الأحد, 23-نوفمبر-2008
الميثاق نت -   طه العامري -

القرصنة في مياه البحر الأحمر وخليج عدن لم تعد ظاهرة عابرة تعكس الوضع الراهن في الصومال ولكنها أخذت أبعاداً مثيرة للتساؤلات خاصة بعد التطور المتنامي للظاهرة من حيث الوسائل والأهداف والطريقة التي يتم بها التعامل مع الأهداف أو بالأصح الضحايا، ويزداد الأمر إثارة حين يأتي تطور الظاهرة في ظل تداعي الدول الكبرى والعظمى والمتوسطة بأساطيلها ومدمراتها التي تأخذ مواقعها في طول وعرض البحر الأحمر وخليج عدن ومع هذا تزداد الظاهرة حضوراً وتكاد تطغي بحضورها عن القضايا الأساسية التي يمكن اعتبارها دافعا أساسا لبروز الظاهرة ونعني قضية الأشقاء في الصومال وهي التي يمكن اعتبارها الجرح الدامي الذي منه تناسلت ظاهرة القرصنة وظواهر أخرى برزت جعلت بلادنا بكل مكوناتها في حالة من اليقظة الدائمة استعدادا للتعامل مع كل قضية مجهولة تولد وتنسج خيوطها على ذمة واقع الحال الصومالي رغم الدور الذي بذلته اليمن والجهد الذي لم تبخل به وخاصة ذلك الدور والجهد الذي بذلهما فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية - حفظه الله - لعودة الاستقرار للأشقاء في الصومال الأرض والإنسان والدور والرسالة والتفاعل وقد قوبل هذا الجهد الرسمي اليمني بكل برود من الأطراف النافذة إقليميا ودوليا رغم تحذيرات اليمن وتأكيد فخامة الأخ الرئيس في أكثر من مناسبة وفي أكثر من محفل وتجمع إقليمي ودولي مذكرا العالم بضرورة احتواء الأزمة الصومالية ومساعدة الشعب الصومالي في الاستقرار وبناء دولته وحكومته الوطنية على أساس التوافق الوطني وكانت اليمن ومن خلال مساعي ودور فخامة الأخ الرئيس قد استطاعت أن تجمع فرقاء الصراع والتناحر وهي خطوة لم يتمكن أي طرف في السابق من فعلها بل لم يفكر أي طرف بخطورة نمو واتساع الأزمة الصومالية غير اليمن التي أدركت مبكرا تبعات هذه الأزمة عليها وعلى استقرار المنطقة ومن هنا جاء الدور اليمني في محاولة من القيادة السياسية اليمنية لاحتواء الأزمة الابتعاد عن تبعاتها المؤلمة ومنها القرصنة وهي ظاهرة تظل رغم خطورتها وتهديدها لسلامة المسار الملاحي الدولي واستقرار دول المنطقة بما لها من مضاعفات تدفع ثمنها دول المنطقة وخاصة المطلة منها على البحر الأحمر التي تنعكس الظاهرة على واقعها الاقتصادي بصورة ارتفاع فواتير الاستحقاقات الاقتصادية والمعيشية وتضاعف نسبة التأمين التجاري والملاحي، فغدت السلع الغذائية وكل السلع التي تستورد وتحتاجها أسواق دول المنطقة ويحتاجها المستهلك في هذه الدول والذي تضاعفت همومه وأزماته مع بروز الظاهرة التي ألقت بكثير من التبعات على الاستقرار المعيشي لشعوب الدول المطلة على البحر الأحمر واليمن تعد في طليعه الدول التي تضررت بصورة مباشرة من الأزمة الصومالية بدءا من اللجوء والنزوح الجماعي المربك للواقع اليمني بما يمثل اللجوء والنزوح غير المنظمين من تبعات اقتصادية واجتماعية وأمنية وأنماط ثقافية وسلوكية تبرز مع وخلال نمو كل هذه الظواهر، إضافة لكل هذا هناك الضحايا الذين يذهبون ضحايا لعصابة التهريب والمتاجرة بأرواح الناس وطريقة التعامل معهم حيث ذهب الكثير منهم ضحايا للأعمال غير المشروعة التي يمارسها المهربون وغالبا ما يدفع خوف المهربين من السلطات الرسمية والأجهزة الرقابية وحرس الحدود وخفر السواحل الى إلقاء الأبرياء في أعماق البحر لتلتهمهم الأمواج ويلقوا نحبهم ليدفنوا في بطون الأسماك المفترسة، أي ان هؤلاء الضحايا يهربون من الموت إلى الموت وتلك من مآسي المشهد الصومالي وهو يشكل إزعاجاً لليمن قيادة وشعبا ونظاماً وأجهزة مؤسسية، ناهيكم عن كون الوضع الصومالي يكلف اليمن الكثير من التبعات المادية والمعنوية.
ومع كل ما أسلفنا فإن اليمن الأرض والإنسان القيادة والشعب والمؤسسات يستوطنهم جميعا سؤال وجيه مطلوبة الإجابة عليه من كل ذي بصر وهو: من يقف وراء ظاهرة القرصنة..؟ ومن ينسج فصولها لها ويدير دفتها..؟ إذ أن الظاهرة لا يمكن ان تقف حصرا في نطاق الفعل الصومالي أو بعض الأطراف الصومالية مهما كانت قوة حضورها ونفوذها ورغبتها في الفعل، بل الأمر يخرج عن نطاق الدائرة الصومالية ليأخذ بعدا إقليميا ودوليا والشك بدور بعض الأجهزة والجهات الإقليمية والدولية فعل مباح ومشروع في ظل هذا الحضور المتصاعد والملفت للظاهرة رغم الحضور العسكري الدولي المرابط من خلال الأساطيل والمدمرات المرابطة في البحر الأحمر وخليج عدن ومنها من يواصل سيره نحو هذه المياه قادما من كل أصقاع المعمورة بذريعة مكافحة ظاهرة القرصنة وتأمين سلامة الملاحة الدولية..!!.
بيد أن توسع الظاهرة والطريقة التي يرى فيها المجتمع الدولي الظاهرة والحلول المختارة لمعالجتها، كل هذه العوامل تجعل أي مراقب يستشف خلفيات ودوافع الظاهرة كما هي القضية الصومالية برمتها والتي تحولت رؤية المجتمع الدولي اليها باعتبارها جزءا من سيناريو الصراع الدولي المحوري على القارة السمراء، ومن ثم تصبح ظاهرة القرصنة وفق هذا المنطق المحوري جزءا من هذا السيناريو المرتبط بمصالح دول كبرى ومحاور نافذة هي من تقف عبر أو من خلال أجهزتها أو وكلائها المعتمدين وراء الظاهرة لأهداف ربما تتجاوز القارة السمراء إلى محيطها القاري بصورة أو بأخرى وهذا دافع له ما يبرره في ظل صراع مفتوح ومحتدم يدور بين الأقطاب المحورية النافذة الباحثة عن مناطق نفوذ وأسواق وشراكة، والمنطقة بما فيها أفريقيا تظل محل صراع وعنوان جدل يمارسه الكبار وعلى حساب الضحايا دوما وهم لا يحتاجون إلى تعريف وتوصيف..!!
فهل من يدلنا ذات يوم عن من يقف وراء ظاهرة القرصنة واتساع نطاقها وتطور في الوسائل والأدوات بل يكفي أن الظاهرة تزداد تطورا واتساعا مع كل زيادة في عدد الأساطيل والمدمرات التي تصل تباعاً للمنطقة المستهدفة حتى صرنا نخشى على سلامة وأمن المنطقة من هذا الكم الهائل والمرعب للأساطيل الدولية المتعددة الجنسية والأهداف والغايات والنوايا أكثر من خشيتنا من أي ظاهرة أخرى قد تأتينا في سياق الفعل (الإرهابي) أو من خلال (القرصنة) التي يبدو أنها سوف تأخذ حقها من الاهتمام والأهمية والجدل والتبعات والثمن الذي قد يكون أكثر من باهظ ومكلف.

ameritaha @ gmail.com


تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-8123.htm