نصر طه مصطفى - منذ انتخابي نقيبا للصحفيين اليمنيين في 12يوليو 2006م آليت على نفسي أن أشرع في خطوات عملية لإنجاز «التوصيف الوظيفي» للصحفيين والإعلاميين العاملين في المؤسسات الصحفية والإعلامية الحكومية والخروج به من دائرة الوعود والأحاديث الشفوية إلى أن يصبح حقيقة واقعة، وكنت أدرك أنني سأدخل عش دبابير لأن القضايا المطلبية والحقوق القانونية
لهذه الفئة الوطنية التي تعمل بصمت وترضى بأقل الحقوق لم تجد لفتة من كثير من القيادات الحكومية كمبادرة ذاتية منها تقديراً لهذه الفئة، بل إن ما كان يحدث هو أنه كلما كان إنجاز الكادر الصحفي – كما كان يسمى قبل الإستراتيجية – على وشك أن يتم يأتي ما يحبطه سواء تغييراً حكومياً أو إلغاءً للكوادر أو أعذاراً أخرى... وكنت أعلم حجم التحدي لكني قبلت الخوض فيه وحصلت على أول وعد من رئيس الوزراء السابق الأستاذ عبدالقادر باجمال وبدأت مع فريق من المختصين بهذه القضايا في إعداد أول مشروع من نوعه يكون مواكباً لهذه الإستراتيجية وينطلق من كونها مرجعاً باعتبارها الباب الوحيد لتسوية أوضاع موظفي الحكومة على ما يشوبها من العيوب القاتلة للطموح والمدمرة للحوافز، واسترشد الفريق بالطبع بما أمكن جمعه من مشروع الكادر الصحفي الذي جرى إعداده في العقد السابق، وخلال عدة شهور جرى فيها الكثير من التحري والتدقيق، تم إعداد مشروع مكتمل وطموح يكفل للإعلاميين ضمانات رائعة في الحصول على ترقياتهم وترفيعاتهم دون حاجة للتنافس والتزاحم على الوظائف الإدارية المحدودة كمدير الإدارة والمدير العام وما فوقهما وما دونهما للحصول على حقوقهم، وقبل أيام من تغيير حكومة باجمال كان رعاه الله قد تواصل بشكل مباشر مع وكيل وزارة الخدمة حينها الأخ نبيل شمسان متحريا إياه سرعة إنجاز المشروع، لكن الحكومة تغيرت وجاء الدكتور علي مجور رئيساً جديداً للحكومة وكان لابد من إعطائه الوقت الكافي لاستيعاب الأوضاع ومع ذلك فقد زرته في مكتبه بعد شهر من تعيينه لتهنئته وأخذت منه في الوقت ذاته وعداً بالمضي قدما في إنجاز مشروع التوصيف.
ومع بدء التفاوض مع الخدمة المدنية ظهرت العديد من العيوب في المشروع وكان لابد من إجراء بعض المراجعات عليه، تولاها عدد من الزملاء في مجلس النقابة مع فريق المختصين، وعادت التفاهمات مع الخدمة من جديد على ضوء التعديلات وبدأت عمليات (القصقصة والخصورة) وكنا نقول لا بأس بهذه أو تلك فليس المقصود أن يكون هناك مطالب خارج القوانين النافذة، وتقبلنا العديد من التعديلات وبالذات في الجوانب المالية (أي البدلات) فالمهم بالنسبة لنا كان توصيف الوظائف الصحفية وضمان سلم التدرج الوظيفي.. ودخلت العملية مرحلة الجدية الكاملة بالتوجيهات التي أعلنها فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في الصيف الماضي لإنجاز التوصيف فالكثير من مسؤولينا – للأسف الشديد – أصبحوا لا يقومون بواجباتهم الوظيفية ومهامهم العادية إلا بتوجيهات عليا، وقد سارعت باستصدار توجيهات خطية حاسمة من رئيس الوزراء على ضوء توجيهات الرئيس لسرعة إنجاز التوصيف، وفي الحقيقة فإن كلمة الشكر قليلة في حق الدكتور مجور الذي أبدى من الحماس والمتابعة الملحة لوزارة الخدمة الشيء الكثير التي كانت مصرة على إمضاء رأيها الذي هو في الحقيقة إفراغ للمشروع من مضمونه وبالذات في جانب التوصيف، وعندما وصلنا إلى نقطة افتراق ذهبنا لرئيس الوزراء يوم 2 فبراير الجاري والذي سجل موقفاً تاريخياً وحسم الموقف لصالح الصحفيين شفوياً ثم خطياً ووجه بإعداد القرار وعرضه على مجلس الوزراء في الأسبوع التالي، وانتظرنا فلم يتم شيء في الأسبوع المحدد وقلنا لعل الخدمة تعتني اعتناءً خاصاً بإعداد المشروع، ويوم أن صدر القرار في 17فبراير سارعت بالترحيب بحكم موقعي وانطلاقا من أن من لا يشكر الناس لا يشكر الله... وعندما اطلعت على صورة القرار في اليوم التالي لم أصدق وظننت أن هناك خطاً ما اعتقاداً أن الخدمة لن ترمي بتوجيهات رئيس الوزراء عرض الحائط وتمضي رأيها، لكني لما تأكدت من صحة ما صدر تأكدت أني كنت أمام أسوأ كذبة وقعنا ووقعت في نفس الوقت ضحية لها، فلا توصيف صدر ولا بدل طبيعة عمل أقر كما وجه به رئيس الوزراء... تصوروا أن القرار أشار الى انه جاء بناء على عرض من نقابة الصحفيين ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون دون أن يتضمن أي توصيف لوظائف زملائنا في هذه المؤسسة الرائدة... فأي جرأة أكثر من هذا تصل حد الكذب على الحكومة والمؤسسات والصحفيين؟!
لن نقول سوى حسبنا الله ونعم الوكيل... لكني مجددا اسجل الشكر للرجل الفاضل والوفي والصادق والمحترم بصدق الدكتور علي مجور -رئيس الوزراء- الذي وعدني صباح قبل أمس الثلاثاء بإعادة النظر في القرار ومناقشته من جديد بعد أن وضحت له كل ملابسات المقلب الكبير الذي وقعنا فيه جميعا، وأنا على ثقة بأنه سيفي بوعده وسيقف مع الصف العريض من إعلاميي وصحفيي الحكومة الذين ما بخلوا ولن يبخلوا بشيء من فكرهم وحياتهم وأوقاتهم، وهم ينقلون لشعبنا وللعالم كله ما يحدث في هذا البلد العظيم من تطورات إيجابية وبناء وتنمية مقابل الكم الهائل من السلبيات والمفجعات الذي ينقله آخرون... ولإخلاء الطرف بقية...
|