الخميس, 21-أغسطس-2008
الميثاق نت -                     احمد الحبيشي -




حول قضية توسيع فرص مشاركة المرأة في الحياة العامة للمجتمع المدني ، شهدت الساحة السياسية في الآونة الأخيرة جدلاً واسعاً بشأن تفعيل دورها ومساهمتها في الإنتخابات البرلمانية القادمة ، وبما يُسهم في زيادة عدد النساء المرشحات لنيل عضوية البرلمان .
بوسع كل من يطالع المناقشات والكتابات التي نُشرت في صحافتنا حول هذه القضية الحيوية، أن يلاحظ قلقاً واضحاً لدى النساء الناشطات في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية للمرأة ، وهو قلق يصدر عن مواقف متضاربة وموزعة بين الإعتزاز بما حققته المرأة اليمنية من مكاسب تستوجب حمايتها وتعظيمها من جهة ، وبين الخوف على مصير حقوق المرأة بسبب تفشي النظرة الدونية للمرأة من قبل رجال الدين وأحزاب المعارضة على وجه الخصوص من جهة أخرى .. والمثير للدهشة أن تتزامن التحضيرات الواسعة لمرحلة تسجيل المرشحين الذين سيتنافسون على مقاعد البرلمان المنتظر ، مع تزايد إهتمام الحركة النسوية بتعظيم حضور المرأة في السلطة التشريعية !! .
ربما يكون من حق الناشطات في الحركة النسوية تحميل المجتمع الخاضع لسلطة الثقافة الذكورية مسؤولية النظرة الدونية الإقصائية التي تهدد حقوق المرأة ، وتُسوَّغ لبعض رجال الدين الكهنوتيين وبعض النخب السياسية القديمة ممارسة التدليس والتلبيس والإفراط في الدعوة الى مصادرة هذه الحقوق .. بيد أن الواجب يقتضي تبصير المرأة بطبيعة آليات الكبح التي تهدد حقوقها وتصادر قضيتها ، بعيداً عن العموميات التي تتهم المجتمع بكافة قواه الحية والمتكلسة على حد سواء بالتمييز ضد المرأة ، وتُخلي في الوقت نفسه ساحة النخب العاجزة التي ترفع شعارات شعبوية عن العدالة والديمقراطية والمساواة والحداثة والتنمية، بينما تتعامل مع قضية المرأة على صعيد الممارسة بعقلية بطريركية ذكورية لا تخلو من مثالب الظلم والإستبداد والرجعية !!
على هذا الطريق بادرت منظمات المجتمع المدني المهتمة بتنمية الديمقراطية في بلادنا، الى تنفيذ عدد من برامج الدعم والمساندة للنساء الراغبات في خوض المباراة الإنتخابية القادمة، وبالقابل تواصل قوى الظلام خوض معاركها المسعورة ضد الحقوق المدنية والسياسية والانسانية للمرأة بهدف إعادة عجلة التاريخ الى الوراء وتجويف كل الانجازات والتحولات التقدمية التي تحققت منذ قيام الثورة اليمنية في بداية الستينات ، وترسخت جذورها بعد بزوغ شمس الوحدة والديمقراطية في مطلع تسعينيات القرن المنصرم .
على الدوام كان كفاح المرأة من أجل حقوقها المشروعة يشق طريقه الصعب وسط ضياء الشمس في زمن الثورة الحبلى بالآمال الخضراء والأشواق الحرّى ، متدثرا بالتعب المكابر، حاملا قلباً أخضر نحسبه بعضاً من النقاء في زمنٍ يصارع التلوث والتوتر والفساد.
وفي كل المنعطفات كان كفاح المرأة اليمنية يتجه بثبات إلى مدائن الأحلام الكبرى.. والاختيارات العظمى.. ويزحف بلا تردد صوب عوالم الدهشة وأزمنة التحولات الثورية الجسورة .
من جانبهم يواصل أنصار حقوق النساء تجسيد انحيازهم إلى حقوق المرأة بوصفها شريكاً حراً للرجل . وانطلقت أصوات العديد من هؤلاء الأنصار مدافعة عن هذه الحقوق المشروعة على رؤوس الأشهاد . وكانت قضية المرأة في كل الظروف والمنعطفات تجسد الإنتماء الى العصر ، وتقاوم كل أشكال الحصار المفروض حول النساء ، وتجسد الفرح الانساني مهما اشتدت أوجاع شقائق الرجال.. وتتمسك بالوعد الطالع من فجر الثورة مهما ارتعشت أعاصير ورياح صحراء البداوة .
ونحن .. من نحن ؟
قد نكون بعضاً من الذين هامَ بهم الاقتفاء الطويل على صراط التغيير المثقل بالآلام والمواجع.. واستهاموا ببروق الثورة الحبلى بالبروق والغيوث .
قد نكون بعضا من الذين أرهقتهم الأشواق ، فاستعجلوا الوقت كيما يتوارى عنهم حصار الزمان والمكان .
نحن نمضي بثبات وإصرار الى اليوم الذي تنتصر فيه حقوق النساء.. وعندما نواجه طيور الظلام ، يتعمق انحيازنا لهذه الحقوق التي استعادت بهاءها في زمن الثورة والوحدة والحرية .. ويقوى اصرارنا على التوحد بإشراقات الوعد والتجدد.
نقول لمن سرقوا من المرأة أحلامها وحقوقها في زمن أغبر مضى.. ولمن يريد أن ينزع عن المرأة خصوبة النماء في زمن العطاء : هو ذا طريقنا الذي لا تبدو له نهاية مهما كانت تعرجاته والتواءاته.. وهو ذا إصرارنا الباقي بعد أن نفضنا عنه غبار الأسفار ، وأزحنا من طريقه حواجز الإستلاب ، ورفعناه فوق هامات الإحتمال.
هو ذا اختيارنا الذي لا رجعة عنه ، ولا اغتراب فيه ولا مساومة به.. فلنرفع عالياً ً صوتنا الأبقى ، واحتمالنا الأقوى.. ولنواصل معاً بداياتنا الراحلة بثبات صوب ذُرى التاريخ الجديد في كل وصال يأتي ويتجدد .
وعندما نهفو الى الزمن الجديد ، نشعر بأن للوقت دبيباً في العظام.. وامتلاءً في الوجدان.. وحضوراً في ذاكرة الزمان والمكان.
وحينما ينتفض الوقت معلناً ثبات المسيرة التي تقاوم الرياح والأنواء.. يمتد مخاض الثورة المعطاء مستحضراً خبرة كل الحالمين ، وأوجاع كل الصابرين ، وهموم كل المسافرين.
وفي كل المعارك والمحطات والمنعطفات لم تكن المرأة وحيدة.. فما من حلم إلا وكان لها فيه موكب بين المنازل والشوارع والورى.. وما من أثرٍ تتركه المرأة في حضور اليقظة ، إلا وصار بريقًا في العيون ، وأغاني على الشفاه، ونقوشًا في القلوب ، وإصراراً على تجسيد الانتماء.
هكذا هي المرأة .. نهر يتسع في لجة العشق.. وتيارٌ باردٌ يمتدُ بين الجراح.. وضوء يتسامق فوق الرياح.. وطفولة توزع البراءة بعد رحيل الليل الذي حاول إغتيالها.
هكذا هي المرأة.. حرية كالحلم ، كالفضاء.. حياة كالخبز، كالمعتقد.. وشاهدٌ كالأفق، كالوطن.
ولأنّها كذلك.. فإننا نحيا بالانحياز إليها والانتصار لحقوقها.. ونزداد توحداً بظلال طيوفها الثرة، وأنفاسها الحرّى.
ولأنّها كذلك.. فنحن لا نخاف الخوف.. و لانهتم بنباح الكلاب ، ولا نضعف أمام طلول الجراح.
نحن كما قال الطبيب والشاعر والكاتب الاسلامي المصري حسن احمد عمر نكره من يظلمون جميع النساء ، ونحب الأمومة فى قلوبهن و الوداعة فى وجوههن ، لأنهن الجذور والكرامة والإنتماء .
نحن نكره من يظلمون النساء ، ونكره كل الطغاة الجبابرة المجرمين دعاة الغباء والمذلة والمهانة والتحجر والإنزواء والإزدراء .
ونحن نكره من يجعلون النساء وعاءاَ وداءً .. ونكره أيضاً كل الذين يسلبون النساء حق الوجود وحق الكلام وحق الغناء وحق النماء ْ.
نحن نكره من يحرمون النساء طعم رحيق الثقافة والعلم والإرتواء.
نكره الذين يريدون أن يدفنوا المرأة في قبر الثعبان الأقرع ويحاصرونها بالأساطير والخرافات التي تصادر انسانية المرأة ، وتقدم جسدها وجبة شهية ً على موائد اللئام الذين يلتهمون حقوق النساء.
نحن نحب جميع النساء لأن لدى كل واحدة منهن عقلاً فريداً وقلباً حنوناً، وعزماً صبوراً، وإرادة عنيدة مثل الحديد.
نحن نحب جميع النساء لأن من بينهن الأمهات العظام اللائي أخرجن عظماء الرجال الى هذا الوجود.
نحن نحب النساء وفي كل واحدة منهن حنان رهيب يشد عقل وقلب كل رجل الى كل امرأة.
نحن نحب النساء لأن بهن أمهاتنا وحبيباتنا وأخواتنا ورفيقاتنا ومعلماتنا وطبيباتنا ورائداتنا اللواتي يملأن الحياة بأعظم الأعمال وعطر الآمال وضوء الأحلام .
نحن نحب النساء لأنهن يُنشئن في قلوب الرجال صروحاً عظيمة المعاني.. ويجعلن الحياة على ثقلها تمر وتمضي سريعأ، ويغمرن الليل بالنورالذي يقاوم خفافيش الظلام .
نحن نحب جميع النساء لأنهن يمسحن من وجوه الرجال دموع الليالى الطويلة بالصبر والإحتمال ، ولأنهن زهور الربيع وربيع الجميع ، وشموس الوجود ، وشقائق كل الرجال الصناديد.


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:16 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-7846.htm