الميثاق نت -

الجمعة, 27-فبراير-2009
محمد حسين العيدروس -
خلافاً لكل الأدوار السياسية الخارجية اليمنية، ظلت الجولات المكوكية التي يقوم بها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح الى مختلف دول العالم، تحظى بتفرد في دلالاتها الوطنية، إذ تبقى عيون شعبنا مشرئبة نحو طريق العودة، تترقب الكشف عما حمله فخامة الرئيس لأبنائه، فما زال الخير يفيض من أكفه أينما حل من ربوع الأرض.

فالطريق إلى موسكو هذه المرة كان عبر البوابة الدمشقية، حيث خط التماس مع الكيان الصهيوني، وحيث حلت القيادات الوطنية الفلسطينية، وحيث أحد الصروح القومية العربية - سوريا - التي تقف بكل شموخ وكبرياء أمام التهديدات، والتحذيرات، ومحاولات التركيع للمؤامرات الدولية.

فالأخ الرئيس اختار هذه البوابة العربية في طريقه الى موسكو لأنه مثقل بالهم الفلسطيني، ولأن قضية فلسطين تتصدر كل أولويات العمل العربي المشترك، في ظل ما يتعرض له شعبنا فيها من أعمال إبادة صهيونية طالت البشر والشجر والحجر في واحدة من أبشع المجازر التي تتعرض لها الإنسانية أمام مسمع ومرأى المجتمع الدولي، لذلك كان لا بد من حزم الموقف، والمبادرة الى محاولة إعادة رص الصف الوطني الفلسطيني، وتعزيز جبهة مقاومته وصموده أمام قوى الاحتلال، ونزع كل مسوغات الفرقة والشتات التي تجعل من قواه الوطنية لقمة سائغة لإسرائيل وآلتها الحربية. ولعل ما يميز المبادرة اليمنية هذه المرة هو أنها انطلقت برهان العمل المشترك الذي تنوعت أطرافه العربية التي انيطت بها مهمة رأب الصدع الفلسطيني، وهو رهان يتوافق وحجم التحدي، وجسامة الأذى الذي لحق بقلعة الصمود الفلسطينية غزة، والتي لم تكن أول أو آخر أهداف إسرائيل بل حلقة في سلسلة الاعتداءات الحربية الصهيونية السافرة ضد شعبنا الفلسطيني، ولا شك أننا واثقون بحكمة قيادتنا السياسية وجدية القيادات العربية في الوصول بالإشكاليات القائمة بين الفصائل الفلسطينية إلى منتهاها الآمن. من المؤكد أن القيادة السياسية ستستثمر رصيد علاقاتها الدولية الذي جنته عبر حقبة طويلة من الانفتاح، والوضوح، والمصداقية، لدعم القضايا القومية العربية ..

لذلك كان لقاء الأخ الرئيس بالرئيس الروسي «مدفيديف» لا يخلو من تداول الشأن الفلسطيني، وغيره من شؤون الساحة الدولية، فاليمن بلد يؤمن بثقافة التشاور منذ فجر التاريخ، ويثق أن التعاون وتنسيق الموقف مع المجتمع الدولي هو أحد أهم المسارات الآمنة في التعايش الإنساني السلمي، وتنمية المصالح، والارتقاء بالشعوب الى استحقاقاتها من الحياة الكريمة. فعلاقة اليمن وروسيا ومنذ تولي فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح مقاليد الحكم تحولت من علاقة «شطرية» أو «بروتوكولية» إلى علاقة إنسانية تنموية قائمة على أبعاد حضارية واستراتيجيات دولية بعيداً عن الارتباطات التبعية أو الهامشية ..

ومن يتذكر البدايات الأولى لتلك العلاقة سيذهل كيف أن الأخ الرئيس نجح في بناء علاقات متوازنة مع موسكو في وقت كان فيه «الاتحاد السوفيتي» حليفاً للشطر اليمني الآخر، الذي تدور رحى الصراعات الدامية على حدوده. لكنها كانت «سياسة الكبار» التي أرساها الأخ الرئيس علي عبدالله صالح ليس فقط مع ما كان يسمى بـ «الاتحاد السوفيتي» بل حتى مع الولايات المتحدة التي كانت تمثل القطب الآخر من الحرب الباردة .. فقد أعلنها الأخ الرئيس منذ بداية توليه الحكم أن اليمن «دولة غير منحازة» ولن تكون رهينة حسابات المعسكر الاشتراكي أو المعسكر الرأسمالي، بل تحرص على إقامة علاقات نبيلة قائمة على الوضوح والمصداقية والاحترام المتبادل والتعامل بالمثل والمصالح المشتركة، وتلك كانت أكبر انطلاقات اليمن الى حماية سيادتها الوطنية ومباشرة مشروعها التنموي النهضوي لليمن بتعاون تلك الدول الكبرى التي لا غنى لبلد نامٍ عن خبراتها ودعمها ومؤازرتها السياسية..

ما نجده اليوم من علاقات متينة بين صنعاء وموسكو ما هو إلا ثمار «سياسة الكبار» الذين يؤسسون علاقاتهم على بعد نظر استراتيجي، واحترام للآخر، وتبادل مصالح لما فيه خير شعوبها وأوطانها .. فروسيا اليوم تتمتع باستثمارات واسعة في اليمن - نفطية وتجارية - مثلما تعتمد اليمن عليها في كثير من احتياجاتها الاقتصادية والتنموية .. ولعلها من الممكن أن تكون نموذجاً راقياً لأسس بناء العلاقات الدولية لبلداننا العربية النامية مع الدول الكبرى .. وهذا هو شأن اليمن في مجتمعها الدولي .. كبيراً يحترمه الكبار.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:44 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-9235.htm