الخميس, 12-فبراير-2009
الميثاق نت - جلول يكتب عن وساطة اليمن بين الفصئل الفلسطينية فيصل جلول -

كثيرون لم ينتبهوا لثوابت السياسة الخارجية اليمنية في مقاربتهم للموقف الرسمي من المبادرات العربية التي اتخذت على هامش حرب غزة الأخيرة.لقد اعتقد البعض أن صنعاء تقف إلى جانب طرف عربي ضد طرف آخر، واعتقد بعض ثان ان صنعاء تراجعت عن دعوتها في بداية الحرب لعقد قمة عربية
بسبب حسابات مخفية، واعتقد بعض ثالث أن اليمن تعرضت لضغوط حملتها على تغيير سياستها ونقلها من ضفة إلى ضفة أخرى. والاعتقاد خاطىء في الحالات الثلاث، وهو خاطىء بالضبط لأنه يهمل ثوابت أساسية في السياسة الخارجية اليمنية.
الثابت الأول هو ان صنعاء اختارت - منذ تسلم الرئيس علي عبدالله صالح زمام الأمور في البلاد نهجاً سياسيا محايداً في صراع المحاور العربية المتصارعة في القضايا التي يجب أن تحظى بإجماع عربي.وإذا كان من الطبيعي أن تقف مع الذين وقفوا معها في مشروعها الوطني التوحيدي، وان تتجنب العداء السافر والحاد مع الذين ناهضوا الوحدة ،فإنها ما انخرطت يوما في صراع المحاور عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية أو بالحرب الأهلية اللبنانية أو الحرب الأهلية العراقية أو الحرب الأهلية الصومالية.في هذه القضايا كان اليمن محايدا مع الشعوب المعنية ومناهضا بقوة للاحتلال حيثما وجد. والحياد اليمني ليس مستهجنا في هذه المسائل ذلك أن صنعاء عانت طويلا من حروب الأهل والتشطير وبالتالي تعلم علم اليقين معنى الانخراط في دعم هذا الطرف الأهلي واستعداء ذاك.فهي كرهت التدخل الخارجي في شؤونها ومن الطبيعي ان تمتنع عن التدخل في شؤون أشقائها.
الثابت الثاني هو ان صنعاء ما كانت يوما محايدة إزاء القضية الفلسطينية بل كانت على الدوام في طليعة الدول التي دعمت وناصرت الفلسطينيين كل الفلسطينيين مع تجنب الاصطفاف مع طرف ضد آخر أو منظمة ضد أخرى.فعلاقتها مع فتح لا تقل أهمية وجودة عن علاقتها مع حماس؛ ولعل هذا الدعم من الموقع المحايد هو الذي أتاح لصنعاء أطلاق العديد من المبادرات لرأب الصدع الفلسطيني، ولو لم تكن محل ثقة من الأطراف الفلسطينية المختلفة لما استجابت الفصائل مرة بعد مرة لمساعي المصالحة اليمنية ،ولمّا التقى في صنعاء في وقت واحد التيار الفلسطيني المقاوم والتيار الماركسي والتيار المفاوض، ومن الجدير ذكره ان مثل هذه اللقاءات نادرا ما تعقد في عاصمة عربية أخرى.
والثابت الثالث هو أن الحياد اليمني إزاء سياسة المحاور العربية منح صنعاء هامشا كبيرا للمناورة وعزز دورها الوسيط الذي اختارته طواعية لإصلاح ذات البين في عالم عربي شديد الاضطراب والانقسام والتشرذم. لقد نجحت صنعاء من خلال موقع الوسيط في تنشيط الدورة الدموية لمؤسسة القمة العربية،فكان ان عادت بعد طول غياب للاجتماعات الدورية وساهمت انطلاقاً من موقع الوسيط في التقريب بين الفصائل الصومالية وفي دعم المصالحات الوطنية في العراق ولبنان وفلسطين.
الثابت الرابع هو ان الحياد اليمني محصور بالمحاور فقط وهو لم يشكل قيدا في يوم من الأيام على حركة الرأي العام اليمني الذي ملأ الشوارع في العاصمة والمحافظات دعما للبنانيين في حرب العام 2006م وللفلسطينيين في حرب غزة وللعراقيين في مقاومة الاحتلال والتدخل الأجنبي.هكذا هو اليمن المحايد والممتنع عن التدخل في الشؤون الداخلية لاشقائه ، هو نفسه اليمن المنحاز بشعبه ودولته إلى جانب الشعوب العربية التي تتعرض للاحتلال والغزو الاجنبي.هكذا هو اليمن المحايد في صراعات الفصائل الصومالية المتنازعة هو نفسه الذي يأوي عشرات الآلاف من اللاجئين الصوماليين الهاربين من الحرب وآلاف اللاجئين العراقيين والفلسطينيين.
لا تحتاج اليمن ان تصطف في محور عربي كي تدعم بقوة القضية الفلسطينية وكي تساعد أهالي غزة المحاصرين بل ان تفتح باب التطوع للراغبين من أبنائها في نصرة إخوانهم. أما الحديث عن ضغوط خارجية أدت إلى تغيير مزعوم للموقف اليمني فهو ينم عن قلة دراية وخبرة بشؤون القيادة اليمنية وطرق عملها. لقد رفضت هذه القيادة املاءات القوة الأعظم في العالم خلال فترة الحرب على الإرهاب ورفضت تسليم مواطنيها للولايات المتحدة الأمريكية ولو كانت قمينة بالخضوع للضغوطات لقبلت شروط الأقوياء وضغوطهم وليس شروط وضغوط من هو أقل منهم نفوذا وقوة في العالم.
تبقى الإشارة إلى أن ثوابت السياسة الخارجية اليمنية ليست مستمدة من المبادئ فحسب ،فهي أيضا متناسبة مع المصالح الوطنية العليا ذلك ان اليمن الموحد والنامي يحتاج الى علاقات اقتصادية جيدة مع كافة اشقائه، واليمن الموحد لا يمكنه ان ينخرط في سياسات الشرذمة والانقسام بين المحاور العربية. واليمن الذي صدرت من أرضه الحكمة لا يمكنه ان ينتهج سياسة غير حكيمة في عالم عربي تكاد بعض قياداته ان تفقد عقلها. إن وقوع المصالحة المبدئية في قمة الكويت يبين بوضوح ان رأب الصدع هو مطلب العرب كل العرب وان اجتماع العرب في قمة شاملة أفضل من تنازعهم خارج القمة خصوصاً عندما يشتد الضغط عليهم من أعدائهم ومنافسيهم الإقليميين.
عندما يتمحور العرب كل في جهة وكل في واد لن تجدوا اليمن في اي محور بل على مفترق المحاور يسعى لتوحيد الصف وإعادة البوصلة إلى الاتجاه الصحيح فإن افلح كان مشكوراً وان اخطأ عاد إلى الحياد وامتنع عن صب الزيت على النار بانتظار ظروف أفضل وما تعدى ذلك في عرف اليمنيين لا يعول عليه.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:05 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-9004.htm