أروى عثمان -
كثر في الآونة الأخيرة ترصد المواطنات والمواطنين من أبناء اليمن، في حياتهم، وأمور معيشتهم، خصوصاً في مدن البحر، عدن والحديدة، لتمتد إلى قلب العاصمة صنعاء، وتعز ومنها إلى المدن الأخرى بزعم «أن الفاحشة والمنكرات، تأتي من البحر»، والترويج، لشرعنة ما تقوم به جماعات «الفضيلة و التصدي للمنكر» ومسميات أخرى ليبدؤوا بحملاتهم التفتيشية تحت الأسرّة، والوسائد، وقبلها في عقولنا وقلوبنا، ونبضات أوردتنا.
ولا أدري ما هي المعايير التي استندوا إليها في الحكم: «أن الفاحشة تأتي من البحر»، لماذا، مثلاً، لا تأتي من الصحراء، حتى لو كانت مهبط الديانات السماوية، وموطن الكعبة المشرفة والمدينة المنورة. ثم أي حق يستندون إليه ليبدؤوا بحملات التفتيش والتقتيل اليومي الفاضح الذي نسمع دويه في مدن البحر الحديدة، وعدن، وكل المدن الأخرى، بل ووصل، نبشهم «برخثتهم» المخلبية إلى أقاصي الريف اليمني، والى حر / سَفل **جدتي آمنة، ليحصوا أنفاس الحيوانات والدواب ونوعية الحشيش الذي تأكله، ونوعية المسقى الذين تشرب منه، وعلى أي جنب تنام، وفي أي شق تختبئ، ومخارج أصوات ثغائها، وأيهما أكثر عورة: بعاااااع، أم ماااااااااااء؟!
التفتيش في سجلات دعاة الفضيلة، سجل فاضح بكل ما تعنيه الكلمة، هكذا تحدثت الصحف و المواقع الإلكترونية.
اليمن أرضاً وإنساناً هي اليوم تصنع تاريخاً جديداً قديماً، وحروب طاحنة حتى في المدارس، والوزارت، وأماكن العمل، والمؤسسات، كل البلاد تنتفض جوعاً وعطشاً، وخوفاً من المستقبل «الفضيل» الذي تنتهي إليه اليمن، «بالنحنحة » الهستيرية، بواسطة هذه الجماعات التي لها طرف وضلع في كل ما يحدث في البلاد من انفلات ودمار حقيقي، من المسجد إلى المدرسة، إلى لقمتنا وهوائنا، وغرف نومنا.
لا تلصقوا دمار ما خلفتموه من دمار اقتصادي، سياسي اجتماعي، ثقافي، نفسي وتهتك للقيم الإنسانية، من أن سببه انهيار الأخلاق والإتيان بالفواحش، ولأننا ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسوله، هذا الصولجان القاتل أثبتت تواريخ الشعوب كافة انه مفلس، ويفضي إلى مزيد من الدم، والذي سنصبه نحن وأولادنا، نقتل في بعضنا، ونتجسس على بعضنا، ونأكل لحم بعضنا أحياء وامواتاً، لأجل تسويق وهم الفضيلة - المقصلة.
لا تستغلوا أمية وجهل المواطنون ليرددوا كالقطيع، ما يفرزه الإعلام والمساجد، والمدارس، والشارع. فالفاحشة تأتي من الفقر، والفقر هو من يأتي بالفاحشة، الجوع ، الجهل والأمية والتوحش والجريمة، حتى لو استطالت بنيان الجامعات والمعاهد ( علمانية أو دينية)، واستطالت وتوسعت وارتفعت المآذن المزخرفة، حتى لو كان معنا مليون مسجد «الصالح» داخل حارة واحدة، وحتى لو كان معنا مليون كعبة في مكة وغيرها.
الفاحشة، هي ما يمارس في طول البلاد وعرضه من النهب والفساد، وفساد القائمين على المسجد والمدرسة.
الفاحشة تأتي من التهام المتنفسات والحدائق، من الجولات، وجموع الجائعين من مختلف الأعمار، والأجناس من يمسحون السيارات في الجولات، ويشحتون، ويبيعون الهواء، ويبيعون أجسادهم العارية.
الفاحشة لا تأتي من البحر ياجني! وياعلماء الفضيلة والنهي عن المنكر!
المنكر والفاحشة هو عدم وجود المسرح، والسينما، والغناء والرقص، والمهجل، وكرنفالات الفرح في الحدائق والشوارع.
المنكر والفاحشة أن تحولوا حياتنا البائسة فقراً وجوعاً وأمية إلى عورات كل عورة أكبر من أختها، وكل خطيئة أخطر وأفتك من الأخرى، وبدلاً من أن نخرج من قماقمنا نجلس داخل قماقم العورات المتضخمة السادية المتوحشة. وأنا أقرأ وأتابع حملات التفتيش داخل الأجساد والأوردة، وضربات القلب، من قبل حراس وعسس الأوردة والمسامات والخلايا، خصوصاً الأنثوية.
كانت الحملات على أشدها من قبل عام والحملة الأشرس في مدينتي عدن والحديدة، فيقولون بأن البحر يأتي بالمفاسد والرذائل، ولذا شاطوا النساء لاقتيادهن وقذفهن في غياهب السجون، ويجب أن يبرزن عقود الزوجية، وأن يُعرف بعض المعارف بأن الذي تمشي معه من المحارم، لقطوا كثيراً من الفتيات والشباب من المتنفسات الطبيعية ، وقالوا إنهم كانوا يقومون بعمل فاضح. ولم ندر منذ متى كان البحر فاضحاً، وهو يكتم كل الانتهاكات ضده، يصبر على تقطيع أوصاله من قبل تلك الجماعات اللصوصية، ينتهك باسماكه وبميائه، بشعبه المرجانية، بكل كائناته وتفاصيله! منذ متى كان البحر يجلب الفضائح، وانتم تلتهمونه في وضح النهار أمام الله والناس، اجرتموه، وامتصصتم كل ما منحه الله من ثرواته، حتى أصبحنا بلا بحر، سوى بحر الدمار والخراب، فمن هو الجالب للفضائح يا جني؟
ألا يكفيك أيها الجني وآباء الفضيلة القادمة من بطون الخراب أن ماء البحر لا يلمس أجساد النساء، وأنه لو نزلت بناتنا ونسائنا البحر ينزلن بترسانة الفضيلة من الشرشف والنقاب، وأكياس اليد (جوانتي أسود) وأكياس خرسانية للعقل والروح، لتشوى أجسادهن بالحر والملوحة، وقبلها الشواء الحقيقي فضيلتكم، فماذا يريدون بعد؟!.
قيل إن الشيخ داؤد الجني و ميلشياته، هو من يتزعم الفتك بحوريات البحار حتى لوكن منقبات، وأنه الراصد لحركة مد وجزر البحر، يفتش في بطون الأسماك عن المنكرات والرذائل، وهم الآن يغوصون في بحار عدن والحديدة، ليضعوا مراسيم وصكوك عدم اختلاط، ما تبقى من الأسماك الخائفة، المذعورة ذكوراً وإناثاً.. حتى الجمبري يقشعون بيوضه في إقامته الجبرية، وأبو مقص، والشُعب المرجانية، والشروخ، شرخوها، ودمروها بالديناميت لاختلاطها ببعضهم بلا حياء ولا حجاب، بل لقد قبض على «مرجان ومرجانة » وهما يتجولان في أعماق البحر، ابرزا كروت العشق والمحبة. ولأنهم كذلك قضي عليهم، وأكثر من قضي عليه «مرجانة» لأنها هي أداة الفسق والفجور، وهي التي أغرت «مرجان» بالتجوال.
ثقافة البشرية الأولى يا جني تعرف أن الجن كانوا رفاق الإنس، وكيف كان البحر مكاناً للتآلف بين الكائنات والحوريات.عرف آباؤنا وأجدادنا آلاف الحكايات والخرافات التي من شدة تداولها صُدقت، وأصبحت كأنها حكايات واقعية، عن البحر، وأساطير البحر تشيء بالونس والارتباط الروحي بين الإنس والجن، وكيف سجلت أدبيات العشق الملتهبة بين الجنيات والبحارة الأنس،وحوريات البحر، وعن الصداقات والعهود والوفاء بين تلك الكائنات! وكيف كانت الأغاني والموسيقى والرقص والشعر بين هذه الكائنات أداة التآلف والمحبة.
فكيف يقول الجني بعكس ذلك، وهل هو من الجن الأشرار، عندما قال إن البحر يأتي بالفاحشة. ارجع إلى ذاكرة والدك وجدك،ياجني، سيقو لك من هو البحر، وكيف صاغ التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وهم في بلاد «الغدرة « جميعهم مروا من البحر..
ثقافة البحر ليست الجحيم، كما أنه ليس بالشيطان، البحر يأتي بالتنوع والاختلاف، البحر يأتي بالتسامح والتعايش، والمحبة، والجمال.. البحر هو الآخر، هو التثاقف، هو السلم والسلام، هو الخفة والانتعاش، بمعنى هو الحياة.
سيأتي الدنس، سيأتي العدم عندما لا يكون هناك بحر، عندما لا يكون هناك حورية ..
فكيف تشوفووووووووو؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هواش:
* داود الجني : أحد ابرز قادة هيئة الفضيلة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في مدينة الحديدة الواقعة على شاطئ البحر الأحمر.
**حر / سَفل: مكان لمعيشة الحيوانات، ويكون عادة في الدور الأول من المنزل.
*نقلاًعن صحيفة14 أكتوبر