إبراهيم ناصر الجرفي - من المعلوم لدى الجميع أن حياة الأفراد والجماعات والمجتمعات مليئة بالحسابات الخاطئة ، في شتى مجالات الحياة ، لكن هناك حسابات خاطئة تفرق عن حسابات خاطئة أخرى ، فالحسابات الخاطئة على المستوى الشخصي تختلف عن الحسابات الخاطئة على المستوى المجتمعي ، والحسابات الخاطئة على المستوى الخاص تختلف عن الحسابات الخاطئة على المستوى العام ، وهكذا ، وتفرق عن بعضها من حيث الآثار المترتبة عليها ، وتظل الحسابات الخاطئة في العمل السياسي ، هي أسوأ الحسابات الخاطئة على الإطلاق ، لأن نتائجها كارثية ومأساوية ، وذلك لأن أضرارها تطال شعوباً بأكملها ، وفي كل الأحوال تظل الحسابات الخاطئة ، من الأمور غير المرغوب فيها ، على كل المستويات ..
ويمكن تدارك الحسابات الخاطئة ، إذا ما تم اكتشافها مبكراً ، وتم وضع المعالجات المناسبة لها ، في الوقت المناسب قبل استفحالها واستعصاء حلها ، والأفضل هو تداركها قبل حدوثها ، والأسوأ هو التعمد في تجاهل تلك الحسابات والإصرار على استمرارها ، رغم الآثار الكارثية المترتبة عليها ، وفي مثل هذه الحالة ، فإنه يظهر جلياً أن تلك الحسابات لم تكن خاطئة وغير مقصودة ، بل مخططة ومقصودة ، وهذا يجعل القائمين عليها يدخلون في دائرة الاتهام والمحاكمة والإدانة ، خصوصاً إذا أصروا على الاستمرار في خوض حساباتهم الخاطئة ، وعدم قيامهم بوقفها ، فإنهم في هذه الحالة يتحملون كامل المسئولية عن كل الآثار الكارثية والمأساوية الناتجة عن حساباتهم الخاطئة والمقصودة ..
وكم تجرعت البشرية من الكوارث والمآسي ، نتيجة الحسابات السياسية الخاطئة وغير المدروسة بعناية ودقة ، كإعلان الحروب والصراعات ، والمشكلة في خطورة الحسابات السياسية الخاطئة ، تكمن في أن شعوباً بأكملها تتعرض للكوارث والمآسي نتيجةً لها ، بل إن بعضها تؤثر على البشرية برمتها (الحرب العالمية الأولى والثانية إنموذجاً) ، والتي سقط ضحيتها ملايين البشر ، وتسببت في كوارث ومآسٍ كبيرة جداً ، لذلك حاول المفكرون السياسيون وضع آلية يمكن من خلالها كبح جماح تلك الحسابات الخاطئة ، من خلال إنشاء مؤسسة عالمية ، محكومة بقوانين ولوائح دولية ، تضبط سلوكيات القادة السياسيين ، وتمنعهم من فرض حساباتهم السياسية الخاطئة على المجتمع الدولي ، وتلك المؤسسة هي الأمم المتحدة ، المحكومة بالقانون الدولي ..
لكن للأسف الشديد تدخَّل السياسيون في هذا الشأن ، وخصوصاً المنتصرين منهم في الحرب العالمية الثانية ، ليضعوا شروط المنتصر في تركيبة وهيكلة الأمم المتحدة ، ويضعوا لأنفسهم امتيازات ليست لغيرهم ، تمنحهم حق النقض الفيتو في كل قرار قد لا يتناسب مع مواقفهم ومصالحهم ، ليُفقِدوا بذلك الأمم المتحدة من حياديتها وعدالتها ، وليُفرِّغوا لوائحها وقوانينها من محتواها ، لتستمر الحسابات السياسية الخاطئة ، وإن كانت بشكل أقل عما كانت عليه قبل إنشاء الأمم المتحدة ، ولتُطبَّق تلك القوانين واللوائح والعقوبات الأممية على الدول الضعيفة ، والصغيرة ، والفقيرة فقط ، ليظل بذلك ميزان العدل والإنصاف البشري مائلاً ومختلاً لمصلحة الأقوياء على حساب الضعفاء ، ولمصلحة الأغنياء على حساب الفقراء ..!!
وكم هي الحسابات السياسية الخاطئة التي تعصف اليوم بعالمنا العربي ، نحو السلبية والفشل والتراجع الحضاري ، نتيجةً للتعصبات الدينية والمذهبية والحزبية والمناطقية والقبلية والطائفية ، لتتجمع كل أنواع وأشكال التعصبات في مجتمعنا العربي ، ليغرق في مستنقع الخلافات والصراعات والحروب ، ولتتزايد الحسابات الخاطئة للسياسيين العرب ، لتدفع الشعوب العربية الفاتورة الباهضة ثمن تلك الحسابات السياسية المتهورة والإنفعالية والطائشة ..!!
وما ثورات الربيع العربي إلا واحدة من تلك الحسابات السياسية الخاطئة والارتجالية ، وكم وكم قاد السياسيون العرب شعوبهم نحو المهالك والصراعات والحروب ، نتيجة حساباتهم السياسية الخاطئة ، وهناك بعض القادة العرب لهم مواقف إيجابية في هذا الخصوص ، منهم الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ، وهو يطلب من قيادات الجيش بعدم الرد على الإعتداء الآثم والإرهابي ، الذي تعرض له في جامع دار الرئاسة ، وكذلك وهو يُسلِّم السلطة بصورة سلمية وحضارية ، وكل ذلك في سبيل حقن دماء أبناء الشعب اليمني ..!!
وللأسف الشديد
هناك في عالمنا العربي من ينظر إلى تلك المواقف الإيجابية ، نظرة سلبية ويصف من قاموا بها بالجبن والضعف ، بينما يرى الشجاعة والبطولة في المواقف السلبية والمتهورة الناتجة عن الحسابات السياسية الخاطئة ، دون اعتبار للآثار السلبية والكارثية لها على الشعب والوطن ، وهكذا مواقف غير طبيعية وغير متوازنة ، هي من تجد المبررات والحجج ، لأصحاب الحسابات السياسية الخاطئة ، وهي من تشجعهم على اإنتهاج تلك السياسات السلبية والتدميرية ، لنجد أن في عالمنا العربي هناك مؤيدين ومشجعين لأصحاب الحسابات السياسية الخاطئة ، يدفعهم إلى ذلك التعصبات أو التحزبات أو المصالح ..!!
وطالما وهذا هو الوضع السائد ، فإن عالمنا العربي على موعد مع الكثير من الحسابات السياسية الخاطئة ، وعلى موعد مع الكثير من الصراعات والحروب المتعددة والمتنوعة ، (الأزمة اليمنية والسورية والليبية والعراقية إنموذجاً) ، حتى يأتي ذلك اليوم ، الذي يتلاشى فيه مؤيدي ومشجعي ومناصري الحسابات السياسية الخاطئة ، عندها يمكن أن تنعم مجتمعاتنا العربية بالأمن والاستقرار والتقدم والتطور ، وعندها سوف تهيمن الحسابات السياسية الصحيحة والمدروسة والمخططة والعقلانية على مجريات السياسة والأحداث فيه ، وسيكون هذا مؤشر على تلاشي ظاهرة التعصبات المذهبية والطائفية والحزبية السلبية ..!!
|