رضوان الشيباني -
ظهرت فكرة إنشاء جامعة للعرب كرد على فكرة الجامعة الإسلامية التي نادى بها السلطان عبدالحميد الثاني بإيحاء من جمال الدين الأفغاني المصلح الاجتماعي، وجاءت هذه الفكرة لتوافق هوى لدى السلطان الذي كان يرى بوادر انهيار الامبراطورية العثمانية..
وشعرت بريطانيا بخطر الفكرة فأوحت عن طريق وزير خارجتها «إيدن» بفكرة الجامعة العربية، وبعد أنهيار الخلافة العثمانية استحسن العرب الفكرة، خاصة في ظل المد القومي الذي بدأ بالتنامي بصورة سريعة بعد أنهيار الخلافة العثمانية.
وفي العام 1944م قامت الجامعة وفق ميثاق وبروتوكولات الإسكندرية التي وقعتها سبع دول عربية كانت تعتبر نفسها مستقلة ومنها اليمن والسعودية ومصر ولبنان.... إلخ غير أن هذا الميثاق بني على التوافق والاجماع بين هذه الدول في اتخاذ القرارات وعدم موافقة دولة واحدة يعني إلغاء القرار، والجامعة منذ قيامها وهي تحاول أن تكون مظلة للوفاق العربي إلا أن سياسات الدول العربية حولتها إلى خيمة للخلافات، الأمر الذي أضعف هذه المؤسسة التي سبق إنشائها إنشاء السوق الأوروبية المشتركة بسنوات.
والسؤال: كيف نجح الأوروبيون في سوقهم ولم ننجح في جامعتنا؟ مع العلم أن أصلنا العربي واحد وهم عدة أصول، ولغتنا واحدة وهم عدة لغات وقامت بينهم حربين عالميتين ولم تقم حروباً بيننا بمستواها..!
السبب أنهم عرفوا النظام المؤسسي في دولهم ونقلوا هذا النظام إلى سوقهم، ونحن حتى اليوم لم نعرف هذا النظام ولا تزال معظم النظم العربية في حالة شخصنة ترتبط كل نشاطات الدولة بشخص الزعيم، فإذا كان هذا حال الدول العربية.. فكيف سيكون الحال في جامعة الدول العربية.
هناك من يقول: إن جامعة الدول العربية مؤسسة فاشلة ، يخرج العرب بعد كل اجتماع فيها أكثر إنقساماً، وإن مقولة أمير البيان شكيب أرسلان قبل نصف قرن تنطبق تماماً على حال أعضاء الجامعة فقد قال: «أتفق العرب على ألا يتفقوا»، ومن قائل: إن الجامعة العربية بحاجة فقط إلى تطوير لترتقي إلى مستوى يمكنها من حلّ خلافات العرب وفقاً لنظم البرلمانات الراقية بحيث تصبح مؤسسة فوق الدول تصوت بنظام الأغلبية بحيث تلتزم كل الدول بقرار الأغلبية، ومن قائل: إن الجامعة قد تجاوزها الزمن وإلغائها خير من بقائها ونوفر مرتبات العاملين فيها والمندوبين إليها.
والحق أن الجامعة العربية مؤسسة اعتبارية تعكس وضع أعضائها ويمكن تفعيلها على الجانب الاقتصادي الذي هو أكثر التصاقاً بمصالح الناس مثلاً، فرغم صدور العديد من القرارات الاقتصادية والاتفاقات التي تدعو إلى التعاون والتكامل الاقتصادي بين الدول العربية إلاَّ أن هذه الاتفاقات فشلت في تحقيق أي إنجاز اقتصادي يعود بالنفع على المواطن العربي والسبب يعود لعاملين كما يقول د. خالد محمد - الخبير الاقتصادي بالجامعة:
الأول: عدم رغبة الحكومات العربية في تحقيق أي تكامل بل والنظرة العدائية إلى كل المشروعات الرامية إلى الوحدة الاقتصادية.
الثاني: اقتصاد ناتج عن سياسات اقتصادية متخلفة تخلق قدرات إنتاجية تمنع التشابك والتكامل بين البلدان العربية.
تنفيذ المشروعات المشتركة لم يصب في قنوات التكامل الاقتصادي العربي وإنما أتجه نحو الاندماج في الاقتصاد الدولي وتعميق التبعية له.
وكان من نتائج هذه السياسات ارتفاع معدل البطالة بين العمال العرب الذين استبدلوا بعمال من شرق آسيا رغم وجود اتفاقات تقضي بأولوية حق العمل في الوطن العربي للعامل العربي.
وعلى ذلك يتأكد أن القرار السياسي العربي هو المسئول الأول والأخير عن عدم نجاح الجامعة العربية في تحقيق أهدافها وهو المسئول عن تجميد كثير من الاتفاقيات التي لو تم تفعيلها لكان الحال غير الحال ولا تسأل عن اتفاقية الدفاع المشترك التي لو كانت سارية المفعول لما غُزيت العراق ولا لبنان ولا غزة..
وفي المادة الخامسة من الميثاق ما نصه «لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة....»
غير أن الواقع شهد أكثر من نزاع مسلح بين الدول العربي، وذلك لأن العلاقات العربية - العربية لا تقوم على ثوابت محددة وإنما على علاقات شخصية بين النخب الحاكمة فيها مما يسهل اختراقها وإفسادها. وقد فرض هذا العرف العربي نفسه حتى على العلاقات العربية الدولية فلا اعتبار للشعوب وإرداتها في هذه العلاقات، بل إن معظم القرارات المصيرية الكبرى صدرت في غياب الإرادة أو الرقابة الشعبية أو من يمثلها من المجالس النيابية، ولهذا فشلت جهود الجامعة في حل كثير من النزاعات العربية بل لم يسمح لها بالتدخل في بعضها، كما حدث عند غزو العراق للكويت، مما أتاح الفرصة لحل خارجي أكل الأخضر واليابس، ولا نزال ندفع ثمن هذا الحل حتى اليوم.
المشكلة ليست في جامعة الدول العربية ويجب أن لا نحسب عليها أي فشل فهي لم تمتلك في يوم من الأيام قرارها إنما النجاح والفشل هو نجاح أو فشل الأنظمة العربية ، وهذه النظم اليوم في الذكرى 46 لقيام الجامعة أمام خيارين لا ثالث لهما، فأما أن تبحث عن صيغة جديدة لعمل الجامعة بحيث تتمكن من أداء رسالتها وأما أن تحيلها إلى التقاعد فقد بلغت السن القانونية له، وتتحمل ما ينتج عن هذه الإحالة.
عن: "الجمهورية"