السبت, 29-نوفمبر-2008
الميثاق نت -   نزار خضير العبادي -
ما كان لأحد أن يطمع بعدن لولا اكتشاف العالم سر قوة الاقتصاد في صناعة مستقبل السياسة، وهو الرهان الذي زج بأساطيل أوروبا إلى أعماق البحار بحثاً عن طرق التجارة، والعالم الثري المتواري خلف المحيطات.. فكان اكتشاف الأهمية الاستراتيجية لموقع عدن الجغرافي بداية سيلان لعاب العروش الأوروبية لشد القبضة على مدينة عدن. تقول كتب التاريخ إن الفرنسيين كانوا أول من فكّر باحتلال عدن، لكن أو من اكتشف أهميتها الاقتصادية لم يكن الفرنسيون وإنما البرتغال الذين وصلوا على مقربة منها فاستصعبوا اختراق حصونها الطبيعية فحولوا نيتهم إلى الخليج العربي ونجحوا في بسط اليد عليه.. فاشتد حماس فرنسا وبريطانيا للوصول إلى عدن ـ ولو بشركات تجارية تستكشف أسرار الشعوب التي تقطن خلف الحصون المنيعة لعدن. لم تكن عدن مجرد حلم يراود العالم الخارجي إدراكه، بل إنها مثلت لليمنيين أنفسهم كنزاً يستحيل التفريط به، وما من دولة ظهرت في جنوب اليمن إلا وربط ملوكها مستقبل ممالكهم ببقاء عدن في قبضتهم لأنها المصدر الأول لتمويل خزائن دولهم بفضل ما تشهده من نشاط تجاري وهو ما جعلهم يولّون على عدن قادة من أقرب الأقرباء إلى نفوسهم. في زمن الدولة الطاهرية «858 هـ ـ 945هـ» كان السلطان عبدالوهاب بن داود يمنع دخول أي من القادة العسكريين والوزراء والمتنفذين إلى عدن بغير إذن خطي منه.. وعندما شارف على الموت أرسل بطلب ابنه عامر عبدالوهاب وأوصاه بأن لا يعلن وفاته قبل دخول عدن وترتيب أوضاعها السياسية والإدارية.. وكتب له إذناً خطياً بدخول عدن هو ونفر من القادة.. وفعلاً مات السلطان عبدالوهاب بن داود «887هـ» ولم يعلن خليفته السلطان عامر نبأ الوفاة إلا من داخل عدن. وفي الفترة الأخيرة من عمر الدولة الطاهرية.. انهار سلطانهم في جميع مدن الجنوب إلا في عدن التي ظلت محصنة، واستعصت على العثمانيين حتى دخلوها بعد نحو «13» عاماً بخديعة من خلال زيارة الوالي العثماني إليها بسفينة كبيرة ـ كزيارة تفاهم ـ فاستقبله حاكمها عامر بن داود أحسن استقبال وأكرم ضيافة، في الوقت الذي نزل جنود أتراك إلى عدن يستطلعون طبيعة القوات التي تحميها، وعندما فرغوا وأبلغوا الوالي دعا الوالي عامر بن داود وبعض قادته للصعود إلى السفينة لمبادلتهم كرم الضيافة، لكن حال صعودهم غدر بهم وشنقهم جميعاً وعلّقهم على صواري السفينة. الجنرال البريطاني «هينس» هو الآخر لم يستطع احتلال عدن بغير خديعة السفينة «دوريا دولت» والتي استكمل فصولها بمؤامرة أخرى.. إذ أنه عندما سألته حكومة صاحبة الجلالة كيف تدبر احتلال عدن بغير قوات كبيرة قال إنه استعان باليهود الذين كانوا في عدن، حيث كانوا يمدونه بمعلومات ثمينة مقابل أبخس الأثمان.. فكانت الخيانة الداخلية أن كلفت أبناء عدن وبقية مدن الجنوب أكثر من قرن وربع من الاحتلال المرير الذي دفعوا خلاله خيرة الرجال ثمناً للتحرر والاستقلال. وبين ذلك التاريخ وزماننا الحاضر مسيرة نضال بطولية استعادت فيها عدن كرامتها وباتت اليوم معلماً من معالم اليمن الشامخة ورهاناً على غدٍ أفضل لليمن أجمع. عن"الجمهورية"
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:49 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-8193.htm