الميثاق نت -

الجمعة, 23-يناير-2009
د/عادل الشجاع -
اعتقد أن القوى السياسية اليمنية تقف الآن في مفترق طرق يحتم عليها الإسراع بتحديد مسارها نحو الاتحاه الصحيح بعد أن لعب الجميع في الماضي دوراً في إضعاف بنية الدولة وكسر هيبتها. تلك التداعيات السلبية قد جعلت البعض بوعي أو بدون وعي ينزلق نحو الماضي ومحاولة استعادته واللجوء إلى مشاريع صغيرة على حساب المشروع الكبير مشروع الوحدة.
لقد حاول هذا البعض توظيف الوحدة الوطنية لخدمة أهداف ومقاصد مريبة من حدة الانقسام الوطني وتفتح الباب على مصراعيه لعمليات اختراق مخيفة للأمن الوطني، ولا أخفي عليكم قلقي تجاه ما يجري على الساحة الوطنية وهذا يدفعني لأن أقول بوضوح أن الأحزاب السياسية لم تكن يوماً ما بحاجة إلى وقفة للمراجعة ومحاسبة الذات بمثل ما تحتاجه اليوم لكي تجهض تلك المشاريع الصغيرة التي تستهدف الوطن والشعب. والحقيقة أن هذا الذي يجري إنما يراد له اختراق الوحدة الوطنية وما يجري ليس مفيداً لكل القوى السياسية خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة العربية حيث تغيرت الموازين وتبدلت الحسابات.
ولست أظن أنني بحاجة إلى القول إنه على الرغم من التداعيات السلبية لمأزق مقاطعة اللقاء المشترك للانتخابات البرلمانية إلا أنه ما زال بإمكاننا أن نصل إلى المقاصد المشروعة إلى حيث نريد بشرط أن نبدأ البداية الصحيحة وأن نقدم تنازلات من أجل الوطن ويكون هدفنا تعزيز التنمية وأن نعترف دون خجل بأخطائنا لكي نعالجها ونحاول تصحيحها.
ونقطة البداية في اعتقادي تبدأ من إدراكنا لحاجة الوطن إلى صياغة مرجعية سياسية تجرم المساس بالأمن وتعرض الاستقرار للخطر، ونحاول جميعاً أن نغلق الباب أمام كل محاولات التسلل والاختراق غير المشروع للجسد الوطني بذريعة الحراك الجنوبي الذي بدأ يميل إلى العنف وقطع الطريق العام بقوة السلاح وهذا لعمري مؤشر خطير لا يخدم أحداً لا في السلطة ولا في المعارضة ولا يخدم مشروع الدولة الحديثة، وأنا هنا أدعو كل الأطراف من المؤتمر إلى اللقاء المشترك وهي دعوة مشروعة من مواطن تشغله قضايا وطنه، ينطلق من حق الاجتهاد، وأن ما يجري لا يمكن السكوت عليه، لأن ذلك سيقود إلى خسارة الأمن والاستقرار، وحينها لن ينفعنا البكاء على الأطلال، ولعل ما جرى في العراق وفلسطين والصومال وما يجري في السودان خير دليل على ذلك، فقد ذهبت المعارضة إلى كسب نفسها وخسرت الوطن.
ولا أزعم أنني أملك تصوراً محدداً حول إمكانيات إقناع المعارضة بالدخول أو المشاركة في الانتخابات لكنني أثق أن رئيس الجمهورية بوصفه رئيساً لكل الأحزاب السياسية اعتقد أنه يمتلك القدرة على جعل المؤتمر يقدم تنازلاً لصالح الوطن وهذا هو قدر الأحزاب الكبيرة التي تمتلك خبرة سياسية ولديها القدرة على قيادة المستقبل، وإذا كان الرئيس علي عبدالله صالح قد استطاع بجهد جبار وبمثالية عالية خلق علاقات مع كل الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية، فإن ذلك قد يصعب الرهان عليه مستقبلاً إذا لم تسع الأحزاب السياسية إلى تقديم مصلحة الوطن على مصالحها الشخصية، وعلى المعارضة أن تقدم تنازلات أيضاً من أجل استمرار التجربة الديمقراطية، فماذا يعني أن نخسر لبعض الوقت ويكسب الوطن، تحتاج الأحزاب السياسية في الوقت الراهن إلى إيجاد رؤية واقعية تستخلص كل مآزق الماضي وتفادي أي تطورات غير مدروسة أو الانزلاق نحو لعبة المزايدات التي لا تملك سوى دغدغة المشاعر.
ربما أصبح من الأهمية بمكان أن تراجع الأحزاب السياسية مواقفها وتتأهب لمواجهة أي عبث مجنون، يمكن أن تقدم عليه جماعات منفلتة هنا وهناك، ويقع الجانب الأكبر من المسؤولية على عاتق الحزب الاشتراكي الذي ينبغي عليه أن يفصل كل من يعادي الوحدة ويجعلهم بدون غطاء حزبي.
وعلينا أن نقلق كل ملفات الخلافات والحساسيات والتناقضات الداخلية والوقوف تحت راية الوحدة الوطنية وخلق هدف واحد يواصل التراكم الديمقراطي.
إن المسؤولية الوطنية تفرض على الجميع أن يدركوا أنهم أمام مؤشرات مجنونة تنذر بعواقب خطيرة قد لا تكون في حسبان الذين يلعبون بالنار.. وهي نار لن تستثني أحداً لأن وقودها الشحن الخاطئ ضد السلطة وهي تتغذى بصمت الأحزاب السياسية وبعض مراكز القوى الأخرى.
إن صوت العقل ينادي بوقفة جادة وحازمة مع ما يجري في كثير من محافظات الجمهورية سواء اختطافات أو قطع طريق أو اعتداء على رجال الأمن أو إساءة لأعلى سلطة في البلد. إن المسؤولية الوطنية التي تقع على أحزاب المعارضة بالذات تحتم عليها ألاّ تجاري مشاعر الإحباط وألا تشجع المواقف الانفعالية وإنها مطالبة بتقديم التشخيص الدقيق، وتقديم مقترحات بالحلول إن المواطن يحتاج في هذه المرحلة إلى خطوات حقيقية تقوم على حسابات دقيقة.
إن ما يزيد من صعوبة الموقف أن المسألة انتقلت من مجرد أصوات مطالبة بالحقوق إلى أصوات معادية للوطن وضخ ثقافة الكراهية.
إنني أعتقد أن هذه الإشارات القادمة من بعض المحافظات والمنذرة بالخطر تستوجب استنفاراً سياسياً باتجاه إزالة كل أسباب الخلاف بين الأحزاب السياسية وتجاوز كل أشكال الخصام.
أخيراً يمكن القول إنه لا بد من وضع خطة استراتيجية للحوار والتسامح وكذلك لحماية الوحدة من المتشددين ومن أولئك الذين يسخرون من النظام، وأن تكون هذه الخطة من خلال فريق من المفكرين، فالموضوع مهم وجاد وعلينا أن نكون واثقين أن المستقبل للأفكار التقدمية وليس الرجعية والحوار هو الذي يحقق هذا الفرز والاختيار.

عن صحيفة الثورة
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:14 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-8715.htm