علي ناجي الرعوي -
ليس علينا أن نسأل كيف نضمن إجراء الانتخابات النيابية القادمة في أجواء آمنة ومستقرة ومناخات تسودها الطمأنينة والسكينة باعتبار أن أمراً كهذا يعد من المسؤوليات التي تقع على عاتق الأحزاب والتنظيمات السياسية وأجهزة الدولة وأبناء المجتمع عموماً.
حيث أنه ومثلما يفرض الواجب على اللجنة العليا للانتخابات ممارسة صلاحياتها كجهة خولها القانون بالإشراف على العملية الانتخابية وإدارة مراحلها بحيادية ونزاهة.. فإن الأحزاب معنية هي الأخرى بالعمل على تأمين مسارات الدورات الانتخابية والوصول بها إلى بر الأمان عن طريق التزامها بأخلاقيات ومضامين التنافس الشريف الذي يبدو فيه التنوع في الرؤى والتوجهات عاملاً من عوامل التمايز الإيجابي وليس مبعثاً للخصومة السياسية وإثارة الفتن وزعزعة أواصر التلاحم بين أبناء الوطن الواحد.
ونعتقد بأن النجاح الذي حققته مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين قدم دليلاً حياً على مدى الوعي الذي يتحلى به أبناء الشعب اليمني وكذا إيمانهم الرفيع بحقيقة أن التعددية الحزبية يجب أن تظل محكومة بما يحقق المصلحة الوطنية، ويصون قيم التداول السلمي للسلطة ويحمي التجربة الديمقراطية من نوازع التضاد والاعتراك الذي تتلاشى فيه أجمل معاني التنافس الشريف.
وتصبح هذه المسألة أكثر من ضرورية في ظل ما تفصح عنه بعض الممارسات التي تكشف عن أن هناك من لم يستوعب حتى الآن أن العملية الديمقراطية تحكمها العديد من الضوابط والأسس الناظمة التي لا ينبغي لأحد تجاوزها أو انتهاكها تحت أية مسميات، إذ لابد أن يدرك مثل هؤلاء أنه ليس من شروط الديمقراطية ولا حرية الرأي والتعبير الإتيان بممارسات تندرج في إطار أعمال الفوضى والتخريب وإقلاق السكينة العامة والإساءة للوحدة الوطنية وإثارة الفتن، كما هو شأن من يدعون إلى إقامة التظاهرات المخالفة للأنظمة والقوانين دون إدراك أنهم بهذه الأفعال لا يسيئون فقط للمضمون الديمقراطي وقيمه ودلالاته السلمية، بل إنهم بذلك يقترفون جرماً مشهوداً بحق المجتمع، وعليه فإن الواجب على أولئك الذين استمرأوا لعبة تهييج الشارع عن طريق المظاهرات والاعتصامات غير المرخصة، أن يعوا أن الدولة وإن كانت قد تعاملت في السابق مع مثل هذه المظاهر الفوضوية بمنطق التسامح، فإنها وأمام ما يبدونه من إصرار على الاستمرار في خرق الأنظمة والقوانين تصبح معنية وبحكم مسؤولياتها بالتصدي لهذه التصرفات الغوغائية الهادفة إلى تعكير مناخات الأمن والاستقرار وإقلاق السكينة العامة خاصة وقد كشفت الأحداث الأخيرة أن أحزاب اللقاء المشترك لم تعد تميز بين الأعمال المشروعة والأفعال غير المشروعة بعد أن سيطرت عليها حمى العمى السياسي والعزة بالإثم فصار همها محصوراً في ما تطمح إليه من مصالح أنانية والرغبة الجامحة للقفز إلى السلطة ولو كان ذلك على حساب اليمن وسمعته وأمنه واستقراره.
والأجدى بهؤلاء وأمثالهم أن يعلموا أنهم إذا ما أرادوا البروز أو أن يكون لهم دور، فإن عليهم إعادة تصويب سلوكياتهم وتصحيح مواقفهم حتى يتسنى لهم الالتحاق بركب الديمقراطية، بعيداً عن ذلك الانقطاع الأخلاقي والقيمي والإمعان في الخطأ والخطايا، خاصة بعد فشل كل ما راهنوا عليه أو ما كانوا يحلمون بحدوثه خلال مرحلة مراجعة وتعديل جداول الناخبين والتي جاءت نتائجها على غير ما كانوا يأملون فأرادوا تعويض ذلك عن طريق ارتكاب حماقات جديدة بإعلانهم إقامة مظاهرة في منطقة التحرير وسط العاصمة بدلاً عن ميدان الثورة الذي سمحت الجهات المعنية لهم بإقامة تجمعهم فيه، ولأنهم لا يريدون سوى إشعال الحرائق وإشاعة الفوضى وتعريض ممتلكات الناس للتخريب لجأوا إلى ذلك الخيار العبثي الذين سيتحملون ما سيترتب عليه من نتائج.
رئيس تحرير صحيفة الثورة