سليمان مطران - نشكره ونحمده سبحانه وتعالى على كل ما ألَّم بنا وبإخواننا وأهلنا وجيراننا، قال تعالى:«والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر».صدق الله العظيم.
ü ثم إن ما أثلج صدورنا وخفض من وطأة المصاب الجلل مبادرة فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية وسرعة استجابته نداء الإنسانية وأمانة المسئولية دون أن يفكر ودون أن يتردد في أن ما سوف يقدم عليه يعرض حياته للخطر بل هو الخطر بعينه، ولكنها روح الإنسانية قبل المسئولية، تلك المبادرة المفاجئة لكل الناس عندما استقل طائرته الخاصة متوجهاً إلى محافظة حضرموت في الساعات الأولى من حدوث كارثة الأمطار والسيول وخطورتها لم تزل قائمة، واستطلاعه عبر الطائرة العمودية لكل شبر من حضرموت ليطلع شخصياً بعيداً عن تقارير الغرف المكيفة، وهو شاهد عيان على ما أحدثته الكارثة من أضرار وما خلفته من خسائر بشرية ومادية وما غمرته السيول من مساحة زراعية وما تعرضت له البنية التحتية في المنشآت والطرقات والجسور والكهرباء والمياه وخطوط الهاتف وقنوات الري والآبار والمضخات وقلع وإتلاف النخيل المثمر والقضاء على خلايا النحل ونفوق الدواجن والماشية والجمال، إنها كارثة إنسانية كبيرة بكل ما تحمله الكلمة.
ü ولذا كانت آثار الحزن بادية على وجهه لهول ما رأى «ومن رأى ليس كمن سمع أو قرأ تقريراً حروفه جامدة متصلبة» وهو كثير الحزن على الإنسان ثروة الأوطان.. أكثر من أي شيء آخر فكل شيء يتعوض إلا الإنسان، غير أنها أيها الرئيس إرادة الله وما شاء فعل، له الحكمة وله الفضل من قبل ومن بعد.
ü ولكننا نشهدك الله أن نزولك من المروحية لتتفقد أحوال إخواننا وأهلنا ممن تعرضوا للمصاب الجلل يعزز ويجدد لدينا ما يكنه ويحمله قلبك الكبير من حب لشعبك العظيم تجلى بوضوح في حزنك وشديد أسفك وذلك لم تخطئه عيوننا المجردة.. خفقت له قلوبنا حباً لك وقرباً منك.. ودفاعاً عنك.
ü لقد كنت قائداً وقت الرخاء.. وعرفناك اليوم قائداً صبوراً في الشدة وذاك ديدنك أيها الرئيس ولا غرابة في ذلك.
ü إنني هنا أعبر وأنقل ما أشعر به من إحساس بالفخر والاعتزاز، وهو ما استقصيته من لسان أبناء حضرموت الذين يبادلونه وفاء بوفاء لمواقف «الرئيس» الإنسانية وقربه وتحسسه عن قرب، وهو البلسم للمشاكل النفسية والإجتماعية والاقتصادية لمخلفات الكارثة وهو ما سوف يعاني منها الوطن والمواطن في قادم الأيام إن لم يكن هناك التفاف وتعاضد وتقارب المجهود الشعبي من المجهود الرسمي الذي يرى الجميع بوادره الطيبة ولمس المواطن نتائجه الإيجابية في مدة قصيرة اذا ما تم مقارنته بحجم الكارثة وتباعد جغرافية مناطق محافظة حضرموت المتضررة وانقطاع السبل المؤدية إليها انعكس سرعة إيجابية الإنجاز من خلال ما قامت به قواتنا المسلحة والأمن والخيرون من الدول الشقيقة والصديقة من تواصل جسر من طائرات الإغاثة ونقل المؤن وإسعاف المصابين ونقلهم إلى أقرب مستشفى والاطمئنان على حياتهم، وذاك ما لعبته مختلف وسائل الإعلام الوطنية وهو موقف إيجابي وسرعة تنفيذ توجيهات الأخ الرئيس وهو عمل إنساني نبيل وواجب حتمي ووطني لقي استحسانا وتأييداً من كل الناس الطيبين والوطنيين الوحدويين.
ü كان من الواجب أن نكتب ونتحدث وندون حقائق شهد لها الجميع وهو إنصاف للدور الكبير الذي قامت به الدولة والحكومة وسرعة مواصلة تحركها في مواجهة الكارثة وتخفيف ما خلفته الكارثة من أحزان وجراح ومآسٍ لإخوة لنا وإن كان هذا من واجباتها تجاه الوطن والمواطن غير أنه ليس من الواجب الديني والإنساني والأخلاقي أن يقلل البعض من ذوي النفوس المريضة والضعيفة من حجم الدور الكبير الذي اضطلعت ولا زالت تضطلع به حكومتنا لمواجهة الكارثة التي اهتز لها العالم الإسلامي والعربي والدولي ولم تهتز للبعض شعرة، وما ذاك إلا قالب من قوالب الشر لها مماحكات ونكايات بالوطن والمواطن قبل الدولة، ما كان يجب أن تظهر على السطح والوطن يعيش ما يعيشه والمواطن في حاجة إلى من يخفف عنه حجم الحزن والألم، وصدق الله العظيم القائل: «عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم»، لقد كشف ما حل بنا في حضرموت مواقف من نحسبهم يدافعون عن مصالحنا ومصالح الوطن، هؤلاء من تحمل المواطن والوطن ظلمهم وقسوتهم وسارعوا في تغيير جلدتهم بما تقتضيه مصالحهم الخاصة، مستغلين تسامح الرئيس، هم كالأفاعي مهما بدلت من جسمها وحسنته وزينته، يبقى السم في أنيابها والوطن والمواطن فريستها، ومثل هؤلاء المتنقلين وخفافيش كل المراحل هم مكمن الخطر على الوطن، مثلهم أيها الرئيس القائد يجب الحذر منهم ولا يغرنك حلاوة كلامهم وطلاوته، فقد جربناهم وعرفناهم كاذبون.. كاذبون.. كاذبون.. إنهم متكبرون ومهزومون نفسياً.. هؤلاء مكانهم (العودة إلى مقاعد المقاهي، المكان المناسب لشخيرهم)، فقد فضحت الكارثة نواياتهم واتضحت أهدافهم التي يسعون إليها عبر آلام المواطن واستغلال حاجته وفاقته، وإلا كيف يفسر الأمر عندما يقول رئيس الجمهورية: إن ما شاهدته في حضرموت كارثة إنسانية، ويأتي من يقلل من حجم الكارثة، إذن هناك تشويهاً متعمداً للجهود التي تبذلها الحكومة لمواجهة الكارثة.
ü لقد تحدثت وما قلته هو الصدق أيها الرئيس، فلولا زيارتك الإنسانية ومشاهدتك ما حل بحضرموت لجاءتك التقارير مفرحة ومطمئنة، ولكنها قدرة الله وحسن نواياك لتتكشف لك الأمور وتعرف عن قرب هشاشة وضعف البنية التحتية وكذب التقارير عن صلابتها ومكانتها وقوة اسمنتها وحجرها وحديدها.
ü وصدقت أيها الرئيس القائد، لقد وحدتنا الكارثة أكثر وتعمقت في نفوسنا الروح الوطنية الوحدوية أكثر فأكثر وكشفت لنا جميعاً أن البعض ممن وليتهم ثقة إدارة شؤون البلاد لا يستحقونها، ولو كانوا يملكون 1% من حسن نواياك تجاه الوطن والمواطن لكانت نتائج الكارثة أقل كثيراً من حالها اليوم، ويهناك شعباً مؤمناً بقضاء الله وقدره.. توحده الشدائد.
ü وهنا يجب أن نقف مذعورين أمام الإحصائيات الأولية المخيفة بكل المقاييس الإنسانية لما خلفته (كارثة 42 شباط) من خسائر بشرية ومادية وتدمير في البنى التحتية بلغت 18 شهيداً و22 شخصاً مفقوداً والمنازل المهدمة 2222 منزلاً و67 محلاً تجارياً و22 وسيلة نقل و54 قارب صيد، بينما غمرت السيول المتدفقة من مختلف شعاب وادي حضرموت ووديان المهرة، وتعرض 02 ألف فدان من المساحة الزراعية للانجراف و56251 فدان من مساحة المحاصيل الزراعية للانجراف والتلف، بالإضافة إلى مئات من المنشآت المدمرة وآلاف من المنازل، وكذا قنوات الري و054 بئر ماء وتحطمت 054 مضخة واقتلعت السيول أكثر من 021 ألف نخلة مثمرة وجرفت 00401 خلية نحل وقضت على 0007 رأس من الماشية والجمال ونفوق عدد من الدواجن.
ü تلك لغة الأرقام الرسمية الأولية، والتي لا تكذب، ولا نعلم ما الذي تحمله لنا الأيام القادمة من أرقام مذهلة ومخيفة، وهو ما يدعونا للوقوف أمام مسببات ما حل بأهلنا من كارثة إنسانية بمقياسها الدولي وإعادة البناء على أسس وخطط مبنية من واقع وجغرافية وظروف كل منطقة على حدة يسهم في وضعها ذوو الخبرة وممن عركتهم الحياة وظروفها بحكم معرفتهم ودرايتهم بكيفية تصريف مياه السيول ودرجة خطورتها، وإذا لم يتم أخذها بحرص وجدية فستحل بنا كارثة الكوارث إذ ليس من المعقول أن نلقي كل اللوم على التخطيط القادم إلينا مركزياً حسب ما يتفوه به كثير من مسؤولي مكاتب الأفواه الصامتة والأيادي القابضة ذات العلاقة بالأمر، إذ لا يمكن لنا أن نبرر لهم أخطاءهم المتكررة في عدم طرح ملاحظاتهم بقوة عند كل مناقصة كونهم المعنيين الرئيسيين بها، وهو ما شدد عليه الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في آخر لقاء مع الوزراء والمحافظين ومختلف القيادات، كونهم أدرى بظروف مناطقهم، وفي هذا المقام يجب أن لا نضع اللوم على مركزية التعامل في تنفيذ كل شيء دون أن يقدم المسؤول المعني رأيه صراحة خاصة فيما يخص حياة الناس وأمنهم، ولا نبرئ المسؤولين والمشرفين المحليين من هذه الكارثة لأن من أسبابها الرئيسية:
- الترخيص بالبناء في قلب أماكن ومواقع مجاري السيول.
- عدم إيلاء اهتمام بما يقوله كثير من المواطنين وما تم التطرق إليه في كثير من وسائل الإعلام من خطورة أشجار السيسبان ومخلفات البناء وتركها على مجاري السيول ومنابت الشجر.
- الترخيص في البناء في الأحرامات وبين المنازل وإغلاقها.
- فوضوية وعشوائية البناء في مجاري السيول.
- تهديم القنوات (القديمة) التي لها دور في تصريف وتوزيع مياه الأمطار.
- تصرف بعض المواطنين في عمل المواقع الترابية حماية لمنازلهم دون الانتباه إلى خطورة ذلك على الآخرين.
- عدم المبالاة في وضع تخطيط الطرقات الداخلية الرئيسية يتناسب معه اتجاه مرور السيول والاهمال في عمل قنوات لتصريفها.
- عدم إشراك والأخذ برأي ذوي الخبرة من (المعالمة وعقال الحارات ومقادمة الحويف وغيرهم) عند وضع مقترح المشاريع محلياً.
- عدم تنفيذ مشروع مجاري تصريف كثير من المدن الرئيسية.
وهناك أسباب أخرى ويجب أن تتناولها كثير من الأقلام الحريصة على وطنها ومواطنها تجنباً للمخاطر والهلاك.
قال تعالى: «وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر»، صدق الله العظيم.
|