية في أي بلد يعتمد الديمقراطية نظاماً ومنهجاً ، ليست فقط الإختلاف في الآراء و التباين في الإتجاهات ، و إنما هي حوار يقوم على الإعتراف بوجود الآخر أولاً. ولعل المتابع لحال العلاقة بين أطراف العملية السياسية في البلاد ( سلطة و معارضة ) يجد - وللأسف- أن التقاطع و التمترس هو السمة السائدة على هذه العلاقة ، و يبدو أن مفهوم " إن لم تكن معي فأنت ضدي" قد دفع بالبعض الى التخندق و الإستعداد لخوض معارك " دنكشوتية " لا طائل منها ، وقد لاحظنا خلال الفترة المنصرمة ، و بالتحديد منذ الإنتخابات الرئاسية و المحلية الأخيرة 2006م أن حرباً كلامية عصفت بالأخضر و اليابس، وكادت تنسف بكل جسور التواصل بين فرقاء العملية السياسة ، وربما زرعت بذور الحقد و الكراهية التي ترفضها قيم و أخلاق المجتمع ، وترفضها أيضاً قيم التعددية السياسة و الحزبية نفسها . ولاشك بأن هذا المنهج الخاطئ في التعامل مع مفردات العملية السياسة قد عمق ثقافة المناكفات و الفعل ورد الفعل ، الامر الذي أدى الى : • عدم القبول بالمشاركة في اللقاءات التشاورية التي تستهدف مناقشة القضايا السياسية و الإقتصادية العامة في البلاد. • رفض المبادرات السياسية التي تتبناها أطراف في العملية السياسية خارج " اللقاء المشترك " • رفض الحوار حول مبادرة الإصلاحات الدستورية التي أعلنها فخامة الأخ الرئيس في أواخر سبتمبر 2004م . • رفض تعديلات قانون السلطة المحلية في أبريل 2008م. • رفض المشاركة في إنتخابات المحافظين التي جرت في مايو الماضي و مقاطعتها رغم أن توسيع صلاحيات السلطة المحلية و إنتخابات المحافظين هي أحد أهم مطالب المعارضة. • و الآن يجري رفض التداول و النقاش حول تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات و تعديلات قانون الإنتخابات العامة. ومن هنا ، وبعيداً عن التعصب و توزيع الإتهامات من حق الجميع أن يتساءل عن جدوى هذا التخندق ؟! و الى ما يمكن أن يُفضي اليه ؟! وبالنتيجة يمكننا القول أن هذا الجو المشحون بالتوترات وإنشداد الأعصاب ليس من شأنه إلاَّ أن " يزيد الطين بلة" ولن يثمر فعلاً إلاًّ المزيد من الخلافات ، و المزيد من التجاذبات السياسية التي خلقت جواً من الخضومة المبالغ فيها ، وأوجدت مواقف جدية متشنجة لم تسئ فقط للعملية الديمقراطية ، وتشوة مسارها ، و إنما – ربما – لو استمرت لدفعت بها للتراجع خطوات الى الوراء .. وهو مالا يمكن أن يقبل به أحد ، لأن ذلك يتصادم بالضرورة مع أسس و مبادئ نظام دولة الوحدة الذي إرتبط قيامها إرتباطاً جذرياً ومباشراً بالديمقراطية ، و حرية الرأي ، ولكن الديمقراطية المسئولة، وحرية الرأي التي تحمل مشاعل التنوير ، وليس معاول الهدم و الإساءة . وإذن ، ما العمل ؟ّ! أعتقد أن خيارات الحوار لاتزال قائمة، و يجب أن تظل مفتوحة.. لأننا بالحوار والتوافق أقمنا الوحدة أعظم مشروع في حياة اليمن المعاصرة ، و بالحوار والتوافق تجاوزت البلاد عواصف وأزمات كبيرة وكثيرة.. فالحوار يجب أن يكون هو المبتدأ والخبر في حياتنا السياسية ، ولعل خيارات تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات على كثرتها تسمح بالتوافق . فهناك القضاء : والقضاء هذه الأيام يعيش – برأيي- أفضل أيام نزاهته ، وإذا ذهبنا بعيداً و شككنا في نزاهة تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات من القضاة، ورفضنا منطق التوافق بالمحاصصة وفقاً لتمثيل الأحزاب في مجلس النواب ، فلن يبقى أمامنا سوى الدعوه لتشكيل اللجنة إما من أمناء عموم الأحزاب ، لأنهم - بمنطق الرفض لكل شئ- سيكونون الأكثر أمناً و أماناً، و إما من منظمات المجتمع المدني التي أثبتت الممارسة إستقلاليتها وعدم حياديتها لأطراف اللعبة المتخاصمين.