سالم باجميل - كنت حتى وقت ليس بالبعيد اعتقد أن الرئيس علي عبدالله صالح إنما يسير على إيقاعات واستشارات معاونيه المقربين من كبار موظفي الدولة ومستشاريها »المحنكين«، ولكن مع الأيام والمتابعة تأكد لي بما لا يدع مجالا للشك أنه كان في الواقع أكثر ممن حوله فهماً واستنارة، وأن الجميع يحاولون ضبط خطاهم على إيقاعاته السياسية المتنوعة والمتطورة وأنهم يعجزون حتى عن المحاكاة والتقليد.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر يجد المتابع للشأن السياسي اليمني المعاصر أن الرئيس في اجتماعه مؤخرا مع الحكومة دعا إلى إجراء إصلاحات في الإعلام تواكب ما يجري من حولنا في العالم، وأهاب بالمختصين أن يسارعوا إلى إنشاء وتكوين مجلس أعلى للإعلام في اليمن الجديد.. وكأنما هو قد شعر بتجاربه مع معاونيه في حقل الإعلام أن رسالته لم تصل إليهم بكمال الوضوح وتمامه، لذا آثر العودة ليتحدث في التفاصيل.
هكذا انتهز الرجل مناسبة حلول عقد المؤتمر الرابع لنقابة الصحفيين اليمنيين ليسلّط مزيداً من الأضواء الكاشفة على فكرة الإصلاحات في مجال الإعلام مجدداً بذلك توجهاته المهمة على هذا الطريق، حيث وجه المختصين في الحكومة ووزارة الإعلام باتخاذ إجراءات سريعة لإصدار قانون يسمح بإنشاء قنوات فضائية للجماعات والأفراد الراغبين في الاستثمار في هذا الميدان.
كما جدد -كعادته- سياسات العفو والتسامح باعتبار أن الوطن للجميع.. وكان الزميل الصحفي عبدالكريم الخيواني هذه المرة أحد المستفيدين بصورة مباشرة من سياسة الرئيس الصائبة الشاملة لأبناء اليمن قاطبة.. ولم يطلب منه كقائد وأب إلا أن يخفف من غلوه الخاص بالمذهبية والمناطقية والسلالية.
لا أخاله إلا قد أصاب كبد الحقيقة حالما تحدث بصدق وحرارة عن الصحافة وحريتها، وأبان كيف ينبغي أن توظف في العهد الجديد لصالح تطور الوطن والشعب في الحاضر والمستقبل؟! وكان قائداً حكيماً وحصيفاً في إشاراته إلى أن الصحافة وسيلة للبناء والتنمية، وأن الصحافة من وجهة نظره أبعد من أن تكون أداة هدم وإثارة الفتن كما يريد لها البعض منا.
كان من الطبيعي أن يحذّر الرئيس إخوانه وأبناءه وبناته من الصحفيين من مغبة الانغماس في نشر ثقافة الكراهية في عصر الوحدة والديمقراطية، والانتباه إلى الذين آثروا الانخراط في الترويج لمشاريع مؤذية تستهدف وئام الوطن والشعب واستقرارهما.
ثم كيف لا يحث هذا القائد الأب الصحفيين على قراءة التاريخ.. تاريخ شعب اليمن الحافل بالبؤس والمعاناة خلال عهود نظام الإمامة المتخلف والاستعمار البغيض قبل الثورة ليعرفوا عن يقين مدى التطور الذي حدث بالفعل بلا زيادة او نقصان.
إن أمل الرئيس العظيم في إيجاد إعلام في الوطن يحظى بشرف المساهمة في خلق ثقافة المودة والولاء للوطن يجب أن يمثل ضميراً واعياً لدى كل صحفي في الموالاة أو المعارضة وان ينطلق من ذروة هذا الفهم في ممارسة مهنته، وأن يتوخى مصلحة الوطن والشعب في سائر ما يكتبه .. هذا إذا أراد الصحفي أن يشارك في صنع رسالة وطنية ومهنية في اليمن الجديد.
لقد ذهب زمن حكم السلالة الوراثي إلى غير رجعة.. كما ذهب عصر حكم التشطير والشمولية إلى مزابل التاريخ، والذين يحاولون إعادة الماضي إنما يتشبثون بالمستحيلات.. وخير للصحافة والصحفيين أن يعمل الجميع على توطيد مداميك التآلف والمودة والوحدة المهنية والوطنية.
إن الوطن يمضي بقوة مع التاريخ المعاصر المتمثل في الحريات المدنية والسياسية ونظام الديمقراطية والحكم الرشيد الذي أكد على أسسه ومبادئه فخامة الرئيس في خطابه الهادف إلى إحداث إصلاحات كبيرة في الإعلام. <
|