د.عادل الشجاع - إذا كنا نسلم بأن الإسلام في جوهره نظام للتنوير وإنارة العقول ومنهج واضح للتعليم الروحي من أجل تصحيح السلوك ونشر الفضيلة، فمن أين يستقي القتلة والإرهابيون أفكارهم إذن؟!
أريد أن أقول بوضوح أن غياب المشروع الثقافي هو الذي أوجد هذا الفراغ الذي بدأ بملئه الفكر المتطرف.
وربما يكون مفيداً أن نتوقف عند تعريف التنمية الذي يعرفها بأنها العلم حين يصبح ثقافة، وعلى هذا الأساس يكون التخلف ليس غياب العلم، وإنما انفصال العلم عن الثقافة فالعلم لا يرتبط بالمعرفة وحدها وإنما يرتبط بالروح العلمية النقدية.
وإذا نظرنا إلى جامعاتنا فإننا سنجدها تعطي طلابها العلم بدون الثقافة ويأتي التطرف ليملأ الفراغ ويقدم نفسه كثقافة فأساتذة الجامعة يقدمون آراء أحادية مغلقة تجعل الطلاب على أتم الاستعداد للتعصب والتطرف ورفض الرأي المخالف وخاصة إذا أضفنا إلى ذلك ما يحمله الطلاب معهم من ثقافة تلقوها في المدرسة والمسجد مبنية على التلقين والحفظ ولذلك ليس غريباً أن تكون المعاهد والجامعات أهم الساحات التي يستقطب فيها التطرف الأنصار والأتباع فالذين قاموا بالعمليات الأخيرة في حضرموت ينتمون إلى الجامعة.
نحتاج إلى مشروع ثقافي تقوم به وزارة الثقافة التي ما زالت غائبة وكأنها لا علاقة لها بالثقافة، هذا المشروع لا بد أن يعمل على إيقاف استخدام الإسلام شعاراً للاحتجاج والتعبئة السياسية، ولا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن هناك أسباباً لهذا التطرف من أهمها اختراق الجماعات المتطرفة نظام التعليم بكل مؤسساته، فهناك جهات تنشئ أتباعها على التطرف الايديولوجي بحيث تجعل الطلبة أدوات طيعة يسهل تجنيدهم في شبكات التطرف وخاصة كتاب الثقافة الإسلامية الذي ينضح بكراهية الآخر وتكفيره، إضافة إلى أن التعليم في هذه المؤسسة يقوم على التلقين وتقوية الذاكرة ولا يقوم على النقد ولا على الحوار بين الأفكار، بعبارة موجزة النظام التعليمي يبذل جهده كله لصوغ العقل الاتباعي ويتجنب صياغة العقل النقدي والعقل الاتباعي يسهل السيطرة عليه في حين أن العقل النقدي متمرد بطبيعته، ولعل أخطر ما يجري داخل التعليم هو وجود بعض هذه المؤسسات التعليمية التي تقوم على التعليم الديني وتجافي التعليم المدني، هذه المؤسسات تساعد على بلورة رؤى للحياة تتسم بالانغلاق ويغلب على مناهجها النقل وليس العقل، إضافة إلى التأويل المنحرف للنصوص الدينية التي تطبقها الجماعات المتطرفة والتي تستغل غياب الوعي الثقافي القادر على مواجهة التطرف.
إننا نجني اليوم نتائج الفصل بين الثقافة والتعليم حيث أصبحت مخرجات التعليم في مختلف التخصصات بعيدة عن كل البعد عن الفهم الواعي لمجمل مجريات الحياة والمجتمع.
صحيح أن الجامعات تخلصت من الأمية الأبجدية لكنها لم تتخلص من الأمية الثقافية، فالثقافة هي التي تشكل كل تفكيرنا وخيالنا وسلوكنا وإحياء فرص الابتكار.
ولا ريب أن ثمن غياب المشروع الثقافي كان باهظاً انعكس على قطاع واسع من الشباب الذي أصبح يقضي ساعات ما بعد الظهيرة والمساء في تعاطي القات والذي يصاحبه استخدام بعض المنشطات الأخرى مما يسهل استقطاب هذه الكتلة المهمة والتي أصبحت تتفجر دماراً.
إن غياب المشروع الثقافي الذي يبدأ من المدرسة والذي يفرغ طاقات الشباب في مجال المسرح والرياضة والرسم يوقعهم في مصيدة التعرض لخطر انفجارات العنف الفردي أو الوقوع في مصيدة حركات التطرف التدميرية.
إن غياب المشروع الثقافي قد أدى إلى احتكار الحقيقة بين الأفراد وشرائح اجتماعية مختلفة وهي ذات طابع طائفي أو أيديولوجي أو ثقافي، إذ يعتقد الكثير أن ما يؤمنون به أياً كان مصدره طائفياً أو إسلامياً أو غيره هو الحقيقة ومن يختلف معهم فهو على باطل.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن أصحاب الأفكار المتطرفة يحاولون السعي والعودة بالأمور إلى الوراء ومحاربة كل ما هو جديد، وهذا الصراع في طابعه يقوم بين العقل والنقل، أي ما بين طريقة تفكير تحتكم للعقل وتسعى للتجاوب مع المتغيرات والمؤثرات بطريقة عقلانية وبين طريقة تفكير سلفية تنفر من التجديد، وترفض التفاعل مع الآخر وترى في الماضي الملاذ من التغييرات المدنية الحديثة، ومع الأسف فإن غياب المشروع الثقافي جعل الغلبة في صالح القوى السلفية والتقليدية المدعومة بالمسجد.
وخلاصة القول إن المؤسسات الثقافية في بلادنا يبدو أنها لا علاقة لها بالثقافة أو بمعنى أصح لا تدري ما أهمية الثقافة مما ساهمت بشكل كبير في إعاقة إحداث تقدم ثقافي.
إن المشروع الثقافي هو الذي يرسم ملامح الوطن ويصيغ الهوية المشتركة ولذلك فأنا أدعو وزارة الأوقاف إلى تبني تدريس مبادئ المواطنة للأطفال في المساجد جنباً إلى جنب مع الدروس القرآنية بحيث نعلمهم أنه لا يوجد تضاد بين الانتماء الديني والانتماء الوطني مصداقا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «حب الوطن من الإيمان».
وأعتقد أن إنشاء وحدة أمن السياحة سيعزز من مواجهة الإرهاب لكن علينا ألاّ نغفل أن المنهج الأمني والسياسي هو منهج ضروري، لكنه ليس كافياً لأن التطرف له جذور ثقافية تقوم على التأويل المنحرف للنصوص الدينية بالإضافة إلى إضفاء هالة من القداسة على بعض الشخصيات التي لا يمكن أن تخضع أفكارها لأي شكل من أشكال النقد أو حتى المناقشة.
غياب المشروع الثقافي الوطني ساهم في استمرار الصراعات التاريخية السابقة وأصبحنا نعيش أوهاما لا صلة لها بالواقع.
ينبغي إدخال المواد الثقافية في صلب المناهج الدراسية واعتبار النمو الثقافي للمتعلم أحد العناصر الرئيسية في تقييم أدائه التعليمي وأن يكون للمتاحف والآثار والمسارح ومراكز النشاط الثقافي دور في دعم العملية التعليمية.
ينبغي أن تكون المراهنة على الأجيال الجديدة هي الهدف الأسمى في الحد من الغياب الثقافي وإعادة النظر في دور وزارة الثقافة.
نقلا عن الثورة |