الميثاق نت - نبيل حيدر

الأربعاء, 25-مارس-2009
نبيل حيدر -
* تعودنا عندما تنزل المصائب على رؤوسنا وتحل الأحداث الدامية والجارحة على الابتعاد عن مركز المشكلة والذهاب للدوران بعيداً عنه ونصل في المدى إلى التحليق في فضاءات الأسباب والتبرير المعقولة والمنقولة.. والنتيجة أننا نبقى في الفراغ معلقين لا نطول سماء ولا أرضاً..
يتكرر هذا بالتحديد مع كل حادثة إرهابية تدور ماكينة حولها وحول منفذ العملية الشاب وحول ارتباط الإرهاب بالشباب واستغلاله لهم.
* زمان وجدنا من يقول أن الإرهاب سببه.. الفقر وأطلقت التحليلات في هذا الجانب سيقانها نحو اتهام الحكومات بالتقصير والتسبب في وجود الفقر وظهور الإرهاب راكباً فوقه كالرجل فوق الحمار.. وجدنا أيضاً حكومات تذهب إلى حكومات بهذه العلة المعلولة في أصلها وفي المعتلين لموجتها..
ووجدنا أيضاً زمان والآن من يرجع نجاح الإرهاب في استغلال الشباب إلى الظروف الاجتماعية السيئة وإلى نبذ المجتمع لأفراده بشكل أو آخر ..
وآخر موضة أن الإرهابي يصبح إرهابياً بسبب إهمال الوالدين له، وهذا أعجب ما قيل وأظنه أشذ تفسير..
* وعندما تذهب لعلماء النفس وتسألهم عن العوامل التي تجعل الشخص اليافع أو الشاب مجرماً تجد نفسك أمام كل العوامل السابقة الذكر ولا تجد فرقاً من زاوية التفسير بين المجرم والإرهابي المجرم أيضاً فكل الأسباب السلبية الاقتصادية والاجتماعية والأسرية تدفع المتأثر بها للسرقة والاعتداء والنهب والقتل بدم بارد..
إذن أين تكمن خصوصية الإرهاب مع الشباب؟ ولماذا تكدست كل التفسيرات وفوق الشباب وابتعدت عن مجندي الشباب الأكبر سناً والذين يشتغلون ويخططون بطريقة لا تقول أنهم يعانون مضايق اقتصادية أو اجتماعية أو غيرها؟؟.
* الجزء الأخير من الإجابة أنه الفكر المتغلغل في الفهم الأخير لمقاصد الدين والجزء الأول الذي سأبقى معه يكمن في غياب ما يمكن أن نسميه بـ"القوة الناعمة"..
القوة الناعمة التي أعنيها هي الانتماء للوطن الذي يتشربه الشاب في المدرسة منذ نعومة أظفاره أو هكذا يُفترض بحيث إذا امتلأ كأسه بحب الوطن طوال سنوات دراسته الأساسية والثانوية فسيكون من الصعب على نقطة الاستغلال الإرهابي أن تفيض بكل ما في الكأس وتفرغه..
غياب الشعور بالانتماء للوطن أيضاً يذهب بالناس إلى قلة الاكتراث بوقوع حادثة إرهابية ما، وهذا ما تؤكده دراسة أجريت قبل سنوات قليلة ومنشورة على الانترنت.. أجريت هذه الدراسة في بيئة اجتماعية مشابهة للبيئة اليمنية ووجدت أن الإرهاب لا يمكن معالجته فقط بالقوة الأمنية ولا الإرشاد الوقتي في مجتمعات لا يزال فيها الولاء للقبيلة والعشيرة أكثر حضوراً من الشعور بالوطن كتلة واحدة وهماً واحداً..
وأطلقت الدراسة نتيجة تعتبر تحذيراً بأن الأمن الفكري القومي لن تقوم له قائمة إذا ظل الشتات الاجتماعي يقبض على يد الشتات في الانتماء ويجره بعيداً عن الوطن .
* وإذا تأملنا قليلاً فيما تقوله تلك الدراسة سنجد أنها تجهر بحقيقة يجري التعامي عنها والابتعاد حتى عن البحث فيها رغم أن من يدين العمل الإرهابي ومرتكبيه يشير إلى أن هذه أفعال يرتكبها من لا يحب وطنه.. وحب الوطن هو من الانتماء له وإليه وهذا الانتماء لا يأتي بضغطة زر أو كوكتيل كلمات حماسية تُراق في مناسبة على الآذان وكأنها تراق على التراب..
* شخصياً أؤيد هذه النظرية القريبة من واقعنا بل وربما المنطبقة عليه تماماً.. فالإرهاب لن يبقى وسيغور في الأرض فقط عندما يكون الولاء للوطن متحكماً في تصرفات المتستر على إرهابي أو خلية له وفي مناهج المدارس وتأديتها بانضباط وفي تعليم جدي لا قشري يذر الرماد على العيون معتقداً أنها لا ترى هوامش ما يصنع..
والإرهاب لن يبقى عندما نبتعد عن ترويج نظريات للعوامل والأسباب تسبح في غير مياه واقعنا ومحيط خلل الشعور بحب الوطن أو على الأقل عدم الإضرار به..
الإرهاب سيولي بعيداً ومعه إرهابات أخرى مثل إرهاب الفساد وإرهاب التنفذ على حساب الوطن وإرهاب المتاجرة به .. إذا ترسخت القناعة بأن المركب واحدة وأن الثقب فيها يُغرقها ويغرق الجميع معها ولا جبل يعصم.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:16 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-9589.htm