الميثاق نت -

الإثنين, 13-أبريل-2009
‮تحقيق: أمين الوائلي -
‬من‮ ‬عطَّل‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬رقم‮ (‬85‮).. ‬ومن‮ ‬أفرغ‮ “‬بنك‮ ‬الدم‮” ‬من‮ ‬الرصيد؟‮!‬

‮‬حكاية‮ ‬نزيف‮ ‬وقرار‮ ‬جمهوري‮ ‬تم‮ ‬تعطيله‮ ‬وإجهاض‮ ‬مضامينه‮..‬
عبث‮.. ‬حد‮ ‬الفساد‮ ‬الجائر،‮ ‬وفساد‮.. ‬حد‮ ‬الدم‮.‬
نتحدث‮ ‬عن‮ ‬أخطر‮ ‬قطاع‮ ‬وخدمة‮ ‬طبية‮ ‬وعلاجية‮.. ‬عن‮ “‬الدم‮” ‬عن‮ ‬حياة‮ ‬المواطنين‮ ‬وسلامة‮ ‬المجتمع‮.‬
التحقيق‮ ‬التالي‮ ‬يفتح‮ ‬ملفاً‮ ‬مثقلاً‮ ‬بالنزيف‮.. ‬بالعبث‮.. ‬وبالمرارة‮.‬
ونسأل‮: ‬إذا‮ ‬وصل‮ ‬العبث‮ ‬والتسويف‮ ‬والمنازعة‮ ‬إلى‮ ‬حدود‮ ‬كريات‮ ‬الدم‮ ‬الحمراء،‮ ‬فمن‮ ‬يعصمنا‮ ‬بعد‮ ‬من‮ ‬النزيف‮ ‬الرهيب؟‮!‬


حكاية‮ ‬قرار‮..‬
‮ ‬أُنشئ‮ ‬المركز‮ ‬الوطني‮ ‬لنقل‮ ‬الدم‮ ‬وأبحاثه‮ ‬بموجب‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬رقم‮ (٥٨) ‬في‮ ٧ ‬مايو‮ ٥٠٠٢‬م‮.. ‬وبدأ‮ ‬العمل‮ ‬فعلياً‮ ‬في‮ ٨١/٣/٦٠٠٢‬م‮.. ‬فيما‮ ‬الافتتاح‮ ‬الرسمي‮ ‬للمركز‮ ‬كان‮ ‬في‮ ٤/٦/٦٠٠٢‬م‮.‬
ويتمتع المركز - بحسب نص القرار الجمهوري - بالشخصية الاعتبارية وذمة مالية مستقلة لتحقيق أهدافه، ومقره الرئيسي العاصمة صنعاء وله صلاحية إنشاء الفروع في المحافظات بقرار يصدر من وزير الصحة بناءً على عرض من المدير العام للمركز.
الفكرة من إنشاء المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه استهدفت أن يكون “بنك الدم” الرئيسي في اليمن .. وأنيطت به مسؤولية ومهام تنظيم وتطوير خدمات فحص وسلامة نقل وحفظ واستخدام الدم ومشتقاته في كافة المحافظات..
إضافة الى توفير الدم بكميات كافية لتلبية الاحتياجات لكافة المرافق الصحية، ووضع المواصفات والشروط والضوابط اللازمة لتنظيم كافة خدمات نقل الدم.. وضمان سلامة نقله وحمايته من التلوث وخلوه من الأمراض والأمراض المنقولة عبر الدم، بما في ذلك إجراء الفحوصات على مشتقات‮ ‬الدم‮ ‬والتي‮ ‬تورد‮ ‬للجمهورية‮ ‬اليمنية‮ ‬من‮ ‬الخارج‮ (‬مثل‮ ‬الألبومين،‮ ‬العامل‮ ‬الثامن،‮ ‬وغيرها‮).‬
من‮ ‬المسؤول؟
‮ ‬دستور‮ ‬المهام‮ ‬والمسؤوليات‮ ‬التي‮ ‬يتحملها‮ ‬المركز‮ ‬الوطني‮ ‬لنقل‮ ‬الدم‮ ‬وأبحاثه،‮ ‬يذهب‮ ‬الى‮ ‬أبعد‮ ‬من‮ ‬المهام‮ ‬الآنية‮ ‬او‮ ‬الوظيفية‮ ‬المقتصرة‮ ‬على‮ ‬عمل‮ ‬واحد‮ ‬وآنٍ‮ ‬أو‮ ‬آلي‮.‬
وأراد‮ ‬صانع‮ ‬القرار‮ ‬أن‮ ‬يتحول‮ ‬المركز‮ ‬الى‮ ‬بنك‮ ‬مركزي‮ ‬ووحيد‮ ‬للدم‮ ‬في‮ ‬اليمن،‮ ‬ضمانة‮ ‬لعمل‮ ‬نوعي‮ ‬متخصص‮.. ‬حرفي‮.. ‬آمن‮.. ‬وبأحدث‮ ‬الوسائل‮ ‬والتقنيات‮ ‬العلمية‮.‬
وتشير‮ ‬قائمة‮ ‬المهام‮ ‬والاختصاصات‮ ‬السابقة‮ ‬الى‮ ‬درجة‮ ‬قصوى‮ ‬من‮ ‬العناية‮ ‬والاهتمام‮ ‬في‮ ‬توفير‮ ‬عمل‮ ‬مؤسسي‮ ‬منظم‮ ‬ومأمون‮.. ‬يتولى‮ ‬المركز‮ ‬بموجبها‮ ‬وحده‮ ‬مهام‮ ‬التنظيم‮ ‬والإشراف‮ ‬والتطوير‮ ‬وكل‮ ‬ما‮ ‬يتعلق‮ ‬بهذا‮ ‬القطاع‮.‬
ولكن .. ثمة ما لا يبعث على الارتياح، بل القلق والتذمر الى حدود الجأر بالشكوى، والاستنجاد بالسلطات المعنية للقيام بواجباتها وتحمُّل كامل المسؤولية في عدم إنفاذ بنود ومضامين القرار الجمهوري الموقَّع من رئيس الجمهورية- أعلى سلطة دستورية وتنفيذية في البلاد.
لاتزال‮ ‬عوائق‮ ‬جمة‮.. ‬ومنغصات‮ ‬كثيرة‮ ‬وثقيلة‮ ‬تحول‮ ‬بين‮ ‬المركز‮ ‬وبين‮ ‬القيام‮ ‬بصلاحياته‮ ‬وواجباته‮ ‬على‮ ‬أكمل‮ ‬وجه‮ ‬وبحسب‮ ‬محددات‮ ‬الحاجة‮ ‬الوطنية‮ ‬والإنسانية‮ ‬إليه‮ ‬والتي‮ ‬استوعبها‮ ‬منطوق‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬سالف‮ ‬الذكر‮.‬
‮ ‬كما‮ ‬لا‮ ‬يزال‮ ‬المركز‮ ‬يعاني‮ ‬من‮ ‬تداخلات‮.. ‬وتدخلات،‮ ‬في‮ ‬مهامه‮ ‬ووظائفه،‮ ‬وعملياً‮ ‬توقفت‮ ‬جهات‮ ‬ومؤسسات‮ ‬تنفيذية‮ ‬عدة‮ ‬عن‮ ‬تمكين‮ ‬المركز‮ ‬من‮ ‬كافة‮ ‬مهامه‮ ‬وواجباته‮.. ‬ومستحقاته‮ ‬المادية‮ ‬والمهنية‮ ‬ايضاً‮.‬
الأمر‮ ‬الذي‮ ‬يتكهن‮ ‬باستمرارية‮ ‬العبث‮ ‬وعشوائية‮ ‬العمل‮ ‬القائم‮ ‬في‮ ‬المراكز‮ ‬والمختبرات‮ ‬والمشافي‮ ‬فيما‮ ‬يتعلق‮ ‬بخدمات‮ ‬نقل‮ ‬الدم‮ ‬وأبحاثه،‮ ‬بل‮ ‬وأيضاً‮ ‬حفظه‮ ‬والتبرع‮ ‬به‮.‬
على أن الأخطر من ذلك أن العشوائية المتسيّدة حتى الآن في مجال خدمات وبحوث ونقل الدم تكرس ذات الأخطاء والأساليب البدائية المتوارثة.. ويشمل ذلك القطاع الصحي ومرافقه المختلفة في العاصمة وبقية المحافظات والمدن اليمنية.
‮ ‬ويعني‮ ‬ذلك‮ ‬ببساطة‮ ‬متناهية‮.. ‬ومؤسفة‮.. ‬أن‮ ‬أخطار‮ ‬ومحاذير‮ ‬حدوث‮ ‬أخطاء‮ ‬باهظة‮ ‬ومضاعفات‮ ‬صحية‮ ‬غير‮ ‬مأمونة‮ ‬في‮ ‬حالات‮ ‬محتملة‮ ‬لنقل‮ ‬الدم‮ ‬واستخداماته‮ ‬الطبية‮ ‬تظل‮ ‬ماثلة‮ ‬وقائمة‮..‬
‮ ‬والسؤال‮ ‬الطبيعي‮.. ‬البسيط‮ ‬والصعب‮ ‬في‮ ‬آن‮ ‬معاً‮.. ‬هو‮: ‬لماذا‮ ‬يتم‮ ‬تعطيل‮ ‬المركز‮ ‬وإقصاؤه‮ ‬عن‮ ‬واجباته‮ ‬الطبية‮ ‬والإنسانية؟
ومن‮ ‬يتحمل‮ ‬مسؤولية‮ ‬تعطيل‮ ‬أوإجهاض‮ ‬التنفيذ‮ ‬العملي‮ ‬الإداري‮ ‬والمالي‮ - ‬للقرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬الخاص؟
ضد‮ ‬القرار‮..‬
النظام المعمول به والسائد قبل صدور القرار وإنشاء المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه في مايو ٥٠٠٢م كان يلحق خدمات الدم بالمستشفيات .. ولم يكن ذلك متوافراً دائماً وبانسيابية.. مع قصور ملاحظ ومحاذير تتعلق بالجودة الخدمية والدقة والمأمونية.. زد على ذلك مخاطر العدوى‮ ‬والإصابات‮ ‬وانعدام‮ ‬شروط‮ ‬السلامة‮ ‬في‮ ‬وسط‮ ‬يعج‮ ‬بالمرضى‮ ‬والمصابين‮ ‬بأمراض‮ ‬مختلفة‮ ‬ومنها‮ ‬ما‮ ‬هو‮ ‬معدٍ‮.‬
‮ ‬إضافة‮ ‬الى‮ ‬ذلك‮ ‬كانت‮ “‬المختبرات‮ ‬المركزية‮” ‬في‮ ‬المحافظات‮ ‬تقوم‮ ‬بواجبات‮ ‬وتأخذ‮ ‬صفة‮ “‬بنك‮ ‬الدم‮ ‬المركزي‮” - ‬على‮ ‬سبيل‮ ‬المثال‮ ‬المختبر‮ ‬المركزي‮ ‬بالعاصمة‮ ‬صنعاء‮.. ‬المجاور‮ ‬لمستشفى‮ ‬الكويت‮ ‬الجامعي‮.‬
ولم يكن الوضع سليماً من الناحية الطبية والإدارية لأن المختبر المركزي - حتى من اسمه- يختص بوظائف ومهام الفحص والتحليل المختبري للأغراض العلاجية (دم، بول، براز، إضافة الى الكشافة وتخطيط القلب والتصوير التلفزيوني) بمعنى آخر، فإن المختبر المركزي ليس بنكاً للدم،‮ ‬بل‮ ‬مختبراً‮ ‬يخدم‮ ‬في‮ ‬جوانب‮ ‬أخرى‮ ‬متعلقة‮ ‬بالتحليل‮ ‬والتشخيص‮ ‬المخبري‮ ‬والفحص‮ ‬المعملي‮.. ‬وألحق‮ ‬به‮ - ‬عنوة‮ ‬كما‮ ‬يبدو‮ - ‬دور‮ ‬وصفة‮ “‬بنك‮ ‬الدم‮”.‬
يفترض أن يكون الوضع السابق والمختل تماماً قد تغيَّر.. وصارت المسؤولية والوظيفة كاملة الى المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه منذ بدايات العام ٦٠٠٢م مع بدء عمل المركز ودوران الحياة فيه.. وللأسف- وسوف نأسف أكثر من ذلك لاحقاً- فإن هذا لم يحدث، وبقي الوضع على ما هو عليه.. برغم بداية مبشّرة وقوية سجلها المركز، وبرغم شهادات وإشادات توالت من أشقاء (قطر، الأردن، مثلاً) وأصدقاء أجانب بحق المركز وفكرة تأسيسه وتقدم إمكاناته الفنية والانضباط الطبي في مزاولة الخدمات المتعلقة بنقل وحفظ الدم والتأكد من سلامته.
ولكن‮ ‬لماذا‮ ‬لم‮ ‬يتغير‮ ‬الوضع‮ ‬المائل‮ ‬ولم‮ ‬يمارس‮ “‬بنك‮ ‬الدم‮” ‬كامل‮ ‬مهامه‮ ‬ومسؤولياته؟
لهذا‮ ‬قصة‮ ‬أخرى‮.. ‬بل‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬قصة‮..‬
في‮ ‬ذمة‮ ‬المالية
حيثيات كبيرة.. وخلفيات مهمة ومؤسفة تشاركت في إفراغ جزء كبير من المشروع والمركز من محتواه وطموحاته، وفي جميع الاحوال.. فإن الجهة التنفيذية المباشرة التي يتبعها المركز والمسؤولة عن التمكين له - وزارة الصحة والسكان - لابد أن تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، وقد يعني هذا الكلام أنها تتحمل المسؤولية كاملة، لجهة كونها المعنية بإلزام القطاع الصحي وتفرعاته (المشافي الحكومية، المختبرات المركزية، وأيضاً المشافي الخاصة والأهلية) بمرجعية المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه فيما يتعلق بنقل وفحص وسلامة الدم والحاجة إليه في الحالات‮ ‬المرضية‮ ‬والعلاجية‮.‬
والذي حدث أن الوزارة لم تلزم أحداً.. ولم تقم بدورها الرقابي والتنفيذي، وأبعد من ذلك لم توفر الأجواء الملائمة لسير العمل وتدرج المركز في إنفاذ مهامه ومسؤولياته، وبحسب معلومات ومصادر مطلعة ، وبحسب الواقع الذي شاهدناه ورصدناه على الأرض، فإن جزءاً مهماً ورئيسياً من المشكلة يكمن في ضعف - إن لم أقل انعدام - التنسيق والمرونة اللازمة لمعاونة المركز على بسط اختصاصاته الطبية والانسانية.. وسوف أشير الى الوزارة باعتبارها الجهة المسؤولة عن ذلك، ولها أن توضح أو تكذب أو تفنّد وتصف الواقع بحسب رؤيتها وما لديها من مبررات.
‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬كان‮ ‬واضحاً‮ ‬في‮ ‬إعطاء‮ ‬المركز‮ ‬الوطني‮ ‬لنقل‮ ‬الدم‮ ‬وأبحاثه‮ ‬صفة‮ ‬ووضعية‮ ‬الشخصية‮ ‬الاعتبارية‮ ‬وتمتعه‮ ‬بذمة‮ ‬مالية‮ ‬مستقلة‮ ‬لتحقيق‮ ‬أهدافه،‮ ‬هذا‮ ‬في‮ ‬أصل‮ ‬الشيء‮ ‬أو‮ ‬ما‮ ‬يجب‮ ‬ان‮ ‬يكون‮.‬
وما هو كائن عملياً يقول بأن الشخصية الاعتبارية تم تقزيمها.. كما تم خنق الذمة المالية.. ولم تفعل وزارة المالية أكثر من أن مارست دور الوصاية على مركز طبي وخدمي مهم وخطير إلى هذه الدرجة من الأهمية.. وبقي المركز محكوماً في كثير من الأحيان وفي كثير من أعماله ومهامه‮ ‬وبرامجه‮ ‬بالتبعية‮ ‬المالية‮ ‬لوزارة‮ ‬المالية‮ - ‬سواء‮ ‬تبعية‮ ‬مباشرة‮ ‬أو‮ ‬غير‮ ‬مباشرة،‮ ‬بل‮ ‬ضمنية‮.. ‬والمعنى‮ ‬واحد‮ ‬في‮ ‬الحالتين،‮ ‬لأنّ‮ ‬المركز‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الجو‮ ‬لا‮ ‬حول‮ ‬له‮ ‬ولا‮ ‬قوة‮..‬
وفي‮ ‬هذه‮ ‬وتلك‮ .. ‬حُوصر‮ ‬المركز‮ ‬والطموح‮ ‬الذي‮ ‬انطوت‮ ‬عليه‮ ‬فكرة‮ ‬ومشروع‮ ‬إنشائه‮ ‬من‮ ‬الجهتين‮ “‬الشخصية‮ ‬الاعتبارية‮.. ‬والذمة‮ ‬المالية‮” ‬وبعد‮ ‬ذلك‮ ‬يسألونك‮: ‬أين‮ ‬هو‮ ‬الفساد‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحالة؟
متاهة‮ ‬الاختصاصات
يُفترض أن يتولى المركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه ممارسة اختصاصات محددة ومشار إليها سابقاً، ومن ضمنها “الإشراف على بنوك الدم في المراكز الفرعية في المحافظات ومراقبة تنفيذها لأحكام قرار الإنشاء - الجمهوري - والتشريعات النافذة”.
وقبل ذلك أناط القرار الجمهوري بالمركز العمل ضمن أهداف محددة، وأولها: “تنظيم وتطوير خدمات فحص وسلامة نقل وحفظ واستخدام الدم ومشتقاته في كافة المحافظات بفصلها عن المختبرات وربطها بالمركز الوطني وفروعه”.
وقبل هذا وذاك - ايضاً - نصت المادة الرابعة من القرار الجمهوري على ما يلي: “يكون المقر الرئيسي للمركز العاصمة صنعاء ويجوز أن ينشئ فروعاً له في محافظات الجمهورية بقرار من الوزير بناءً على عرض من المدير العام”.
‮ ‬والآن‮.. ‬ما‮ ‬الذي‮ ‬تحقق،‮ ‬أو‮ ‬لم‮ ‬يتحقق‮ ‬من‮ ‬هذه‮ ‬الأهداف‮ ‬والسلطات؟
ببساطة‮ - ‬مرة‮ ‬ثانية‮ ‬ورابعة‮ - ‬لم‮ ‬يتحقق‮ ‬جُلّ‮ ‬أو‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬ورد‮ ‬للتَوّ‮.. ‬والتفاصيل‮ ‬هي‮ - ‬بإيجاز‮:‬
لم يتم إنشاء فروع للمركز في المحافظات.. لأن المركز الرئيسي - أصلاً - في العاصمة صنعاء لا يستطيع مزاولة أعماله ومهامه لأسباب عدة منها التبعية لوزارة المالية في الجانب المالي والميزانية - وتعنت هذه الاخيرة - لا أقول الوزير شخصياً بل الإدارة المعنية بالتعامل‮ ‬والتعاون‮.‬
ناهيك عن أن القرار نص: “يتولى مدير عام المركز إدارة المركز وتصريف شؤونه المالية والإدارية والفنية” والحال أن هذا غير متحقق ولا متاح، والمعلومات الموثوقة لدينا تؤكد حصول مضايقات على مدير عام المركز (المديرة حالياً) من قِبل مندوبي المالية.
‮ ‬زد‮ ‬على‮ ‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬تخفيض‮ ‬ومناقصة‮ ‬الميزانية‮ ‬التشغيلية‮ ‬للمركز‮ ‬بتعاقب‮ ‬عن‮ ‬تلك‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬مقررة‮ ‬عند‮ ‬افتتاح‮ ‬المركز‮ ‬قد‮ ‬أثر‮ ‬مباشرة‮ ‬على‮ ‬برامج‮ ‬عمل‮ ‬المركز‮ ‬وأهدافه‮.‬
وأيضاً بقي المركز بلا مدير مالي لأشهر ثلاثة (منذ بداية ٩٠٠٢م وحتى الشهر الجاري) لأن المدير السابق الذي عينته المالية لم يعد يداوم .. وقُلْ لم يعد مرغوباً فيه.. وثمة أحاديث تهمس وتجهر بخلافات متكررة مع إدارة المركز وتدخُّل مباشر في الصلاحيات المالية المخولة للإدارة، وأياً كانت الأسباب والخلفيات فإن وزارة المالية امتنعت بالتالي عن تسمية مدير مالي آخر برغم المطالبات، وتبعاً لذلك لم يعد ممكناً صرف مرتبات الموظفين وميزانية المركز من دون مشارعات وملاحقات.. الى أن تم توقيف المرتبات والميزانية التشغيلية للمركز نهائياً في شهر ٣ الماضي، وعليه توقف المركز عن العمل وتقديم الخدمات لستة أيام، ووصل الأمر الى الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والتي شكلت لجنة للتحقيق وتقصّي الحقائق والتثبت من تظلمات وشكاوى إدارة المركز وقد استؤنف العمل وباشرت اللجنة عملها بالنزول الى المركز ووزارة المالية.. وبحسب الدكتورة بلقيس أبو أصبع فإن وزير المالية نعمان الصهيبي أبدى تعاوناً وحرصاً على التجاوب مع تظلمات المركز ووعد بصرف المستحقات المالية الشهرية الى حين الوقوف على نتائج عمل وتقصَّي اللجنة المشكَّلة من هيئة مكافحة الفساد واتخاذ ما يلزم‮ ‬من‮ ‬قرارات‮ ‬على‮ ‬ضوئها‮.‬
‮ ‬وفي‮ ‬الجهة‮ ‬الأخرى‮ ‬من‮ ‬المعاناة‮.. ‬فإن‮ ‬منطوق‮ ‬المادة‮ (٤٢) ‬من‮ ‬القرار‮ “‬يتمتع‮ ‬الاطباء‮ ‬المشرفون‮ ‬على‮ ‬عمليات‮ ‬فحص‮ ‬الدم‮ ‬والعاملون‮ ‬في‮ ‬خدمات‮ ‬نقل‮ ‬الدم‮ ‬بالمزايا‮ ‬الواردة‮ ‬في‮ ‬الكادر‮ ‬الصحي‮ (‬التنميط‮)”..‬
لم‮ ‬يتم‮ ‬العمل‮ ‬بها‮ ‬ولم‮ ‬تتمكن‮ ‬الإدارة‮ ‬من‮ ‬توظيف‮ ‬واعتماد‮ ‬عدد‮ ‬من‮ ‬كوادرها‮ ‬في‮ ‬كشوفات‮ ‬الخدمة‮ ‬المدنية‮ ‬وبقي‮ ‬الأمر‮ ‬معلقاً‮ .. ‬ومحلك‮ ‬سر‮!‬
هكذا‮ ‬ضاعت‮ ‬المنحة
‮ ‬هذه‮ ‬واحدة‮.. ‬فقط‮.. ‬عن‮ ‬المركز‮ ‬الرئيسي‮ ‬بصنعاء‮.. ‬ولماذا‮ ‬لم‮ ‬يتحقق‮ ‬شيء‮ ‬من‮ ‬الأهداف‮ ‬المحددة‮.‬
أما الثانية، فلأن المركز الرئيسي في العاصمة لا يمتلك مقراً أو مبنى مركزياً يليق ببنك الدم الوطني المركزي، ويحشر المركز نفسه في مبنى مؤقت وضيق ضمن حرم مستشفى السبعين للأمومة والطفولة والولادة بصنعاء، والى جوار مبنى المستشفى - خلف قسم الطوارئ - ومع ذلك فإنه‮ ‬ليس‮ ‬مرغوباً‮ ‬ولا‮ ‬مرحَّبَاً‮ ‬به‮ ‬هناك‮ (!) ‬وكأنه‮ ‬دخيل‮ ‬على‮ ‬المساحة‮ ‬التي‮ ‬يقوم‮ ‬عليها‮.‬
ويشكو المركز وإدارته من “الضيق” وعدم توافر غرف كافية للإدارات والأقسام الحالية، فضلاً عن الحاجة الى إنشاء أقسام أخرى من صلب أعمال المركز واهدافه، وخصوصاً أقسام تُعنى بفحوصات أمراض الدم الوراثية وأمراض القلب.
والأشد مرارة وإيلاماً - بعد كل ذلك - هو ما كشفته لنا المصادر عن أنّ المساحة الواسعة والخالية داخل حرم مستشفى السبعين كان جزء منها فقط يكفي لتأميم مبنى حديث ومتكامل للمركز الوطني لنقل الدم وأبحاثه (بنك الدم) وقد تكفل بالتمويل للبناء ولتوفير أجهزة طبية حديثة‮ ‬للمركز‮ - ‬بعد‮ ‬الإنشاء‮ - ‬عدد‮ ‬من‮ ‬المانحين‮ (‬دول‮ ‬ومؤسسات‮) ‬أبدوا‮ ‬إعجابهم‮ ‬بعمل‮ ‬المركز‮ ‬واستعدادهم‮ ‬للتعاون‮ ‬وتمويل‮ ‬الإنشاءات‮ ‬والتجهيزات‮ ‬الخاصة‮ ‬به‮.‬
‮.. ‬ولكن‮ - ‬وهنا‮ ‬سوف‮ ‬نأسف‮ ‬بلا‮ ‬توقف‮ - ‬تبخر‮ ‬كل‮ ‬ذلك،‮ ‬وتم‮ ‬إهدار‮ ‬الفرصة‮ ‬وتبديدها‮ ‬بلا‮ ‬حساب‮.. ‬لماذا؟
فقط لأن إدارة مستشفى السبعين رفضت ذلك، ورفضت الموافقة بالتنازل عن جزء يسير من المساحة الكبيرة والخالية هناك!! ليس هذا فحسب، بل ولأن المسؤولين التنفيذيين الحريصين في وزارة الصحة لم يكونوا حريصين على اغتنام عرض سخي يخدم الصحة والسكان ويقدم خدمة وطنية جليلة، فلم‮ ‬تفلح‮ ‬مذكرات‮ ‬ومطالبات‮ ‬مديرة‮ ‬المركز‮ ‬بإقناع‮ ‬وزارة‮ ‬الصحة‮ ‬بضرورة‮ ‬التجاوب‮ ‬لإقناع‮ ‬إدارة‮ ‬السبعين‮ (‬المستشفى‮) ‬بالموافقة‮ ‬على‮ ‬المشروع‮ ‬وتخصيص‮ ‬جزء‮ ‬من‮ ‬المساحة‮ ‬لصالح‮ ‬المبنى‮ ‬الموعود‮!!‬
لا‮ ‬تسأل‮ ‬عن‮ ‬الفروع
وثالثاً، لم يتم فصل خدمات فحص ونقل وسلامة الدم من المختبرات في المشافي وإلحاقها بالمركز.. بحسب القرار.. وبالتالي لم يقم المركز بالرقابة والاشراف على أحد من هؤلاء.. بل ولاتزال المختبرات المركزية تمارس مهامها كـ”بنوك للدم” ولا تلتزم المستشفيات الحكومية او الخاصة‮ ‬بمرجعية‮ ‬المركز‮ ‬والرجوع‮ ‬اليه‮ ‬في‮ ‬طلب‮ ‬ونقل‮ ‬وفحص‮ ‬والتأكد‮ ‬من‮ ‬سلامة‮ ‬الدم‮.‬
هذه‮ ‬مهمة‮ ‬يسيرة‮ ‬يمكن‮ ‬لوزارة‮ ‬الصحة‮ ‬ان‮ ‬تقوم‮ ‬بها‮ ‬وتلزم‮ ‬الجميع‮ ‬بمرجعية‮ “‬بنك‮ ‬الدم‮” ‬او‮ ‬المركز‮ ‬الوطني‮.. ‬وسوف‮ ‬نتجنب‮ ‬كثير‮ ‬مخاطر‮ ‬ومضاعفات‮ ‬ونضمن‮ ‬عملاً‮ ‬نوعياً‮ ‬متخصصاً‮ ‬وآمناً‮.. ‬والسؤال‮: ‬متى‮ ‬تقوم‮ ‬الوزارة‮ ‬بذلك؟
ورابعاً.. وبناءً على ما سبق سيكون من الاستحالة على المركز القيام بواجباته وإنشاء فروع له في المحافظات بحسب ما نص القرار الجمهوري، فإذا كان هذا هو حاله في المركز الرئيسي بالعاصمة، فهل نطلب منه الانتقال الى الفروع والمحافظات؟!!
سوق‮ ‬سايبة
‮ “‬يُعتبر‮ ‬المركز‮ ‬الجهة‮ ‬الوحيدة‮ ‬المخولة‮ ‬للقيام‮ ‬بعمليات‮ ‬فحص‮ ‬وجمع‮ ‬وتخزين‮ ‬وتوزيع‮ ‬الدم‮ ‬ومشتقاته‮ ‬الى‮ ‬بنوك‮ ‬الدم‮ ‬في‮ ‬المستشفيات‮ ‬العامة‮ ‬والخاصة،‮ ‬ومتابعة‮ ‬بيانات‮ ‬استخدامه‮”.‬
كانت‮ ‬هذه‮ ‬المادة‮ ‬الثامنة‮ ‬في‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬بإنشاء‮ ‬المركز‮ ‬الوطني‮ ‬لنقل‮ ‬الدم‮ ‬وأبحاثه‮.. ‬وعملياً‮ ‬هذا‮ ‬لم‮ ‬يتم‮ ‬حتى‮ ‬الآن‮ .. ‬هل‮ ‬الأمر‮ ‬مؤسف؟
أناط قرار الإنشاء بالمركز مهام متابعة التطورات وكل جديد في مجال الابحاث والدراسات المتعلقة بأمراض الدم ومشتقاته.. ووضع المواصفات والشروط والضوابط اللازمة لتنظيم كافة خدمات نقل الدم، وتحديد الشروط المطلوب توافرها للمراكز الفرعية المختصة بجمع وتخزين وتوزيع الدم‮.‬
‮ ‬ولكن‮ ‬ثمة‮ ‬مخالفات‮ ‬صارخة‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬السياق‮.. ‬واحدة‮ ‬منها‮ ‬لا‮ ‬غير‮ ‬أن‮ ‬جهات‮ ‬ومؤسسات‮ ‬طبية‮ ‬وعلاجية‮ ‬تقوم‮ ‬باستيراد‮ ‬أجهزة‮ ‬فصل‮ ‬دم‮ ‬من‮ ‬تلقاء‮ ‬نفسها‮ ‬دون‮ ‬الرجوع‮ ‬للمركز‮ (‬مستشفيات‮ ‬حكومية‮ ‬وخاصة‮).‬
وسوى‮ ‬ذلك‮ ‬فإن‮ ‬أحداً‮ ‬لا‮ ‬يريد‮ ‬العمل‮ ‬وفق‮ ‬ضوابط‮ ‬ومواصفات،‮ ‬ولذلك‮ ‬يعملون‮ ‬بعيداً‮ ‬عن‮ ‬اشتراطات‮ ‬القرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬واللوائح‮ ‬المنظمة‮ ‬لعمل‮ ‬المركز‮.‬
إشارة‮ ‬أخيرة
قد يكون مهماً - قبل الانصراف وطيّ الأوراق - الإشارة الى القصور في الجانب التوعوي والإعلامي كجزء من مهمة المركز “توعية المجتمع وتشجيعه على التبرع بالدم عبر وسائل الاعلام المختلفة” كما نصت المادة الخامسة / البند ٤/ من قرار الإنشاء.. والسبب امتناع الاعلام (مرئي، مسموع، ومقروء) عن المبادرة الطوعية الى التوعية بأهمية التبرع الطوعي بالدم كواجب وطني وإنساني، لتوفير كميات كافية وآمنة لجميع المرضى خصوصاً مرضى الأورام السرطانية وأمراض الدم والذين يحتاجون لنقل دم مستمر.
علاوةً‮ ‬على‮ ‬أن‮ ‬الميزانية‮ ‬المتواضعة‮ ‬للمركز‮ ‬لا‮ ‬تسمح‮ ‬له‮ ‬بتنفيذ‮ ‬دعايات‮ ‬وحملات‮ ‬إعلامية‮ ‬متكررة،‮ ‬وإن‮ ‬كان‮ ‬قد‮ ‬بادر‮ ‬وفعل‮ ‬ذلك‮ ‬بمجهودات‮ ‬ذاتية‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬مرة‮.‬
أما‮ ‬بعد‮..‬
‮ ‬ثمة‮ ‬مسؤولية‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتحملها‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬طرف‮ ‬وجهة‮.. ‬إزاء‮ ‬هذه‮ ‬الحالة‮ ‬المأساوية‮ ‬والعبث‮ ‬التدميري‮ ‬الحاصل‮.‬
‮- ‬التعامل‮ ‬مع‮ ‬قضية‮ ‬خطيرة‮ ‬بخطورة‮ ‬الدم‮ ‬والصحة‮ ‬العامة‮ ‬والسلامة‮ ‬العامة‮ ‬والأمن‮ ‬الصحي‮ ‬القومي‮ ‬لليمن‮.. ‬بهذه‮ ‬الطريقة‮ ‬يستوجب‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬احتجاج‮ ‬ورفض‮ ‬وتأسُّف‮.‬
‮- ‬العبث‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬يتوقف‮.. ‬والقرار‮ ‬الجمهوري‮ ‬يجب‮ ‬إنفاذه‮ ‬واحترامه‮.. ‬وعلى‮ ‬الجهات‮ ‬التنفيذية‮ ‬المعنية‮ ‬القيام‮ ‬بواجباتها‮ ‬ومراجعة‮ ‬سياسة‮ ‬التطفيش‮ / ‬حيناً‮.. ‬والتطنيش‮/ ‬حيناً‮ ‬آخر‮.‬
‮- ‬هذه‮ ‬صحة‮ ‬بلد‮.. ‬وسلامة‮ ‬ناس‮.. ‬وحياة‮ ‬مواطن‮ ‬ومستقبل‮ ‬وطن‮.. ‬هل‮ ‬الأمر‮ ‬أقل‮ ‬خطورة‮ ‬حتى‮ ‬لا‮ ‬يلتفت‮ ‬إليه‮ ‬أحد؟‮!‬
‮- ‬باختصار‮: ‬أوقفوا‮ ‬النزيف‮ ‬الحاصل‮.. ‬بلون‮ ‬الدم‮.<‬
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-9857.htm