حاورها: امين الوائلي -
قالت: إن ٥٩٪ من القضايا والحوادث التي يتناولها التقرير الأخير عن الخارجية الامريكية حول حقوق الإنسان.. فيما يتعلق باليمن.. سبق وتناولها حرفياً في أعوام سابقة.. وأكدت أن الدول المتقدمة تنتهك حقوق الانسان باسم الدفاع عنها وحمايتها..
ودافعت عن وزارتها: “ليست شكلية أو ديكوراً.. وهذه أعمالنا”..
في الحوار التالي.. وزيرة حقوق الانسان الدكتورة هدى البان ترد على أسئلة “الميثاق” برحابة صدر..
بالعود ة إلى ما تضمنه التقرير الأخير للخارجية الأمريكية لحقوق الإنسان.. ما أبرز القضايا الخلافية والمآخذ على ما ورد في التقرير بخصوص اليمن؟
- تتغير السنون وتتبدَّل الأوضاع.. وقسماتُ تقرير الخارجية الأمريكية لم تتغيَّر ولم يطرأ عليها جديدٌ يعكس واقعَ الحال بتجرُّد وحياد.. والمآخذ والملاحظات التي أشرنا إليها في الأعوام الماضية هي نفسها تتكرَّر في تقرير عام 2008م، من حيثُ نمطية المحتوى والشكل وادعاءاته المتَّسمة بعدم الدقَّة وخلط الأوراق وابتكار وقائعَ وأحداثٍ لم يكن لها وجودٌ أو أثرٌ في الماضي أو الحاضر.. كما أنَّ التقرير يركِّز كعادته على الحقوق السياسية والمدنية ولا يلتفت إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، ويكثِّف الضوءَ على كلِّ ما هو سلبيٌّ قاتم ويغضُّ الطرف متعمِّداً عن الانجازات المحققة في مجالات الحياة المختلفة، فضلاً عن أن (95٪) من القضايا والحوادث التي يتناولها التقريرُ قد تناولها حرفياً في أعوام سابقة، وإذا رجعت أنتَ أو غيرك إلى تقارير أعوام 2003، 2004، 2005، 2006، 2007م، لوجدتها متطابقةً تقريباً في المضمون مع اختلاف بسيط في الصياغة اللغوية فحسب، ولعلك لا تكون مبالغاً عند ذاك لو قلتَ إنَّه تقريرٌ واحدٌ يُعاد استنساخه كلَّ عام.
ومن المآخذ التي سبق أن ناقشناها مع وزارة الخارجية الأمريكية ولفتنا إليها الانتباه غير مرَّة هي أن معدي التقرير لا يفرِّقون بين أحكام القضاء في الجرائم المخالفة للقوانين وبين ما يُعدُّ انتهاكاً لحقوق الإنسان، فكلا الحالين عندهم سواء، كما أنَّ التقرير الأمريكي عوَّدنا على اعتماده على معلومات مبتسرة حيناً وعلى معلومات مغلوطة حيناً آ خر؛ ويستند إلى مصادرَ مجهولةِ الهوية أو معارضة ذات بُعد أحادي، ولا يكلِّف معدو التقرير أنفسَهم تحرّي الدقَّة والموضوعية في كل ما يصل إليهم أو في كل ما يطَّلعون عليه من الصحف المحلية أو مواقع الإنترنت ويأخذونها على علاتها باعتبارها حقائق لا ترقى إلى الشك.. ومن الملاحظ أيضاً أن تقرير الخارجية الأمريكية لا يفصل بين اللجوء الاضطراري للحكومة في استخدام المواجهة أو العنف لحماية حقوق الدولة وحقوق المواطنين ضد جماعات تخريبية أو إرهابية أو عبثية تستهدف أرواح الأبرياء أو إثارة الفتنة أو إقلاق السكينة العامة وهز سيادة البلاد وإرباك سيادة القانون، وبين استخدام هذه العصابات الارهابية والتخريبية للقوة والعنف بالخروج على القانون والمؤسسات، فأنا أحسُّ أنَّ هذا التقرير هو استهدافٌ سياسيٌّ أكثرُ منه مرآةً عاكسةً لأوضاع حقوق الإنسان في اليمن، لابتعاده عن المعايير الموضوعية والأساليب المنهجية لكتابة التقارير الهادفة إلى تقويم الاعوجاج وإصلاح الاختلالات.. مع العلم أنَّ هذا التقرير يتناول أوضاعَ حقوق الإنسان في (195) دولةً باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية، ولك أنتَ وغيرك استخلاص أبعاد وأهداف التقرير ولا حاجة إلى الإسهاب في هذا الموضوع.
نحو دور وطني
في أحوال سابقة كانت الوزارةُ تقوم -بالشراكة مع جهات حكومية- بصياغة تقرير يتضمن رداً تفصيلياً عن التقرير الأمريكي ... هل هذه هي الآلية المناسبة ... وهل يستحق الأمر أصلاً - يسأل البعض - هذا القدر من رد الفعل الرسمي؟
- ما زالت الوزارةُ محافظةً على هذا التقليد وعلى هذه الآلية في الرد على كلِّ التقارير الدولية وليس فقط تقرير الخارجية الأمريكية، كتقرير منظمة العفو الدولية (Amensty International)، وتقرير منظمة الرقابة على حقوق الإنسان ( Human Rights Watch)، وتقرير بيت الحرية (Freedom house). وغيرها من التقارير، وأعتقد أنَّها آليةٌ مناسبةٌ، أفضل من تولّي وزارة حقوق الإنسان منفردةً الردَّ على ملاحظات أو ادعاءات هي من اختصاص جهات بعينها، وأكثر درايةً بتفاصيلها وملابساتها والقرارات المتخذة بشأنها.. فنحنُ مع القاعدة الإسلامية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى بقوله: (اسألوا أهلَ الذكر إن كنتم لا تعلمون)، بل إننا ننوي في المستقبل المنظور إشراكَ منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان في الرد على هذه التقارير ليكون الردُّ وطنياً بدلاً من اتسامه بالرسمية.. ثم إن تعاطينا الشفَّاف مع هذه التقارير والرد على ادعاءاتها ليس من قبيل الفعل ورد الفعل كما يعتقد البعض، ولكن من باب تفنيد الادعاءات المضللة لوعي الناس خارج اليمن الذين يطالعون هذه التقارير عبر شبكة النت، ويعتقدون بصحة كل ما ورد فيها.. فالردُّ عليها من قبيل تصحيح الصورة المشوَّهة لسمعة اليمن وتنميط واقعنا على غير ما هو عليه.
يتعمد التشويه
أين يذهب الرد وهل يناقش مع الجانب الأمريكي، وهل البلدان معنية بالرد على تقارير من هذا النوع ؟
- كل الردود السابقة على تقرير الخارجية الأمريكية نبثها عبر موقع الوزارة الالكتروني، ونرسل نسخاً منها إلى الصحافة الرسمية لنشرها، ونسخة إلى الخارجية الأمريكية لإيضاح الحقائق وكشف الملابسات والادعاءات الضالة.. وأنا منذُ توليتُ حقيبة وزارة حقوق الإنسان أحرص على مناقشة الجانب الأمريكي بالتقاء السفير الأمريكي في صنعاء أو نائبه، وقد أُتيحت لي فرصةُ التقاء مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية عند زيارتي أمريكا، وأوضحنا لهم أكثرَ من مرة أنَّ تقرير خارجيتهم يعمد إلى إثارة قضايا لا تخدم تعزيز واقع حقوق الإنسان في اليمن، ولا يشجِّع على تطويرها مستقبلاً لما يتَّسم به من مبالغة وتضخيم وتشويه متعمَّد لتجربتنا الرائدة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، ورحَّبنا بصدق بأيِّة حقائقَ ووقائعَ موضوعيةٍ يتناولها التقرير؛ مدركين أنَّ الخطأ يظلُّ دائماً وارداً وممكناً في أي دولة مهما كانت متقدمة، وأن الكمال لا يحوزه إلا الله، ورحم الله امرءاً أهدى إليَّ عيوبي، كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
المهم أن يكون المضمونُ مجرَّداً من أي ميل أو هوى أو أي نزعة انتقائية تهدف إلى غير ما هو سامٍ.
ولسنا معنيين لا نحن ولا غيرنا من الدول بالرد على هذه التقارير، ولكننا معنيون بإجلاء الحقائق للناس الذي قد يسلّمون بحقيقة ما يرد في هذه التقارير، وخوفاً من أن يُفسَّر سكوتنا على ما جاء فيها بأنه إقرارٌ بصحتها أو اعترافٌ ضمنيٌّ بواقعها.
توظيف نفعي ضار
قضايا حقوق الإنسان من الملفات الساخنة في اليمن وتختلط بالسياسة والأغراض الحزبية إلى حد بعيد، وكل طرف يفسر القضايا من زاويته الخاصة .. إلى أي مدى يسهم ذلك في التأثير سلباً على مجمل النقاش الحقوقي في اليمن؟
- ما قلته صحيح تماماً، ويؤثر سلباً في تطوير أوضاع حقوق الإنسان في اليمن، ويقدِّم اليمنَ بصورة شوهاء، ويضعف من صدق التوجُّه، ويثير لدى المجتمع الدولي شكوكاً حول جهود الحكومة في مجال تعزيز الحقوق والحريات، بل ويعرقل جهود الشراكة الجادة مع منظمات المجتمع المدني الوطنية والمنظمات الدولية، فنحن نعاني كثيراً من التوظيف السياسي النفعي لأوضاع حقوق الإنسان من قِبل الأحزاب السياسية، والقوى المعارضة التي لا يكترث معظمها بنتائج هذا التوظيف السياسي، وهذا سلوك للأسف يقود إلى تحويل حقوق الإنسان في بلادنا من قضية إجماع وطني إلى قضية للخلافات والمنازعات ويحدث ندوباً عميقةً في خريطة التقدم المنشود، ويؤثر سلباً في رغبة المنظمات الدولية المانحة في مساعدة اليمن في برامجها التنموية التي تعود بالنفع العام على الوطن والمواطن. فاليمن أرضاً وإنساناً هي الخاسرةُ من هذا التوظيف الذي يترتبُ عليه عواقب غير محمودة.
ليست “شكلية”..
وزارة حقوق الإنسان، على أهميتها.. إلا أن هناك رأياً يذهب إلى القول بأنها وزارة شكلية أو تجميلية، أكثر من كونها تشبع حاجة وظيفية إليها ... ما رأي الوزيرة ... وأين تجد الوزارة نفسها في التشكيل الحكومي الثالث ؟
- هذا رأي نحترم أصحابه، وهو حقٌّ أساسيٌّ من حقوق الإنسان في سياق حرية الرأي والتعبير، (فرأيي خطأٌ يحتمل الصواب ورأي غيري صوابٌ يحتمل الخطأ)، لكن الواقع يقول بغير ما ذهب إليه أصحاب هذا الرأي، وبإمكان أيِّ صحفي معارضاً كان أم مؤيداً أن يزور وزارة حقوق الإنسان ليطَّلع عن قُرب على أنشطتها والمهام والاختصاصات التي تضطلع بها على مدار أيام السنة ليشهد بنفسه أنَّ الوزارة تمارس مهاماً دستوريةً وقانونية من شأنها النهوضُ بواقع حقوق الإنسان، ومعالجة أي أخطاء أو اختلالات تمسُّ حقوق الناس وحرياتهم، ولدى الوزارة جهازٌ فنيٌّ وقانوني يُعنى باستقبال شكاوى المواطنين وتظلماتهم ودراستها وتحليلها والرفع العاجل إلى الجهات المعنية لإقامة ميزان العدالة ورد الحقوق إلى أصحابها، ولدينا أيضاً خطٌّ ساخنٌ يعمل على مدار ساعات اليوم لاستقبال الشكاوى والبلاغات، كما نهتم بكل ما يُنشر عبر صحافتنا الوطنية من بلاغات يتم رفعها إلى المسؤولين في الحكومة بل إلى رئيس الجمهورية إن دعت الضرورة، ولدينا أيضاً فريقٌ قانونيٌّ مدرب معني بالنزول الميداني لتقصّي الحقائق ومعاينة الأوضاع المبلَّغ عنها في أية محافظة أو مديرية، مهما كانت نائيةً، فضلاً عن أنَّ قيادة الوزارة والفريق المختص تنزل نزولاً دورياً منتظماً كلَّ شهر إلى السجون لتفقُّد أحوال السجناء وأوضاعهم الصحية والبيئية وقانونية الإيقاف أو السجن وأساليب المعاملة الإنسانية والقانونية.. وسبق للوزارة أن رفعت عدداً من التقارير إلى مجلس الوزراء عن بعض الخروقات القانونية في بعض السجون، واتخذت قرارات رادعة في حق المسؤولين عنها.
أعتقد أنَّ هذه النماذج البسيطة من المهام التي تضطلع بها وزارتنا تؤكد أن الوزارة ليست ديكوراً أو ذا دور تلميعي تجميلي، بل إنَّ الوزارة دائماً تقف إلى صف المواطن المنكسر ضد الجهاز الحكومي؛ إيماناً منا بأنَّ الارتقاء إلى المستوى اللائق يقتضي رصدَ السلبيات ومعالجتها خير من إعلان أن كل شيء على ما يرام، لأن التلميع أو التجميل على حساب قضايا الوطن يعدُّ خيانةً للوطن والأمة ولا يخدم سوى أعداء تطور هذا البلد الحبيب.
استدراك
.. وكما يلاحظ البعض.. فإن وزارة حقوق الإنسان تميل إلى العمل المكتبي أو التمثيل الرسمي في الفعاليات الخارجية، يقابل ذلك قصور أو محدودية في الفعاليات والأنشطة الداخلية، وتميل إلى الصفة الموسمية.. كيف تردون؟
- أعتقد أن ردي على أسئلتك السابقة يؤكد خلاف هذا الطرح، وإن كان العمل المكتبي أو تمثيل البلاد في المحافل الدولية يعدُّ مكمّلاً للأنشطة المنتظمة واليومية التي تضطلع بها الوزارة.
تشريعات متقدمة..
عدد كبير من القضايا والإشكاليات المتعلقة بحقوق الإنسان ترتبط بإشكاليات قانونية وتشريعية، وكما يبدو أن هناك بطئاً أو قصوراً في بلورة التعديلات المطلوبة على القوانين والتشريعات ... أين يكمن الخلل ... وما دوركم في هذه الحالة...؟
- اسمح لي أن أخالفك الرأي، باعتبار اليمن من الدول العربية القليلة التي تحظى بمنظومة قانونية وتشريعية متطورة جداً تتماشى تماماً مع شريعتنا الإسلامية العادلة، ولا تتصادم مع كل الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا، لكن الإشكاليات ترتبط بإنفاذ هذه القوانين والتشريعات وإعمالها إعمالاً كاملاً في الواقع، فهناك بطء ملحوظ في ترجمة النصوص القانونية إلى أفعال وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان، وهذا ما جعل فخامةَ رئيس الجمهورية يولي إصلاحَ منظومة القضاء أهميةً كبيرة؛ باعتبار القضاء هو الضمانة الوحيدة لقضايا حقوق الإنسان، ونحن نؤمن بأن التغيير لا يأتي دفعةً واحدة، بل يكون متدرِّجاً ومتوالياً، وهذا ما نلمسه بشكل بطيئ، ولكن التغيير جارٍ ومستمرٌ ولن نكون أفضلَ من دول متقدمة سارت مئات السنين على طريق الألف ميل حتى أدركت ما تتوق إليه.. بل إننا نشهد اليوم أن كثيراً من هذه الدول التي قطعت أشواطاً متقدمة في مجال الحقوق والحريات تتراجع بشكل ملحوظ، وتنتهك حقوق الإنسان باسم حماية هذه الحقوق والدفاع عنها.
فما بالك ببلد مثل اليمن نسبة الأمية الأبجدية بين مواطنيه تزيد على (75٪) والمؤشر البياني للفقر والزيادة السكانية في صعود مستمر، فضلاً عن تركة ثقيلة من الموروث الثقافي المتخلف.. أنا واثقةٌ أننا نسير في الطريق الصحيح، وما تحقق للإنسان اليمني في مجالات التعليم والصحة والمرأة وكافة مجالات الحياة الأخرى يعد انجازاً يستحق التقدير، وإن غداً أفضل ينتظرنا بعون الله، وبدعم قيادتنا السياسية التي لا تألو جهداً في سبيل بناء يمن مشرق وسعيد.
جدول أعمال..
ما أبرز الأعمال والاستهدافات الآنية والمنظورة التي تركز عليها الوزارة؟
- لدينا في الوزارة خطةُ عمل طموحةٌ من واقع البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية، وبرنامج الحكومة، نسعى إلى إدراك بعضها في عامنا الجاري، وانجاز بعضها الآخر في المستقبل المنظور إن شاء الله، ولعل أبرز هذه الأهداف إعداد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ووضع آلية متطورة لتعزيز الشراكة الفاعلة بين الوزارة ومنظمات المجتمع المدني، كما تعكف الوزارة حالياً على مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها بلادنا، ولدينا أيضاً مشروعٌ يهدف إلى إعداد مناهج تعليمية على مبادئ حقوق الإنسان موجَّهة إلى طلاب المدارس في كل مراحل التعليم.
كما تستعد وزارةُ حقوق الإنسان لمناقشة التقرير الوطني الشامل لأوضاع حقوق الإنسان في مطلع مايو القادم في جنيف.. وهو التقرير الذي أعدته الوزارةُ بمشاركة كل الجهات الرسمية ذات العلاقة ومشاركة عدد من منظمات المجتمع المدني.. وهناك جملةٌ من الاستهدافات المهمة التي حددتها خطةُ الوزارة للعام 2009م، مرتبطة بزيارة السجون ودور الأحداث ودور الأيتام، ومعالجة ما يمكن معالجته من أوضاع تسهم في تعزيز واقع حقوق الإنسان، والنهوض بتطلعاتنا صوب الأهداف المأمولة.