الأربعاء, 25-فبراير-2009
الميثاق نت -    محمد منصور -
تابعت على العديد من المحطات الفضائية هذا الأسبوع، ما تتعرض له مدينة القدس من استمرار لعملية التهويد التي كان آخر فصولها، التهديد بهدم ثمانين منزلا في حي البستان في القدس الشرقية بحجة بنائها من دون ترخيص، وقد عرض برنامج (ما وراء الخبر) على قناة 'الجزيرة'، أرقاماً مرعبة، تبرز الجهود الحثيثة لإسرائيل في المضي في مخططها، لعل أبرزها أنه منذ عام 2000 هدمت إسرائيل 776 منزلا عربياً في القدس!
وقد استحضر المشاركون في البرنامج قصصاً وحوادث، ما زالت في بال المتابعين، لعل أبرزها ما حدث لحارة المغربي الشهيرة التي هدمتها إسرائيل عن بكرة أبيها عام 1967، فدمرت فيها 135 مبنى ومنزلا دفعة واحدة!
وكانت 'مؤسسة الأقصى للوقف والتراث' قد كشفت في بيان لها صدر في الخامس من شباط (فبراير) الجاري، عن قيام سلطة الآثار الإسرائيلية بتمويل ورعاية جمعية 'إلعاد' الاستيطانية بحفر نفق جديد، يقع على يسار مسجد عين سلوان، في حي سلوان بالقدس، جنوبي المسجد الأقصى. ويهدف حفر هذا النفق الى وصله بشبكة الأنفاق التي تحفر في حي سلوان على امتداد مئات الأمتار وتصل الى أسفل المسجد الأقصى المبارك عند الزاوية الجنوبية الغربية.. ويهدد حفر هذا النفق الذي بدئ العمل به مؤخرا المسجد والمنازل المجاورة بالانهيار..!!
وإذا عدنا إلى سجل إسرائيل الحافل في هذا السياق، لوجدنا أنها لم تقصر يوماً في مفاجأة العرب بحلقات جديدة من مسلسل تهويد القدس الطويل، والعبث بمقدساتها، فمعركة الأنفاق تحت المسجد الأقصى ليست جديدة... وقد بدأت أولى فصولها في تسعينيات القرن العشرين، تابعتها إسرائيل منذ ذلك الوقت بسيل من المعارك التي لم تتوقف، والتي كانت تنفذها بالعمل والمخططات والجرافات، فيما كنا نواجهها بالاستنكارات وبيانات الشجب والمظاهرات!
تجهد الأمم الحية عادة، في كشف مخططات أعدائها، وعندما تكشف هذه المخططات تبذل وتستنفر كل طاقاتها لمجابهتها وإفشالها بشتى الوسائل والطرق... الإعلام العربي تحدث وما زال يتحدث منذ سنوات طويلة عن وجود مخطط فعلي لتهويد القدس، وإسرائيل من جانبها أكدت هذا الأمر بالأفعال لا بالأقوال، أي نحن أمام مخطط بات واضحاً ومعروفاً ومكشوفاً، ومع ذلك فإن الدول العربية وجامعتهم العاجزة، لا يحركون ساكناً لمواجهة هذا المخطط، الذي تذكرنا إسرائيل به كلما نسيه بعضنا أو حاول تناسيه!
والحالة تذكرني بالحبكة الدرامية لرواية غابرييل غارسيا ماركيز الشهيرة: (قصة موت معلن) التي يعرف الجميع أن بطلها مهدد، وسوف يقتل، وسيقتل، وقد يقتل بين ليلة وضحاها، لكنهم لا يتحركون، لأنهم يشاركون بشكل أو بآخر، بحسن أو سوء نية، في تهيئة مناخ مثالي ملائم للجريمة!
وليس غريباً ألا تتورع إسرائيل في متابعة مخططها العلني لتهويد القدس، فيما العرب يحتفلون هذا العام بهذه المدينة عاصمة للثقافة العربية... إذ يبدو أن إسرائيل إما تريد أن تخرب لنا بهجة هذا الاحتفالية وتضرب (كرسياً في الكلوب) كما يقول إخواننا المصريون، أو أنها تحترم هذه الاحتفالية لدرجة أنها تريد المشاركة بها على طريقتها!
لكن بعيداً عن كل هذه الاعتبارات، يحضر ببالي هنا حقيقة توصلت إليها الباحثة البريطانية كارين آرمسترونغ في كتابها الموسوعي الهام (القدس مدينة واحدة وعقائد ثلاث) والذي يعتبر موسوعة شاملة لتاريخ المدينة منذ عهد الكنعانيين، والتي تقولها في نهاية الكتاب، بعد أن عبرت بنا كل المراحل والعهود والكوارث والمصائب والاحتلالات التي تعرضت لها القدس... تقول بما معناه: لقد كان فرض واقع جديد للمدينة، ومحاولة تغيير معالمها، هدف كل احتلال تعرضت له... لكن التاريخ أثبت، أن القدس كانت تتمرد على هذا (الواقع الجديد) الذي يحاول فرضه الغزاة عليها، لتثبت أنها مدينة الأديان السماوية الثلاثة، وأن الحل هو في تعايش هذه الأديان على أرضها!
طبعاً لا تفهم إسرائيل هذه الحقيقة ولا تريد أن تتفهمها، وهي لا تعرف أن حقائق التاريخ في القدس، أقوى من محاولة تغيير الجغرافيا، لكن سواء فهمت إسرائيل هذا أو لم تفهم، فإن علينا أن نتسلح بهذا الإيمان، وبأن محاولة تهويد القدس ينبغي أن تكون في الوجدان العربي، أشبه بالنقش على الماء... إلا أن الإيمان بهوية المدينة الراسخة لا يكفي لوحده، فمن الضروري أن نعمل، وأن نقاوم، وأن تضغط الأنظمة العربية في اتجاه إيقاف هذا التهويد المتمادي بلا أي حساب لأحد... ومن المؤسف أن الأنظمة العربية لا تعير القدس أي اهتمام فعلي يذكر، فكثير من حكامنا يشعرون أن القدس شأن فلسطيني... وهم لا يجدون أي ضرورة للتدخل في هذا الشأن الفلسطيني، لأنهم منشغلون بشؤونهم المحلية، وصراعاتهم الجانبية، وحساسياتهم القبلية والمذهبية... وكثير منهم يتحدث باسم الإسلام، لكنه لا يحب أن يتذكر أن القدس مسرى الرسول الكريم، هي أولى القبلتين، وهي المعبر الحقيقي عن التآخي الإسلامي المسيحي، الذي يميز الهوية العربية في كثير من أنحاء وطننا العربي!
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-9216.htm