محمد العريقي - طالما وهناك توحد على ضرورة مكافحة الفساد ، بعد ان أيقن الجميع خطورة هذه الظاهرة المعيقة للتطور الاقتصادي والاجتماعي ، فقد آن الأوان للسير في المسالك الصحيحة والناجعة للتصدي لهذه الآفة الخطيرة ، من خلال الخطوات والإجراءات الفاعلة والعلمية ، وليس من دوافع حماسية لحظية مرتبطة بحدث ما ، أو لحسابات سياسية ، فهذا الانفعال الحماسي لن يحقق الفائدة المرجوة ، ولن يكفل الاستمرارية ، وقد يتلاشى تأثيره ، مالم يؤطر بالآليات والأدوات الفاعلة التي تتبعها الدول التي نجحت في هذا المجال .
ولنعلم ان مشكلة الفساد ليست قضية مقتصرة على اليمن ، وإنما هي مشكلة عالمية ، تتفاقم تعقيداتها كلما توسع وتقدم النشاط الاقتصادي ، وتزايدت احتياجات بعض ضعفاء النفوس للثراء غير المشروع .
ولذلك أصبحت الدول مهتمة في مواجهة هذه المعضلة الاجتماعية والاقتصادية ، فابتكرت المعالجات والحلول القانونية والفنية والتكنولوجية ، وهيأت لها الكوادر البشرية المتخصصة ،وفوق هذا كله مهدت بقوانين الحصول على المعلومات والشفافية ، إلى جانب الإرادة السياسية ، والإدارة الناجحة ، والمناخ الديمقراطي ، واستطاعت هذه الدول تطويق وتحجيم ظاهرة الفساد عند حدوده الدنيا .
وإذا كان اليمن من أكثر الدول المتضررة من آفة الفساد كما هو ملموس في الواقع ، وكما تؤكده أيضا التقارير الدولية ، فقد صنّفت المنظمة البريطانية لمكافحة الفساد "الشفافية الدولية"، صنفت اليمن في المرتبة الحادية عشرة لأكثر الدول فساداً في العالم، وأكثر الدول فساداً في منطقة الخليج.
وهذا ليس تحاملاً على اليمن ، فأي مواطن عادي أصبح يدرك ان الفساد هو اكبر عدو معيق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وطالت مخالبه كل مقدرات واستحقاقات المجتمع ، وبدت مظاهره المكشوفة بكل تحد واستخفاف في أكثر من مشهد في حياة الأفراد والجماعات الفاسدة الذين أصبحوا يمتلكون الثروات والعقارات والشركات ، ليس لأنهم احترفوا التجارة والصناعة ، وإنما سهل لهم الوصول إلى مصادر الأموال العامة دون حسيب أو رقيب .
وليس الفساد مرتبطاً فقط بالضرر الذي طال المال العام ، فأيضاً القطاع الخاص كان له نصيب من هذه الظاهرة ، وكل ذلك تفشى في عدم تفعيل الأنظمة والقوانين الرادعة ، وتردي القيم والأخلاقيات ، حتى كاد الفساد يوغل في حياة الأسرة الواحدة التي طغت فيها الأنانية الى مستوى الخصام والتناحر ، وهنا يتطلب الاعتراف بخطورة المشكلة ، وتشخيص أبعادها ، وتنفيذ استراتيجية العمل لمواجهتها ، اذا كان هناك استراتيجية مجتمعية لذلك ؟ وفي كل الأحوال لابد ان نسلّم أننا بحاجة إلى عمل مستمر منظم وممنهج لهذا الموضوع ، ونبحث في مكامن الضعف في أجهزتنا الرقابية التي عجزت عن القيام بدورها .
فرغم ان اليمن لديها إطار عمل قانوني ومؤسسي لمكافحة الفساد منها الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد ، والهيئة العليا للرقابة على المناقصات والمزايدات ، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ، ونيابات الأموال العامة ، وغير ذلك من الهيئات والمؤسسات الرقابية ، ومع ذلك ، لم يحدث الاختراق الكافي في جدار الفساد مما يجعل الحاجة ماسة للاستفادة من تجارب الدول التي حققت نجاحا في هذا المجال ،خاصة ونحن أصبحنا نستورد كل شيء من الخارج ، فلا نكابر وندَّعي أننا نفهم في كل شيء ، فلماذا أيضا لا نستفيد من تجارب الدول في هذا المضمار .
فتجفيف منابع الفساد لم يعد فقط بالملاحقة ،أو سوء الظن ، فالفاسد يحيط نفسه بكل التدابير حتى لا يصل إليه احد ، ومن ذلك سلطة القوة والنفوذ ، أو أساليب الاحتيال والتضليل ، ومن هنا لابد من إجراءات فاعلة وقوية معززة بقوة القانون المتكئ على قوة الدولة ، وتجسيد مبدأ الشفافية والمساءلة ، المعزز بمناخ ديمقراطي حر ، وفي ظل هيبة القضاء ، وهذه أدوات وآليات لجأت إليها الكثير من الدول في مقارعة الفساد ومنها الهند التي تتميز تجربتها بفعالية الدور المجتمعي في الرقابة والمساءلة والشفافية .
كما أن اليمن موقّعة على مواثيق دولية لمحاربة الفساد وفيها الرؤى والتصورات التي يمكن اتخاذها للحد من هذه الظاهرة ، والتساؤل هو: إلى أي مدى استفادت اليمن من هذه الوثائق ؟ والمهم هو: إلى أي مدى أيضا فعَّلت اليمن من أجهزتها الرقابية والقضائية ، والإعلامية ، والمجتمعية ، للتصدي للفساد ومن خلفه الفاسدون ، هذه التساؤلات لا يُرَد عليها إلا في ظل دولة حاضرة ، وليست دولة مغيبة ، ندعو الله ان يمن علينا بدولة تعم كل ربوع الوطن.
|