محمد علي سعد -
توطئة: في علم الجغرافيا ستظل الاتجاهات الأربعة »الشمال ، الجنوب، الشرق، الغرب« موجودة إلى ما لا نهاية باعتبارها تحدد موقع المكان ليس إلا.
منذ أن قامت دولة الوحدة في 22مايو 1990م - باعتبارها تجسيداً وطنياً لإرادة الشعب وواحداً من أعظم الأحلام التي راودته لسنوات طويلة وحققه برفع علم دولة الوحدة صباح يوم الاثنين في مدينة عدن الطيبة - منذ أن قامت دولة الوحدة المباركة تمنى اليمانيون ومنَّوا النفس بتحقيق الكثير من الانجازات وبحياة هانئة مستقرة، فيها معالم الرخاء ولو بدرجات.. إلا أن الرياح أتت بما لا تشتهي السفن.. فبعد ثلاثة أشهر من قيام الوحدة احتلت العراق دولة الكويت الشقيقة ولحقت بالبلاد وبالدولة الوليدة سلسلة من الخسائر الكبيرة بدءاً بخسارة العلاقات اليمنية مع عدد غير قليل من الدول الشقيقة ومروراً بإعادة أكثر من مليون نصف المليون يمني كانوا مغتربين في دول مجلس التعاون الخليجي وصولاً الى ممارسة حصار اقتصادي غير معلن لكنه نُفّذ عملياً من قبل عدد غير قليل من الدول العربية وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، مما ز اد من مشاكل الدولة الوليدة وزاد من حجم الصعوبات التي لحقت بها.. وما أن توالت السنوات حتى تحمل الشعب التبعات الجسيمة لحرب صيف 1994م والتي استمرت قرابة الـ77 يوماً وبلغت الخسائر بالمليارات.. وتحملت الدولة الوليدة سنوات عجافاً توالت منذ اليوم الاول لانتصار الشرعية الدستورية على مؤامرة الردة والانفصال في 1994/7/7م وعليه فإن المواطن اليمني في عموم محافظات الجمهورية أثرت عليه بصورة مباشرة التبعات الداخلية والخارجية لحرب الخليج الأولى وحرب الردة والانفصال وضاعت على الحكومة سنوات عدة، بدلاً من أن تبذل فيها حكومة دولة الوحدة جُلَّ جهودها للتسريع بعجلة التنمية راحت تعالج فيها الأضرار الناتجة عن حرب الخليج الاولى دبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً مع دول الخليج وعدد آخر من الدول.. ثم راحت تداوي آثار حرب الانفصال بعد خسارة خزينة الدولة أكثر من 12 ملياراً ثمناً لتثبيت النظام الوطني الوحدوي بعد أن رفعنا كشعب الشعار الخالد (الوحدة أو الموت)، إلى جانب ما حصل، نجد أن ثمة أخطاء حصلت خلال التخطيط والتنفيذ لمشاريع التنمية في عموم محافظات الجمهورية كما حصل أن قام عدد من المسؤولين بتسخير مسؤولياتهم ومناصبهم بغرض الإثراء الشخصي سواء من خلال الاستيلاء على الأراضي التابعة للدولة او غيرها، والنتيجة أن ثمة محافظات تضررت، وثمة محافظات لاتزال أحلامها في التسريع بعجلة التنمية فيها لاتزال مشرعة.. هنا نقول إن في تعز وصنعاء ، والجوف والمحويت مثلاً مايزال المواطن ينتظر من الحكومة الشيء الكثير والذي يرى أن من واجب الحكومة أن تقوم به سواء في مجالات التنمية او الصحة، أو التعليم.. الخ.
وفي الجانب ذاته تنفذ الحكومة خطتها الشاملة للتنمية في عموم محافظات الجمهورية بحسب الأولويات والإمكانات والاحتياجات.
من هنا نقول إن ثمة مشكلة في المحافظات الجنوبية تتعلق بالأراضي وفرص الاستثمار ومواجهة الفقر والبطالة والنقص في بعض الخدمات وتوفير المساكن للشباب..!
هذه الاحتياجات والتي كلف فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح في وقتها لجنة بالنزول الى عدد من المحافظات الجنوبية بما فيها تعز لحصر أبرز الاشكاليات القائمة وتقديم تصوراتها بالحل الى الحكومة لاتخاذ الاجراءات اللازمة لحلها تباعاً.
إذاً المشكلة المتعلقة ببعض الاحتياجات في المحافظات الجنوبية كانت واردة في حسابات الحكومة، ومنذ عودة اللجنة المكلفة بالنزول اليها وتقديم تقريرها نجد الحكومة تواصل جهودها لحلحلة تلك الاشكاليات حتى الساعة ، غير أن الأمر غير النزيه هو تحويل الاحتياجات التي طلبتها عدد من المحافظات الجنوبية، تحويلها من قبل قادة المشترك الى »القضية الجنوبية«، حيث أعاد المشترك من خلال وصفه لجملة من احتياجات التنمية والوظيفة والسكن، ومواجهة الفقر، بالقضية الجنوبية وكأن الموضوع سياسي خالص ، فالجنوب »جنوب الوطن قبل الوحدة« هو من تضرر من الوحدة.. وهذا الجنوب يطالب بحقوقه والتعامل معه وكأنه دولة داخل دولة هو أمر غير صحيح بالمرة، وحق أراد منه المشترك باطلاً.. هو حق .. ومن حق أبناء عدد من المحافظات الجنوبية أن يرفعوا مظالمهم للدولة ويرفعوا سقف ما يحتاجونه باعتبارهم مواطنين يحق لهم من الحكومة ان تتداعى لحل مشاكلهم، لكن هذا الحق يتحول باطلاً عندما يتم الحديث عن مطالب المواطن في عدن، أو لحج، أو شبوة، كأنه مواطن يعيش في دولة غير الدولة وكأنه ومطالبه فوق الوطن وفوق الدولة..
وعدنا نسأل ألا تحتاج تعز مثلاً لزيادة حصة التوظيف فيها لمواجهة البطالة، وتحتاج للمشاريع التنموية والاستثمار للحد من رقعة الفقر وتحتاج لزيادة الاهتمام بالتربية والتعليم والصحة والطرقات وحل مشكلة المياه.. الخ، هو أمر تحتاجه محافظة مثل المحويت أو عمران أو حتى منطقة كسنحان.. فلماذا لا نقول القضية الشمالية طالما هناك محافظات شمالية لها مطالب.. ونقول القضية الغربية والقضية الشرقية، لماذا فقط القضية الجنوبية؟
فالحقيقة تفيد أن لدينا (22) محافظة .. كل محافظة يحتاج مواطنوها من الحكومة لسيلٍ من الخدمات والحكومة تلبي الاحتياجات وفقاً للخطط والامكانات والأولويات.. ومن الصعب أن نطلب من الحكومة مثلاً أن توقف كل خططها ومشاريعها وبرامجها الجارية في (22) محافظة.. ويقتصر نشاطها وعملها على اربع او خمس محافظات جنوبية فقط حتى يرضى المشترك عن الحكومة.. أليس من العيب أن يستخدم المشترك مشاكل الناس في بعض المحافظات الجنوبية ويزايد بها على حساب مشاكل وطن ككل، عندما يرى أن حل مشاكل عدن او لحج أهم من مشاكل أية محافظة شمالية ، فهذه فتنة سياسية وتشطيرية من الطراز الأول.
والخلاصة إننا بلد رقعته كمساحة كبير وتعداد السكان ليس قليلاً ومواردنا كدولة أقل بكثير من المأمول، لكن ينبغي لنا أن نعترف أن ما يحتاجه المواطن من الحكومة في عموم الوطن هو الشيء الكثير، لذا وجب على الجميع بذل جهودهم للبناء والإعمار وعلى الأحزاب دعوة أعضائها وانصارها إلى العمل والتسريع بخطى التنمية بدلاً من ممارسة النقد بحق الحكومة من موقف المتفرج.
الخلاصة إن ما يطلق عليه »القضية الجنوبية« هو لفظ أو مصطلح يحمل التشطير »الحنين للانفصال«.. وعلى أصحاب هذا المصطلح أن يدركوا أن الجنوب قد خرج من الجغرافيا ودخل في التاريخ لأن التاريخ يقول: إن اليمن -أرضاً ووطناً وإنساناً- واحد.. فالجنوب اتجاه جغرافي في وطن دولة الوحدة، وليس وطناً داخل وطن الوحدة.. ولن يكون أبداً كذلك.