سمير رشاد اليوسفي - رئيس مجلس ادارة مؤسسة الجمهورية للصحافة -
مايلفت الانتباه أن الأربعة من أعضاء تنظيم القاعدة الذين قبضت عليهم الأجهزة الأمنية صباح أمس، هم من صغار السن ، الذين وقعوا ضحية لتعبئة مكثفة ، وغسيل دماغ من قبل مراهقين أكبر منهم سناً ، وأكثر منهم نزقاً وطيشاً ... فالمراهقون ليسوا المتابعين لصرعات الموضة، وأغاني الفيديو كليب وأفلام البورنو فقط ، كما أنهم ليسوا من الفئة العمرية التي تقع بين الـ 13 والـ 20عاماً .. فهناك مراهقون يصومون النهار ، ويقومون الليل ، ويحفظون القرآن ، وفيهم من بلغ أرذل العمر ، لكنهم ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخوارج الذين قتلوا (الإمام علي ) ـ زوج ابنته وأبا أحفاده ـ : يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية..
ـ ومن طرائفهم أن أحد كبار الصحابة ، وقع بين أيديهم ، فسألوه عن دينه، وخوفاً من أن يقتلوه إذا ما عرفوه قال لهم : «مشركٌ مستجيرٌ» ، فقال بعضهم لبعض : أبلغوه مأمنه ، التزاماً بنص الآية : «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يبلغ مأمنه» والمغزى لا يحتاج إلى بيان.
ـ كما يلفت الانتباه أيضاً ، أن واحداً من المقبوض عليهم ، كان يشترط لتسليم نفسه حضور «الشيخ» ، ومن المستبعد في حال هؤلاء أن يكون شيخ قبيلة، وإنما مراهق مثله، بدرجة شيخ ، يجيد تلقين التعصب ، وغرس الأحقاد ، وحشو عقول الأغرار، بضلالات وأوهام، كما يجيد ربط أجسادهم بالأحزمة الناسفة ، والألغام ، والديناميت ..
ـ والتشخيص الذي قدمه الدكتور/ رشاد العليمي وزير الداخلية في مؤتمره الصحفي مساء أمس ، حول تنظيم القاعدة في اليمن ــ الذي ينتمي له من حاولوا تفجير منشآت النفط في صافر والضبة أمس الأول ، والأربعة المقبوض عليهم صباح أمس ــ تشخيص دقيق ، فهو تنظيم عنقودي يصعب اكتشاف جميع خلاياه، وأفراده ـ الذين يفجرون أنفسهم ـ من ضحايا التعبئة الدينية المتطرفة ، لمتعصبين شوفينيين ، يلقنونهم مفاهيم وسلوكيات مغلوطة باسم الإسلام ، فيقتلون ويُـقتلون ، من أجل تحقيق مطامح ومآرب مشائخهم الذين يخلطون الدين بالسياسة ، ويقدمونهم قرابين في مذابحهم الشيطانية.
ـ التوقيت يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب ، حيث هناك من يريد تحويل المعترك الانتخابي ــ بما يكتنفه من سجالات ديمقراطية ، وحوارات سياسية راقية ــ إلى معارك دموية .. وليس مستبعداً تأثير الخطاب الديني المسيّس لبعض المرشحين بما انطوى عليه من استفزاز ، واستهداف للمنافسين بعصبية مقيتة ، واستخدام متقن للموارد السيادية للدولة، مثل النفط والغاز، في الإثارة والتحريض دون مراعاة للمسئولية الاجتماعية ، التي يفترض أن يتحلى بها كافة النخب السياسية.
ـ وحتى إن قلنا: إن تنظيم القاعدة استغل هذا التوقيت، لإبراز عضلاته، فإن ذلك الخطاب الحزبي المتعصب هو الذي حدد له الزمان والمكان ، وليس مهماً أن يكون هذا التحديد عن وعي وقصد ، أو عن جهل وعدم إلمام ، فالمهم أنه حاول تسميم المناخ الديمقراطي ، وتعكير صفو اليمنيين الذين ينتظرون صباح الأربعاء المقبل بفارغ الصبر.
ـ وما يلفت الانتباه في موضوع الإرهاب أيضاً، أن محاربته وتجفيف منابعه خلت من كل برامج المرشحين للمحليات ، وباستثناء مرشح واحد للرئاسة ، أكد ضرورة الاستمرار في مكافحة الإرهاب، فقد خلت بقية البرامج من الإشارة إليه ، إن لم يكن بعضها قد حرّض ، كما فعل حزب سياسي بعد أحداث سبتمبر عندما حدد للأمريكان أهدافاً بصنعاء باعتبارها معقلاً للإرهابيين ، ولا أريد الخوض في المزيد كي لا نقع في المحذور.
ـ وربما من الأسلم أن أعود لأستاذي وصديقي الدكتور/ رشاد العليمي ، الذي حاول أحد الصحافيين جره للحديث عن المحظور السياسي ، فرد عليه بكلمات يمكن أن تكون تلخيصاً لفكرة هذه المقالة : «هناك فرق بين حرية الرأي والتعبير وبين حرية التفجير» والكلمتان الأخيرتان اختزال من عندي ، فالصحيح أن هناك من يعبر عن رأيه مستخدماً شواهد وأحاديث نبوية في غير سياقها ، لأنها تجافي التداول السلمي للسلطة ،الذي هو جوهر الديمقراطية .. إلا أن هذا الخطأ لا يمكن أن يوضع في كفة توازي خطيئة من يستخدمون الدين في إلغاء الآخر وسبه وشتمه وتكفيره ، وفي هذا المضمون فقد أعطاني أحد السلفيين أمس منشوراً يحتوي على فتوى لشيخ السنة ناصر الدين الألباني تضمنت عدم مشروعية أحد الاحزاب الدينية في اليمن ، قال : إنه عندما حاول توزيعها في مسجدٍ عقب الصلاة سحب منه أحدهم الورقة ومزقها وداسها برجله ، وعندما لفت انتباهه لاحتوائها على قرآن كريم ، سبه وشتمه وكاد أن يضربه.
ـ ولست متعصباً لأحدهما على الآخر، وإنما أشير إلى خطورة استخدام النص الديني في مواضع سياسية، مجالها طرح الرؤى والبرامج السياسية والاقتصادية والثقافية .. فلا نريد لديننا الحنيف أن يتحول إلى أداة للضغط والاستقواء ، أو وسيلة لحشد الأنصار، حتى لا يأتي يوم يجرجرنا فيه عتلٌ زنيمٌ لنقسم له بالحنـّان المنـّان أن لا نختار غير الجعنان.