الثلاثاء, 06-يناير-2009
الميثاق نت -
تولى علي عبدالله صالح السلطة في صنعاء يوم 17 يوليو 1978م عندما انتخبه مجلس الشعب التأسيسي رئيساً للشطر الشمالي من البلاد وكان قبلها قائداً عسكرياً للوأ تعز، وعندما شكل مجلس رئاسة للدولة عقب اغتيال الرئيس أحمد الغشمي في يونيو 1978م أصبح عضواً في ذلك المجلس المؤقت الذي ترأسه حينها القاضي عبدالكريم العرشي بحكم منصبه كرئيس لمجلس الشعب التأسيسي( البرلمان)، وقد كان على الرئىس علي عبدالله صالح الذي جاء إلى السلطة في ظل أوضاع متأزمة وغير مستقرة ان يواجه تحديات كبيرة للغاية، فقبل أن يتولى السلطة كانت الاوضاع الداخلية مضطربة والتنمية منعدمة، وكانت العلاقة بين الشطرين متوترة للغاية وقتل ثلاثة رؤساء على التوالي (الحمدي، الغشمي، سالمين) والمناطق الوسطى تشهد حرباً متواصلة بين الحكومة في صنعاء والجبهة ا لوطنية الديمقراطية التي ظهرت منذ فبرابر 1973م وهي عبارة عن تحالف جبهوي يضم مجموعة أحزاب يسارية وقومية معارضة للنظام في صنعاء وكانت مدعومة من النظام في عدن، وقد كان نظام صنعاء يدعم المعارضة الجنوبية التي تنتمي للمجموعات السياسية التي تركت عدن بعد سيطرة الجبهة القومية على السلطة بعد الاستقلال عام1967وكانت هناك اطراف خارجية إلى جانب المحلية تذكي هذا الصراع وتغذية ولها مصلحة ليس في استمرار التشطير فحسب بل وتحويل التشطير إلى وقود يصطلي به الشعب اليمني، وما كاد الرئيس صالح يمضي الثلاثة الأشهر الأولى في الحكم حتى دبر التنظيم الناصري محاولة للإطاحة به بانقلاب عسكري منتصف أكتوبر 1978م، وبعد ذلك بنحو أربعة أشهر كان عليه ان يواجه الحرب الشطرية الثانية مطلع عام1979 وكانت قوية وواسعة النطاق اشترك فيها الجيش النظامي في عدن إلى جانب قوات الجبهة الوطنية الديمقراطية التي ازدادت قوة وتجهيزاً جراء حصولها على دعم ليبيا التي رغبت في هزيمة صالح انتقاماً للناصريين الذين اعدم كثير منهم بعد المحاولة الانقلابية، وقد استطاعت تلك القوات التوغل في عمق اراضي الشطر الشمالي مدفوعة باصرار نظام عدن على فرض الوحدة بالقوة العسكرية، لكن الرئىس استطاع التغلب على هذا الموقف خاصة بعد القيام بجولة خارجية كسب من خلالها الدعم العربي لوقف المعارك بتدخل جامعة الدول العربية التي عقد مجلسها جلسة طارئة في الكويت 4-6 مارس، واستضافت الكويت لقاء قمة جمع الرئىسين علي عبدالله صالح وعبدالفتاح اسماعيل في28- 30 مارس 1979م توصلا خلالها إلى وقف الحرب والعودة إلى المفاوضات بشأن الوحدة اليمنية، باستئناف اللجنة الدستورية عملها لوضع مشروع دستور دولة الوحدة.. وقد اتجه الرئيس علي عبد الله صالح بعد ذلك الى ترتيب الاوضاع الداخلية او توحيد الجبهة الداخلية التي كانت مفككة جراء السياسات التي اتبعها اسلافه، وهي سياسات عرقلت التنمية، وتتبنى موقفا معاديا للآخر والحوار والديمقراطية والمشاركة في اتخاذ القرار.
لقد كانت البلاد تفتقر إلى نهج سياسي محدد المعالم وإلى تنظيم سياسي تشارك من خلاله مختلف التيارات السياسية والفكرية في إدارة شئون السلطة والتعبير عن نفسها،
ولأن الذين سبقوه كانواينظرون الى الاحزاب كشيء بغيض ، فأنه خالفهم ولم ينظر الى الحزبية بعين الريبة ولم يتجاهل وجودها في الواقع بل ادرك ان عليه التعامل معها كأمر واقع .. فاهتدى الرئىس علي عبد الله صال- -على ضوء خبرته بالتجربة السياسية السابقة- إلى جمع مختلف ممثلي الأحزاب التي كانت تعمل بصورة سرية وعدد من المثقفين والمفكرين والشخصيات الاجتماعية وممثلي الفئات التجارية على مائدة حوار للوصول إلى وثيقة وطنية تجمع بين ماهو مشترك في الثقافة الوطنية والقضايا المطلبية لدى كل هذه المجموعات لتأتي بمثابة ميثاق وطني يتفق الجميع على أن يصبح دليل نظري للعمل في الفترة القادمة، وان تشارك هذه المجموعات في وضعه موضع التطبيق في الممارسة السياسية.
في ديسمبر 1979م قال رئيس الجمهورية في مقابلة مع صحيفة «التصحيح»: سوف تصدر مسودة «الميثاق الوطني» قريباً، وسيناقشه الشعب بمختلف قطاعاته، وسنعقد مؤتمراً شعبياً عاماً لاصدار هذا الميثاق بصيغته النهائية، وتعود البدايات الأولى لفكرة ايجاد الميثاق الوطني إلى أواخر عام 1978، حيث شكلت لجنة تضم 25 شخصية من اعضاء مجلس الشعب التأسيسي عقدت أول اجتماع لها في 26 ديسمبر1978 برئاسة القاضي عبد الله الشماحي، ثم اضيف اليها 7 اعضاء آخرين ثم 23 عضوا واصبحت مكونة من 55 عضوا بين برلمانيين، و قيادات سياسية وعسكرية واجتماعية بغرض وضع افكار بشأن إيجاد «ميثاق وطني» وقد وضعت هذه اللجنة (لجنة الخمسة والخمسي) مايشبه مشروع «الميثاق» وقدمته لرئيس الجمهورية الذي عرضه في اجتماع موسع ضم اعضاء مجلسي الوزراء والاستشاري، والمحافظين، والقيادات العسكرية لمزيد من المناقشه، وهذا هو المشروع الذي لم يكتمل هو نفسه المشروع الذي وقفت أمامه «لجنة الحوار الوطني» مطولاً وطورته عبر حوار منظم وحرص على التقارب وجرت محاولات من أجل التوفيق بين الآراء المتصارعة حول فهم المشكلات وسبل تجاوزها وإعادة النظر فيه، وبعد مناقشات ومداخلات وحجج واستشهادات، من الواقع واستدعاء شواهد تاريخية وفكرية وفلسفية ساهمت في إثراء الميثاق الذي توصلت اللجنة إلى صيغة غير نهائية له بعد طرح موضوعه للمناقشة العامة في مؤتمرات شعبية مصغرة واعادت اللجنة صياغته على ضوء الأفكار التي استقتها من الجمهور، ثم اعيد طرحه مجدداً على ممثلي الشعب في المؤتمر الشعبي العام في أغسطس 1982م وأعيدت عملية الصياغة ثم اقر بصيغته النهائية من قبل المشاركين في المؤتمر الشعبي العام.
< فكرة عبقرية
قال الرئىس على عبد الله صالح في تقديمه لكتاب «وثائق المؤتمر الشعبي العام الأول» الصادر عن مركز الدراسات والبحوث عام 1983م : «لقد كان في طليعة همومي- منذ الأيام الأولى لتحملي أمانة المسئولية الجسيمة وقيادة الشعب والثورة في 17 يوليو 1978م- العثور على صيغة مثلى تحقق التفاعل الجاد مع مبادئه وقيمه وأهداف ثورته..صيغة تعيد تحريك وجوده، وترسيخ قواعد الديمقراطية والعدل الاجتماعي في صفوفه توجهاً لبناء الدولة المدنية الحديثة، المتلاحم ابناؤها، المتواصل حاضرهم الناهض بماضيهم العريق، بصورة تمكنهم من تحديد معالم المستقبل المشرق الذي يلهم بالإجابة عن كل التساؤلات التي تطرحها ذاتيتنا الحضارية وموقعنا من العالم..».
«ومن هنا فقد ارتأينا ضرورة تشكيل لجنة موسعة من المثقفين والمفكرين ومن أعضاء مجلس الشعب التأسيسي ومن العسكريين وغيرهم لاعداد تصور عام لأفكار الميثاق الوطني ومضامينه استقاء من مختلف فئات الشعب وتوجهاتها حرصاً على ألا يفرض ميثاق يأتي من فئة أو جماعة أو يملى من فرد أو سلطة، بل ميثاق تجمع عليه كل الأفكار والطموحات الشعبية يجسد إرادة الشعب واختياراته».
إذاً لقد كان التفكير يتجه نحو مواجهة هذا الفراغ من خلال صياغة دليل نظري واضح للعمل السياسي تشترك فيه مختلف الفئات والجماعات الفكرية والسياسية وتلتقي حوله بعد ذلك، وانتقل التفكير إلى الطريقة التي يمكن ان توصل إلى هذا الهدف..
فانطلاقاً من اقتناع القيادة السياسية بأهمية وجود ميثاق وطني ينير لمجتمعنا طريقه- حاضراً ومستقبلاً- ويوجه مسار العمل الوطني فيه نحو كل غاياتنا وأهدافنا الوطنية والقومية والإنسانية المثلى، وحرصاً على تمكين كل أبناء الشعب من ممارسة حقهم في الاسهام في صياغة فكرهم الوطني، ومن ادراكها لأهمية الحوار كوسيلة للاطلاع على آراء المواطنين ومن حرصها على أن يأتي مشروع الميثاق الوطني في صيغته النهائية معبراً عن إرادة الشعب ومعتقداته وتطلعاته وطموحاته الوطنية، وبعد التشاور مع مختلف المؤسسات الشعبية والرسمية وجميع القوى والعناصر الوطنية.. اصدر الرئىس في 27 مايو 1980م قرار رئيس الجمهورية رقم 5 لسنة 1980م الذي قضت مادته الأولى بتشكيل لجنة للحوار الوطني والتهيئة لعقد المؤتمر الشعبي العام مكونة من 51 شخصاً هم:
1- حسين عبدالله المقدمي- رئىساً.
وعضوية كل من:
1- أحمد الشجني
2- د. عبدالواحد الزنداني
3- محمد عبدالله الفسيل
4- سنان عبدالله ابو لحوم
5- احمد يحيى العماد
6- علي قاسم المؤيد
7- محمد بن محمد المنصور
8- أحمد علي المطري
9- احمد جابر عفيف
10- أحمد قاسم دماج
11- عبده علي عثمان
12- حمود عاطف
13- عبدالله البشيري
14- يحيى الشامي
15- احمد سالم العواضي
16- صالح عباد الخولاني
17- عبدالجليل الماوري
18- اسماعيل الفضلي
19- د. أبوبكر السقاف
20- صادق أمين أبو راس
21- محمد علي الربادي
22- احمد الخطابي
23- عبدالله عطيه
24- عبدالملك منصور
25- إبراهيم محمد الوزير
26- يحيى عبدالله الشائف
27- علي احمد السياني
28- محمد المحطوري
29- عبدالسلام خالد
30- د. ابوبكر القربي
31- احمد شمسان الدالي
32- علي عثرب
33- احمد لقمان
34- محمد اسماعيل النعمي
35- عبدالله الحزورة
36- محمد عبدالله الجائفي
37- يحيى البشاري
38- علي يحيى العاضي
39- عبدالقوي الحميقاني
40- سليمان الفرح
41- حسن جار الله
42- احمد هائل سعيد انعم
43- عبدالحميد سيف الحدي
44- قائد عبده الحروي
45- عبدالله سلام الحكيمي
46- علوي حسن العطاس
47- عبدالواحد هواش
48- محمد محمد النزيلي
49- علي عبدربه القاضي
50- محمد الشيباني.
وكان من بين اعضاء هذه اللجنة 8 اعضاء شاركوا في لجنة الخمسة والخمسين التي اشرنا اليها سابقا، وهم: حسين المقدمي، محمد الفسيل، احمد العماد، عبده علي عثمان، سنان ابو لحوم، احمد المطري، محمد المحطوري، محمد الشيباني.
المعينون في لجنة الحوار الوطني كانوا يمثلون مختلف الأحزاب السياسية «القوميون، اليساريون، الاخوان المسلمين» وهي أحزاب كانت موجودة حينها من الناحية العملية، وإن كان غير معترف بها رسمياً بحكم أن الدستور الدائم كان يحظر الحزبية، كما حظي المستقلون بتمثيل جيد في هذه اللجنة..
وكانت مهمة هؤلاء مناقشة وتطوير مشروع «الميثاق الوطني» الذي كانت بدأته عام 1978 لجنة الخمسة والخمسين التي شكلت لهذا الغرض وعززت فكرة وجود هذا الميثاق، وكان منوط بلجنة الحوار وضع مشروع لصيغة نهائية له ومن ثم عرضها على مؤتمر عام واستفتاء شعبي.
لقدكانت مهمة هذه اللجنة ليس فقط تطور مشروع الميثاق الوطني استنادا الى خبرتها، بل ان تشرع اولا في تقصي آراء ووجهات نظر المواطنين حول مجمل القضايا الأساسية التي تهم الوطن والتعرف على تطلعاتهم وتصوراتهم الفكرية، من خلال طرح مشروع الميثاق الوطني المعروض عليها وتوزيع نسخ منه عليهم باعتباره ورقة عمل قابلة للتعديل والتغيير وفق المنطلق الأساسي للمشروع من خلال تقصيها لآراء، ووجهات نظر المواطنين ولقاءاتها مع مختلف القوى والفئات والعناصر الوطنية.
وقدخول القرار الذي اصدره الرئيس اللجنة اعداد استمارات تتضمن ما تراه من الأسئلة وابداء الآراء ووجهات النظر حول مجمل القضايا والأسس الفكرية التي يجب أن يتضمنها مشروع الميثاق.
وان تشكل أية لجان سواءً من بين أعضائها أو من غيرهم ترى ضرورة لتشكيلها بهدف مساعدتها في عملها وفي التعرف على آراء المواطنين ومقترحاتهم حول مشروع الميثاق على أن تتولى مسئولية توجيه تلك اللجان وتحديد صلاحياتها ويشترط أن يرأس كل لجنة من اللجان التي تقوم بتشكيلها عضو من أعضائها.
ثم بعد هذه العملية تتولى اللجنة فرز وتلخيص نتائج الحوار الشعبي من خلال حصر ماتتضمنه ردود المواطنين على الأسئلة والاستفسارات المقدمة إليهم في الاستمارات الموزعة، وجمع حصيلة الحوار الذي تقوم بإجرائه مع مختلف القوى والعناصر الوطنية بهدف الاستهداء بذلك كله في وضع الصيغة قبل النهائىة لمشروع الميثاق الوطني الذي سيتم عرضه على مؤتمر شعبي عام لمناقشته واقراره.
وتعين على اللجنة أن ترفع ما تتوصل إليه بعد انتهائها من مهمتها في وضع الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق إلى رئيس الجمهورية ليقوم بدوره بتوجيه الدعوة لعقد مؤتمر شعبي عام.
واعطاها ذلك القرار حق رفع أية توصيات حول المؤتمر الشعبي العام قد تتوصل إليها من خلال مناقشاتها والعملية الاتصالية مع الجمهور، وممارستها لاعمالها إلى رئىس الجمهورية.
كما نص القرار بان تقوم الحكومة بتقديم كافة الامكانات اللازمة إلى اللجنة بهدف تمكينها من أداء مهمتها والقيام بالمسئولية المناطة بها .
< لجنة الحوار في المحك
في 21 يونيو 1980م عقدت لجنة الحوار الوطني أول اجتماع لها برئاسة رئىس الجمهورية، وشرعت في وضع لائحتها الداخلية وتحديد اللجان الفرعية وتحديد مهامها وكيفية طرح مشروع الميثاق وتوزيع استمارات الاسئلة على المواطنين.
وبعد أن انتخبت اللجنة من بين أعضائها المقرر وأعضاء أمانة السرتناقشت حول مسودة ذلك المشروع بهدف الوصول إلى الحد الأدنى من الفهم المشترك لما تضمنه المشروع من الأسس الفكرية والقضايا الوطنية الأساسية والتي يمكن الإبقاء عليها. كما تم انتخاب رؤساء وأعضاء خمس لجان متفرعة عن اللجنة الرئيسية هي:
1- لجنة تنظيم الحوار.
2- اللجنة الاقتصادية والسياسية.
3- اللجنة الثقافية والاجتماعية والتاريخية.
4- لجنة فرز وتبويب الآراء.
5- لجنة الصياغة.
وباشرت اللجنة أعمالها بوضع خطة عمل على اربع مراحل: شملت في المرحلة الأولى وضع لائحة داخلية تنظم اعمالها وخطة العمل الميداني لاقامة الحوار المباشر، وإعداد استمارة استطلاع الرأي حول مشروع «الميثاق الوطني» وهذه الاستمارة مكونة من 16 صفحة تضمنت 32 سؤالاً موجهه للمواطنين حول كل باب من أبواب مشروع الميثاق ووزع منها أكثر من 200 ألف استمارة إلى جانب أكثر من 100 ألف نسخة من مشروع الميثاق، وشكلت لهذا الغرض 26 لجنة فرعية للحوار المباشر يرأس كل لجنة عضو في لجنة الحوار الوطني وانيط بها مهمة الاشراف على عقد مؤتمرات مصغرة للحوار في كثير من مناطق الجمهورية ومن بين هذه اللجان كانت هناك لجنة واحدة تولت استطلاع رأي المغتربين في الخارج، أما المرحلة الثانية التي بدأت في 17 فبراير 1980م واستمرت إلى يناير 1981م فقد بدأت باجتماع عقد بالعاصمة بحضور جميع اللجان الفرعية التي تولت بعد ذلك عقد وتنظيم المؤتمرات الشعبية المصغرة في النواحي لاستطلاع آراء المواطنين حول مشروع الميثاق، وعقد من هذه المؤتمرات 25 مؤتمراً جرى فيها حوار وتم تسجيل الآراء على الاستمارات التي عادت بها اللجان إلى العاصمة لتبدأ بعد ذلك المرحلة الثالثة المتمثلة بتفريغ المعلومات من تلك الاستمارات وفرز ما دون فيها حسب الأبواب ثم في المرحلة الرابعة وضعت الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق على ضوء تلك الآراء والمعلومات، وارفقت الصيغة مع تقرير قدمته لجنة الحوار إلى رئىس الجمهورية في 23 مارس 1982م، شرحت فيه تجربتها، ونجد انه من المناسب ايراد بعض ما ورد فيه باختصار، فقد قالت اللجنة في ذلك التقرير انها بدأت بوضع خطة إعلامية للحوار ووضع التصورات والمقترحات الخاصة بعقد الندوات واللقاءات والمؤتمرات الشعبية المصغرة، واعداد النماذج المدروسة والمتكاملة لاستمارات استبيان آراء المواطنين.
وبعد حوارات ومناقشات طويلة ومتواصلة تمكنت اللجنة مع مسئولي الإعلام من وضع خطة إعلامية شاملة تستهدف قيام وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة بالدور الأكبر في تهيئة الجماهير وابراز أهمية مشاركة جميع أبناء الشعب في الحوار الوطني، وليتمكن المواطن من خلالها وبواسطتها، أن يبدي رأيه ويعبر عن وجهة نظره بحرية تامة وبكل وضوح، وقد تحقق ذلك من الناحية العملية... وفي ذات الوقت كانت اللجنة قد اشرفت على الانتهاء من إعداد واقرار نماذج استمارات استبيان آراء ووجهات نظر المواطنين التي استغرق اعدادها وتصميمها وقتاً طويلاً من الدراسة الشاملة والحوار الواعي لمايجب مراعاته في الاستمارات من اعتبارات دقيقة وبطريقة مبسطة ومفهومة وبتجرد يحول دون الايحاء بتأييد فكر أو اتجاه معين.
وقامت لجنة الحوار الوطني بترشيح وانتخاب رؤساء اللجان الفرعية من بين أعضائها، ومن خارجها، ثم اختيار الأعضاء والذين سعملون على مستوى مدن المحافظات و القضوات والنواحي في عموم انحاء الجمهورية.
ودعيت كل اللجان إلى حضور اجتماع موسع عقد بالعاصمة في 14 ديسمبر 1980م حضره الرئىس ووجه فيه كلمة تاريخية إلى الشعب ورد فيه على الكثير من التساؤلات والاستفسارات.
ثم تحركت اللجان الفرعية إلى مختلف مناطق الجمهورية ابتداءً من 16 ديسمبر 1980م إلى 4 يناير 1981م عقدت خلالها الندوات والمؤتمرات الشعبية المصغرة في مختلف مناطق البلاد وتم توزيع استمارات الاستبيان مع نسخ من مشروع الميثاق على المواطنين لاشراكهم في الحوار الوطني وتمكينهم من ابداء آرائهم حول ما ورد في مشروع الميثاق.
ونتيجة لحماس مشاركة المواطنين وتفاعلهم اضطرت اللجنة إلى طبع كميات إضافية اخرى من نسخ المشروع واستمارات الاستبيان وارسالها إلى اللجان الفرعية.
في 15 فبراير 1981م عقدت لجنة الحوار الوطني اجتماعا ترأسه رئىس الجمهورية انحصرت مناقشاته على موضوعي الفرز والصياغة، لأن اعضاء اللجنة اختلفوا حوا هذه القضية، وكانت النتيجة ان تحولت لجنة الحوار الوطني بكل اعضائها إلى لجنة فرز وصياغة حلا للخلاف نظراً لأهمية العمل وجسامته واستدعائه إلى جهود وتعاون كل أعضاء اللجنة لما يتطلبه من التحري والتروي وأعمال الفكر في فرز وتصنيف الآراء والردود ووجهات النظر حسب توجهاتها وتفرعاتها وابوابها كخلاصة لنتائج الحوار الوطني.
بعد ذلك بدأت اللجنة صياغة المشروع مستهدية بأغلبية آراء المواطنين وتطلعاتهم الوطنية وتصوراتهم الفكرية في التعديل والتغيير، وفي الإلغاء أو الإضافة وبالتالي في وضع الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق الوطني.
ولم تتوصل اللجنة الى ذلك المشروع الا بعد نقاش وجدل ساخن بين اعضائها، وكانت تقر الصيغة النهائية لأي نص في كل باب بعد نقاش وحوار بين الأعضاء والتصويت عليها بالأغلبية، وبعد الانتهاء من الصياغة الأولية للمشروع قامت اللجنة بمراجعته واقرته في 4 أكتوبر 1981م بالتصويت حيث حصل على اجماع اعضاء اللجنة، ثم قدم مشروع الميثاق لرئيس الجمهورية بصيغته قبل النهائىة، وارفقت معه تقريراً موجزاً عن نتائج اعمالها وحصيلة جهودها التي استمرت نحو عام وتسعة أشهر.
وقالت اللجنة في التقرير الذي رفعته الى الرئيس: «لقد جاء قراركم الشجاع استمراراً للنهج الديمقراطي الذي اتسم به عهدكم منذ اللحظة الأولى لتوليكم مسئولية الحكم في يمن الثورة والجمهورية وتعبيراً صادقاً عن توجهكم الوطني وإيمانكم بأهداف ثورة 26 سبتمبر العظيمة وترجمتها إلى واقع يعيشه الإنسان اليمني، وحرصكم على أن يكون الشعب- كل الشعب- هو وحده صاحب الحق في صياغة نهجه الوطني الموحد وهو وحده الذي يملك حق التعبير عن ارادته وطموحاته الوطنية وهو وحده القادر على إيجاد فكر وطني متكامل نابع من ارادته وعقيدته يجمع بين الاصالة والمعاصرة وفق مبادئ ثورة سبتمبر المجيدة، وقيم الإسلام الخالدة، ومبادئه السامية وصولاً إلى تحقيق وحدة فكرية تعزز وتكرس الوحدة الوطنية الشاملة على أسس ثابتة تقوم على العدل والحرية والديمقراطية ويسودها الأمن والاستقرار والازدهار. كما جاء ذلك القرار معززاً لفاعليات المؤسسات والهيئات الشعبية والمجالس البلدية والنقابات والجمعيات التي نشأت في ظل الحكم الديمقراطي بقيادتكم الحكيمة وواكب- في نفس الوقت- منجزات ثورة سبتمبر في مختلف مجالات التنمية والبناء والتطوير. وإذا كنتم بالقرار الجمهوري الخالد قد بصرتم اللجنة وأنرتم طريقها فوضحتم المنطلقات والقواعد الأساسية التي يرتكز عليها مشروع الميثاق والفلسفة العامة للمجتمع.. فإنكم- أيضاً- قد هيأتم للحوار الوطني فرص وعوامل النجاح بتمثيل كل القطاعات والفئات الشعبية في لجنة الحوار الوطني وتمكين كل أبناء الشعب من الافصاح والادلاء بآرائهم والتعبير عن تطلعاتهم ووجهات نظرهم، ومن ممارسة حقهم في المشاركة الفعالة بصياغة فكرهم الوطني في جو ديمقراطي خال من كل مظاهر الضغط والتأثير والاملاء، لأي موقف أو رأي».
اقرار الميثاق
في 31 أغسطس 1981م قدمت لجنة الحوار الوطني مقترحاً إلى رئىس الجمهورية بأن يحدد عدد أعضاء المؤتمر الشعبي العام بألف عضو. وفي 19 أكتوبر 1981م اصدر الرئىس قرار رئىس الجمهورية رقم 18 لسنة 1981م الذي حدد بموجبه عدد أعضاء المؤتمر الشعبي العام، حيث نص بأن يتكون المؤتمر الشعبي العام لاقرار مشروع الميثاق الوطني من ألف شخص (سبعمائة شخص ينتخبون من قبل المواطنين) من مختلف مناطق الجمهورية على ضوء الاحصاء السكاني لعام 1981م وهذا العدد يمثل 70% من إجمالي الأعضاء، بينما 30% يعينون من القيادة السياسية.
وفي نفس التاريخ اصدر القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1981م الذي قضى بتكليف اللجنة العليا للانتخابات واللجان الفرعية لانتخابات هيئات التعاون للموسم الانتخابي التعاوني الثالث بالاشراف على انتخاب ممثلي المواطنين في المؤتمر الشعبي العام وقد بدأت هذه الانتخابات في ديسمبر1981 على مرحلتين، الاولى على مستوى العزل والثانية على مستوى النواحي او المديريات.
- وعقب ذلك اصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 53 لسنة 1982م عين بموجبه 309 أعضاء في المؤتمر الشعبي العام. وفي 31 مارس 1982م وجه رئيس الجمهورية رسالة إلى رئىس وأعضاء لجنة الحوار الوطني رداً على رسالتهم المرفوعة إليه في 23 مارس 1982م والتقرير الذي تضمن النتائج الإيجابية المهمة للعمل الوطني التاريخي الذي اضطلعت به وأبرزها الوصول إلى استبيان رأي الشعب في مشروع الميثاق الوطني بصورته النهائية تمهيداً لعرضه على المؤتمر الشعبي العام لمناقشته واقراره والتخطيط للمرحلة الوطنية القادمة.
وجاء في الرسالة : وفي هذا الصدد لاننسى أن نقف وقفة تقدير لدقة وديمقراطية العمل الذي قامت به لجنتكم واللجان الفرعية في استقراء واستبيان رأي الشعب عبر التحرك الواسع بين صفوف جماهير شعبنا اليمني والتي كانت المؤتمرات الشعبية المصغرة في كل مناطق الجمهورية صورة مشرفة للعمل الديمقراطي الذي املاه شعبنا، وجاء وفقاً لخياراته دون فرض من احد أو ضغط من أية جهة، فهو بشهادة شعبنا وشهادتنا مع الشعب ثمرة حية ناضجة لمناخ الحرية الذي يتمتع به وطننا وشعبنا بحمد الله.
وانه - مواصلة منا لنفس المسيرة الثورية الحقة التي اختارها الشعب وارتضاها، ولمزيد من تأكيد الديمقراطية، وتعزيز قوة الوحدة الوطنية،- فقد قررنا تكليفكم بمهمة الإعداد والتحضير للمؤتمر الشعبي العام لاقرار الميثاق الوطني، على أن يتم في اقرب وقت ممكن خلال هذه السنة التي سوف يحتفل فيها شعبنا بالعيد العشرين لثورته السبتمبرية . واني لواثق ثقة كاملة بأنكم سوف تعطون هذه المهمة كل الجهد والطاقة والحيوية التي اعطيتموها في تنفيذ المهمة السابقة، باعتبار أن المهمتين متلازمتان، وتخدمان هدفاً ديمقراطياً وطنياً واحداً، يعتبر من أهم أهداف ثورتنا العظيمة وأغلى غايات شعبنا اليمني المكافح مؤكداً لكل شعبنا اليمني بأننا سنكون على الدوام حريصين كل الحرص على مواصلة تجسيد أهداف الثورة وتحقيق غايات الشعب والتفاعل مع خصوصياته، وسوف نعمل على توفير كل اسباب النجاح لمهمتكم.
وفي 12 أغسطس 1982م اصدر قرار رئيس الجمهورية رقم 54 لسنة 1982م قضى بدعوة المؤتمر الشعبي العام للانعقاد ابتداءً من يوم 24 اغسطس1982 على أن يتولى المشاركون في هذا المؤتمر اقرار الميثاق الوطني في صيغته النهائىة.وتحديد اسلوب العمل لتطبيق هذا الميثاق في المرحلة القادمة التي تعقب المؤتمر الشعبي العام.
وقبل ذلك الوقت لم تكن هناك تصورات محددة وواضحة حول آلية تطبيق الميثاق أو تحديد لأسلوب العمل السياسي في الفترة القادمة، فقد كان الاهتمام منصب حول طريقة اقرار مشروع «الميثاق الوطني» ليكتسب شرعية وطنية.. وبرز اتجاهان الأول يرى عقد مؤتمر شعبي عام يتولى اقرار مشروع هذا الميثاق، والاتجاه الآخر كان يرى عرض مشروع الميثاق على المواطنين في استفتاء عام، وفي النهاية أخذ بالخيارين معاً، حيث عرض المشروع للاستفتاء العام ثم اقراره من المؤتمر الشعبي العام الذي شارك فيه 1000 عضو من مختلف انحاء الجمهورية ويمثلون جميع التيارات السياسية والاجتماعية والقيادات العسكرية، حيث عرضت على المشاركين في المؤتمر العام استمارة الاقرار النهائي لمشروع الميثاق الوطني، وصيغة هذه الاستمارة هي «هل توافق على صيغة مشروع الميثاق الوطني المسلم إليك نسخة منه مع هذه الاستمارة وهي الصيغة التي توصلت إليها لجنة الحوار الوطني من خلال الاستبيان العام والمؤتمرات الشعبية؟.. إذا كان الجواب بالموافقة اجب بنعم.. وفي حالة وجود أي ملاحظات تفضل بكتابتها فيما يلي موضحاً الأسباب.. وتركت في الاستمارة مساحة فارغة لتسجيل الملاحظات أو الآراء.. ومذيلة باسم وتوقيع العضو..»، وبعد إعادة صياغة الميثاق على ضوء تلك الملاحظات وضع للتصويت وحاز على موافقة المشاركين في المؤتمر العام بالاجماع.
وداخل المؤتمر العام الذي عقد خلال الفترة 24-29 أغسطس 1982م جرى نقاش حول أسلوب العمل السياسي أو الإداة التي ستطبق الميثاق في الواقع العملي، فتم الاتفاق على استمرارية «المؤتمر الشعبي العام» كتنظيم سياسي يكون «الميثاق الوطني» هو دليله النظري، ومن ثم بدأت عملية تحويل هذا المؤتمر من تجمع مهمته اقرار مشروع الميثاق وينتهي دوره عند هذه المرحلة الى تنظيم سياسي له برنامج سياسي ونظام أساسي ولوائح تنظيمية.
كان الرئيس علي عبدالله صالح يسعى من خلال المؤتمر الشعبي العام ليس إلى منح الميثاق الوطني شرعية وطنية وملىء الفراغ السياسي او تكوين تحالف سياسي له صيغة تنظيمية و تعبر الأحزاب من خلاله عن تطلعاتها وتشارك في السلطة فحسب، بل إن إنشاء مثل هذا التنظيم السياسي في الشمال كان ضرورة بالنسبة لصنعاء لتتوافر على «تنظيم سياسي موازي لما هو موجود في الجنوب» ويقود آلية للتفاوض في مجال العمل الوحدوي، فبموجب المادة التاسعة من بيان طرابلس (26 نوفمبر 1972م) يتعين «إنشاء تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب» وتشكيل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي لهذا التنظيم الذي سيتولى السلطة بعد الوحدة، وفي الجنوب كان هناك تنظيم سياسي يتولى السلطة (الجبهة القومية) وحتى مجيء الرئىس صالح إلى السلطة لم يكن قد نشأ في صنعاء تنظيم سياسي، فبعد بيان طرابلس حاول الرئيس عبد الرحمن الارياني اقامة مثل هذا التنظيم مطلع عام1973 باسم الاتحاد اليمني، ورغم ان التنظيم شكل رسميا الا انه كان عديم الفعالية نظرا لعدم قدرته على القيام بوظيفته، ولم تكن له هوية محددة او برنامج عمل سياسي او مرجعية فكرية، وقد الغي بعد تولي الحمدي السلطة في 13 يونيو1974م.

المصدر-كتاب غير منشور للاستاذ فيصل الصوفي

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-8478.htm